التاريخ المصري زاخر بالأحداث المهمة والمؤثرة محليا ودوليا، ومعظمها كان مرتبطا بفكرة الاستقلال الوطني، والحفاظ علي هوية الدولة المصرية التي تضرب بجذورها في أعماق التاريخ.. أحد أهم هذه الأحداث في التاريخ المعاصر المرتبطة بفكرة الاستقلال الوطني تشكلت عند قيام سعد زغلول ورفيقيه علي شعراوي وعبدالعزيز فهمي بمطالبة المندوب السامي البريطاني في 13 نوفمبر 1918 بمغادرة مصر وإنهاء الاحتلال.. وكان ذلك عقب انتهاء الحرب العالمية الأولي مباشرة وفي أوج قوة وانتصار الإمبراطورية البريطانية وبسط قبضتها علي كثير من دول العالم.. إلا أن مصر فاجأت الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس بطلب الاستقلال والسيادة، وتلا هذا الموقف جمع التوكيلات لسعد زغلول، وتفجير ثورة 19 كإحدي أهم الثورات التي امتد تأثيرها لدول عديدة ومنها الهند التي طالبت أيضا بالتحرر. رغم حصول مصر علي الاستقلال عام 1922، فإن سعد زغلول شعر بأنه استقلال منقوص واستمر في كفاحه وقيادة كل القوي الوطنية لتحقيق الهدف الأهم. وهو سيادة الأمة وكان يري أن سيادة الأمة لا تتحقق إلا من خلال شرطين أساسيين هما الاستقلال في مواجهة الخارج من خلال جلاء المحتل تماما عن الأراضي المصرية، وباستقلال وتحرر القرار المصري من أي تبعات أو توجيهات خارجية من أي دولة في العالم وعلي رأسها بريطانيا العظمي.. أيضا كان يري سعد زغلول أن سيادة الأمة لن تكتمل إلا بتحقيق الديمقراطية في الداخل حتي يصبح الشعب هو السيد وهو الحاكم الفعلي وذلك من خلال وضع دستور جديد وإجراء انتخابات حرة ونزيهة يحققان هذا الهدف، ويرسخان الوحدة الوطنية بمفهومها الواسع الذي لا يقف عند حد التعايش والتلاحم الإسلامي المسيحي وإنما يحقق العدالة الاجتماعية والمساواة لكل المصريين. الآن وبعد حوالي قرن من الزمان.. وبعد ثورتين فيهما نفس الشعارات تقريبا أصبح استقلال القرار المصري أحد أهم المطالب الشعبية، وهو ما تلاحظ بجلاء في ردود الأفعال الإيجابية تجاه زيارة المشير عبدالفتاح السيسي وزير الدفاع والسيد نبيل فهمي وزير الخارجية إلي روسيا الاتحادية، والتي رآها كثير من المحللين وعامة الناس أنها تمثل تحرراً من التبعية الأمريكية التي عاشتها مصر منذ أواخر السبعينيات وحتي الآن.. وبنفس القدر من الترحاب والتأييد الشعبي للعلاقات الجديدة مع روسيا، كان أيضا التأييد لكل قرارات الحكومة المصرية في مواجهة التدخل الرسمي التركي أو القطري في الشأن المصري، وكلها ردود أفعال تؤكد تطلع هذا الشعب إلي استقلال القرار المصري وسيادة هذا الشعب في وطنه. زيارة المشير السيسي والسفير فهمي إلي روسيا يجب أن تكون بداية وليست رسالة حتي يعود الدور الإقليمي والدولي لمصر من خلال سياسة جديدة تعتمد علي تنوع وتعميق العلاقات مع القوي الكبري مثل الصين التي كانت مصر من أولي الدول في الاعتراف بها بعد انفصالها عن تايوان ومع باقي دول النمور الآسيوية وغيرها من الدول التي يمكن أن تعوض مصر من خلال الاتفاقيات التجارية والاقتصادية والعسكرية عن المساعدات الأمريكية بعدة أضعاف، حتي تستعيد مصر سيادتها وريادتها وهيبتها التي يحلم بها كل المصريين، وكانت دافعهم الأكبر في الخروج علي النظام الإخواني في 30 يونية بعد أن شعروا بالمهانة من التدخلات الخارجية في الشأن المصري وتقزم النظام الحاكم أمام أصغر دول العالم ومع منظمات وجماعات، والخنوع التام لماما أمريكا وطفلها الصهيوني، ووصلت المهانة إلي حد التفكير في التنازل عن بعض الأراضي المصرية شرقا وجنوبا مقابل تمكنه من الحكم في دلالة واضحة علي إهدار السيادة المصرية التي لا يقبلها مصري واحد شريف.