العلاقات المصرية الكويتية علاقات حب متبادل ، ومصالح مشتركة ، وإخوة صادقة، وما قدمته الكويت من مساعدات لمصر واجب متوقع وطبيعى فى ظل التشابك والتشارك الذى ساد التعاون بين البلدين. هذا ما خلصت إليه ندوة العلاقات الاقتصادية بين مصر والكويت والتى استضافها معرض الكتاب أمس الأول بحضور بدر مشارى الحميضى وزير المالية الكويتى السابق، وأدارها الاعلامى والكاتب الصحفى محمد مصطفى شردى رئيس مجلس ادارة وتحرير «الوفد». بدأ اللقاء بعرض من «شردى» للظروف الاقتصادية التى تمر بها مصر بعد ثورتى يناير 2011 و30 يونيو وما حمل ذلك من تبعات انكماشية على الاقتصاد ، مؤكدا أن أهم ما يشغل المصريين فى الوقت الحالى هو التوظيف وأسعار السلع وتوقعات النمو. وقال «شردى» إن مصر تعتز بمن يقف معها فى أوقات الشدائد والصعاب وتقدر الدول العربية التى ساندت آمال المصريين فى التحرر، وعلى رأس تلك الدول دولة الكويت ، مطالبا بدر الحميضى بعرض تاريخ العلاقات الاقتصادية بين البلدين ، وتصوره لمستقبل تلك العلاقات، ورأيه كخبير اقتصادى فيما يجب على مصر عمله لتجاوز الأزمة. إن بدر الحميضى الذى تولى وزارة المالية الكويتية، وعمل كمدير للصندوق الكويتى للتنمية على أكثر من عشرين عاماً، يمتلك تصوراً ثاقباً حول الظروف الاقتصادية للدول وكيفية خروجها من الازمات الاقتصادية، فضلاً عن خبرات وافرة فى التعامل مع الظروف الاستثنائية، وهو ما ساهم فى اتساع حجم الحضور فى معرض الكتاب سواء من المصريين أو الكويتيين. وقال بدر الحميضى إن العلاقات الاقتصادية بين مصر والكويت تمتد عبر التاريخ إلى سنوات الثلاثينيات من القرن الماضى عندما كانت الكويت دولة لا موارد لها حيث كانت تعتمد على رسوم الجمارك وحدها، وفى تلك السنوات قدمت الحكومة المصرية بعثات تعليمية للكويتيين، وساهمت فى احداث عملية تنمية وتنوير ، وهو ما دفع الكويتيين فيما بعد للتعلم فى الجامعات والمدارس المصرية. وأوضح أن ظهور النفط فى الكويت وبدء استغلاله جعل الكويت قادرة على رد الجميل لمصر وقد شهدت سنوات الستينيات تعاونا وثيقا فى مجالات الاقتصاد والتنمية. وقسّم «الحميضى» المساعدات الكويتية المقدمة إلى مصر إلى ثلاثة أقسام أولها الجزء الحكومى، وثانيها مساعدات الصندوق الكويتى للتنمية، فضلا عن المساعدات الشعبية المقدمة من الشعب الكويتى إلى الشعب المصرى. وأضاف أن تلك الاجنحة الثلاثة لم تنقطع حتى فى ظل ظروف مقاطعة الدول العربية لمصر بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد. وقال: «لقد قدمت الكويت مساعدات سنوية لمصر فى أعقاب العدوان الاسرائيلى عام 1967، كما قدمت معونات بعد نشوب حرب 1973، وبعد ثورة يونيو قدمت الحكومة الكويتية 4 مليارات دولار منها مليارا دولار ودائع تم ايداعها فى البنك المركزى المصرى، ومليار دولار منحة لا ترد ، ومليار دولار أخرى قدمت كمشتقات بترولية. وسأل محمد شردى عن أسباب تأخر بعض المساعدات طالبا توضيح أى أنواع المعونات تتعرض للتأخر بسبب ضرورة الحصول على موافقة البرلمان؟ وأجاب بدر الحميضى بأن الوديعة التى أودعت فى البنك المركزى لا تحتاج إلى موافقة برلمانية وكذلك المشتقات النفطية ، لكن المنحة البالغة مليار دولار تحتاج لموافقة البرلمان طبقا للدستور الكويتى. أضاف ان الصندوق الكويتى للتنمية قدم دعما لعدة مشروعات مصرية كان أبرزها مشروع استصلاح الأراضى فى شمال سيناء، ومشروعات الصندوق الاجتماعى للتنمية. وكشف بدر الحميضى أن هناك مبادرات شعبية كويتية توفر مساعدات للشعب المصرى ، موضحا أن مجموعة من السيدات الكويتيات أصدرن بيانا فى الاسبوع الماضى لبدء حملة تبرعات كويتية للشعب المصرى. وقرأ بيان المبادرة التى كان نصها كالتالى: «انبثقت المبادرة الكويتية لمساعدة الشعب المصرى مطلع شهر يوليو 2013 بعد تردى الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للمواطن خاصة فى القرى والأرياف ، وقد تنادى شباب ونساء الكويت بهذه المبادرة بهدف تقديم المعونة للشعب المصرى الشقيق»، أضاف أنه سيتم عمل فعاليات خلال الاسبوع القادم لجمع معونات ومساعدات من شعب الكويت لمصر. وبرر الحميضى مساندة الكويت وشعبها لمصر ، بأنه نوع من رد الجميل للمصريين الذين احتضنوا الشعب الكويت فى محنته عام 1990 بعد الغزو الصدامى للكويت. وتساءل «شردى « عن موقف الاستثمارات الكويتية فى مصر ومجالاتها وسبل تنميتها وأجاب « الحميضى «بأنها من أقدم الاستثمارات وأنها تتنوع بين قطاع البنوك، العقارات، الانشاءات، الصناعة، والترفية والمطاعم. وقال إن أى مستثمر جاد يرغب فى الاستثمار فى بلد ما يبحث عن الأمن والاستقرار، وأنه واثق أن مصر تسير فى طريقها الصحيح نحو الاستقرار بخطى حثيثة. وسأل «شردى» الوزير الكويتى عن رؤيته للتعامل مع الانكماش الاقتصادى، خاصة أنه مديراً لصندوق التنمية الكويتى خلال غزو صدام للكويت؟ ورد بدر الحميضى أن الحكومة الكويتية كانت موجودة فى الطائف بعد الغزو وشارك فى دراسة الوضع الاقتصادى ، وكان أهم شىء لدينا هو الإرادة. وبالفعل امكن تجاوز الأزمة بعد عودة الكويت وتحريرها . «وفى مصر فإن السنوات الثلاث الماضية ألقت بآثارها السلبية على الاقتصاد المصرى وهو ما ظهر فى عدة مؤشرات من بينها تراجع احتياطى البنك المركزى من النقد الأجنبى من 34 مليار دولار إلى نحو 13 مليار دولار، ثم ارتفاعه بعد مساعدات الدول العربية إلى أكثر من 19 مليار دولار». وقال إن مصر لديها نسبة عالية من الخبرات والكفاءات وقادرة على تجاوز أزمتها بشرط تحقيق الاستقرار وتوفير المناخ الملائم لجذب استثمارات جديدة. أضاف أن هناك حاجة ماسة لتنفيذ الحكومة للبنية التحتية اللازمة لتهيئة المناخ مثل مد الطرق واقامة محطات الكهرباء. وعلق «شردى» بأن البعض ينظر لأى استثمار اجنبى بنوع من الريبة، ويكيل الاتهامات للدولة بتدليل المستثمرين الأجانب ، ومنحهم تسهيلات غير ممنوحة للمصريين. وأجاب «الحميضى «أن ذلك الاتهام موجود فى كافة دول العالم من جانب البعض، مشيراً إلى أنه حتى فى الكويت ينظر البعض بريب لأولئك المستثمرين الكويتيين الفائزين بتنفيذ مشروعات معينة. وقال إن المهم فى هذا الشأن أن تضع الحكومة الضوابط الصارمة التى تمنع أى فساد. وسأل «شردى» سؤالاً صريحاً عن المقابل الذى تطلبه الكويت من مصر نظير مساعداتها؟ ورد «الحميضى» بأن الكويت لا يمكن أن تعيش بعيدا عما يحدث فى مصر. وضرب مثالا بسفينة من عدة طوابق مؤكداً أن تخريب طابق واحد يؤدى إلى غرق السفينة كلها. وقال: «إن الكويت دولة صغيرة سكانا ومساحة وقوتها متمثلة فى بنيتها الاقتصادية ، وواجب الحكومة أن تكون الدولة حاضرة سياسياً»، «أضاف أنه يعتقد أن الكويت ستستمر فى مساندة مصر حتى تتجاوز المحنة التى تواجهها لأن ذلك واجبها السياسى. ورداً على تساؤل حول سياسات الاصلاح الاقتصادى الواجب تنفيذها فى مصر خلال المرحلة القادمة ، قال إن منظومة الدعم يجب أن يعاد تخطيطها بما ينهض بالاقتصاد ويحقق الغرض الأساسى من الدعم، وهو مساعدة الطبقات الفقيرة، مشيراً إلى أنه ليس من المعقول دعم الكهرباء لصاحب قصر كبير . كما أن بعض الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة يتم دعمها ولا يصل ذلك الدعم إلى محدودى الدخل، مشيراً إلى أن الكويت أيضا تحتاج لمراجعة منظومة الدعم لديها لأن 25 % من موازنة الدولة تذهب للدعم.