استطاع العمال الانتقال من مجرد فئة تتعرض للتهميش في الكثير من المواقف إلى الانتقال لجماعات ضاغطة لها قوة التأثير على الحكومات وتشارك في صنع القرار السياسي من خلال الإضرابات التي كانت سلاحهم الوحيد للتعبير عن مطالبهم رغم كل القيود التي حاولت جميع الأنظمة الحاكمة فرضها عليها. تشكل الاتحاد العام لنقابات العمال في عهد جمال عبد الناصر عام 1957 وتأسس على عضوية نقابات الوحدات الانتاجية والتي كان عددها عام 1960 ما يزيد عن 500 نقابة ثم أعيد تشكيل الاتحاد بعد ذلك بدمج نقابات الوحدات في نقابات عامة لكل صناعة وبهذا اتخذ الاتحاد العام لنقابات عمال مصر شكله عام 1964 وكان حجم الأعضاء المسجلين بها حوالي نصف مليون في ذلك الوقت، ولأن عبد الناصر أحكم سيطرته على كل شيء في الدولة فلم تكن هناك فاعلية لاتحاد العمال كجماعات ضاغطة في مطالبة حقوقهم في عهده بل اتخذوا سياسات مؤيدة للنظام الناصري مما جار في بعض الأحيان على حقوق العمال وهذا ما دفع العمال لتنظيم المسيرات الاحتجاجية التي طالبوا فيها بتحسين أوضاع عملهم ومعيشتهم إلا أن رد السلطة كان بالغ القسوة عليم وظهر ذلك في إضرابات عمال مصانع الغزل والنسيج بكفر الدوار في أغسطس عام 1952 والتي تم على إثرها محاكمة قادة الإضراب عسكريا وإعدام اثنين منهم وهما ( مصطفى خميس ومحمد البقري)، فكان سلاح العمال ضد الحكومة هو الإضراب ومسيرات التظاهر للضغط عليها والاستجابة لمطالبها وكان يتم ذلك ضد مشيئة المجلس التنفيذي للاتحاد العام ورغم أنف قياداتهم. وشهد عصر السادات العديد من الإضرابات بعد سياسة الانفتاح الاقتصادي بسبب تردي مستوى معيشتهم فدخل العمال في إضرابات كإضراب أغسطس عام 1971 الذي نظمه عمال مصنع الحديد والصلب بحلوان واستمر عدة أسابيع وطالبوا فيه بزيادة الأجور وتحسين ظروف العمل كرد فعل لإهمال الدولة لهذه المطالب قبل الاعتصام وتقاعس اللجنة النقابية بالمصنع عن اتخاذ موقف صارم ضد الحكومة خوفا منها ولكن النظام لجأ لسياسة القمع والعنف وتفريق المتظاهرين بالقوة ، واتخذ الاتحاد العام للعمال موقف الوسط أمام الحكومة في تفسير احتجاجات العمال خصوصا وأنها كانت تتم دون موافقته، فكان يبرر هذه الاعتصامات بتضرر العمال وفي نفس الوقت يدين أعمالهم العنيفة في التعبير عن الرأي وظهر ذلك بعد إضراب عمال حلوان في إصدار الاتحاد بيان يدين الإضراب وينصح بتركيز العمال في الإنتاج لأن ظروف البلد لا تسمح بذلك وتم على إثر هذا البيان فصل العديد من المشاركين في الإضراب وتقديمهم للمحاكمة والتحذير بعدم تكرار ذلك في المستقبل وبذلك تحول الاتحاد العام والقيادات النقابية لجماعات مصالح تتبختر بين السلطة والعمال ، وفي عام 1972 أعلن 6 آلاف عامل من عمال ميناء الإسكندرية إضرابهم احتجاجا على عدم دفع أجورهم الإضافية وأيضا اتخذت الدولة سياسات العنف معهم ، وكذلك إضراب عمال مصنع الغزل والنسيج بالمحلة الكبرى في حركة عصيان دامت 3 أيام في عام 1975 ، وإضراب عمال مصنع السكر بنجع حمادي في نفس العام بسبب إلغاء ساعة الراحة بحجة تعطيلها للإنتاج ، وأيضا إضراب عمال أحد المصانع الحربية وبهذا تشكلت الحركات العمالية كجماعات ضاغطة على الحكومة في صنع القرار السياسي والذي جعل السادات يبحث عن حل لهذا الكابوس المزعج فأصدر قانون النقابات العمالية رقم 35 لسنة 1976 يتم بمقتضاه تقييد الحركة العمالية وحل اللجان النقابية ومعاقبة العمال لو قاموا بالإضراب، لكن العمال لم يلتفتوا لهذا التحذير وقاموا بأشهر الإضرابات في انتفاضة يناير 1977 بالمشاركة مع كل فئات المجتمع بسبب قرار الحكومة بزيادة الأسعار وواجهوا قوات الجيش والشرطة والتي على إثرها توقفت كل النشاطات في مصر. وأدى اتباع مبارك لسياسة الانفتاح وبعد ذلك للخصخصة مع مطلع الألفية الجديدة إلى انعكاس ذلك على زيادة أعباء المعيشة وارتفاع الأسعار على المواطنين مما نتج عنه الكثير من الإضرابات مثل إضرابات العمال والحركات العمالية وظهر ذلك في أحداث كفر الدوار عام 1984 بإضراب عمال النسيج والسكة الحديد والتي شهدت انتهاكات وصراعات دموية من النظام الحاكم ، وكذلك الإضرابات التي حدثت من عمال غزل المحلة عام 2006 والتي يعتبرها كثير من المحللين البداية الحقيقية لثورة 25 يناير 2010وكذلك عمال النقل في عامي 2007 و 2009 لم تتوقف إضرابات العمال منذ إسقاط مبارك وظلت احتجاجاتهم وإضراباتهم قائمة تهدف للضغط على الحكومة لتحقيق العدالة الاجتماعية وتطهير المؤسسات الحكومية من رموز الفساد ، فنظم العمال في فبراير 2011 حوالي 489 احتجاجا ما بين إضرابات واعتصامات ومظاهرات ، و 122 احتجاجا في مارس ، و90 في إبريل ، و 97 في يونيو ، و75 في يوليو ، و 65 في أغسطس وكان كل ذلك في مواجهة ضربات المجلس العسكري وتشويه الإعلام لهم وتحت مظلة القوانين القمعية كقانون تجريم الإضرابات والاعتصامات وقانون الطوارئ ولذلك تحتاج الحركات العمالية بعد ثورة يناير إلى درجة عالية من التنظيم والوحدة للدفاع عن مطالب الثورة ومواجهة الثورة المضادة .ويتوقع كمال عباس المنسق العام لدار الخدمات النقابية والعمالية أن دور العمال في الضغط على الحكومة سيتخذ شكل القوة إن لم تلتفت لمطالبهم وتتخذ أساليب جديدة في التعامل معهم لأن ما يدفعهم للإضراب هو عدم وجود آلية للتفاوض محذرا من العواقب الوخيمة التي يمكن أن يلجأ إليها العمال في حالة عدم الاستجابة لمطالبهم مؤكدا على ضرورة إقرار قانون التنظيمات النقابية ليتيح ممارسة النقابية والعمالية.