ظل الأزهر بصرحه الشامخ وامتداداته الإقليمية والعالمية يواصل مسيرته الحضارية كأقدم جامعة على وجه الأرض وخرج الأزهر طوال تاريخه على النطاق العلمى الذى ظل حريصاً عليه، فشارك فى الحياة السياسية العامة وكان قلعة إسلامية دفاعاً عن الإسلام والعروبة ثم أصبح قلعة مصرية تسعى إلى تعميق الوحدة بين عنصرى الأمة المسلمين والأقباط، فهو شقيق القاهرة وتوأمها، ولد معها فى العام نفسه ويضعف لضعفها ويقوى لقوتها، ويثور لثورتها ويحميها، وعندما مرت مصر بمراحل من الضعف والتراجع عن ريادتها فى وقت من الأوقات، أصاب الأزهر العطب مثل كثير من مؤسسات الدولة، إلا أنه ظل كالنار تحت الرماد تحرق يد من تمتد إليه بسوء أو فساد، وقد فشلت محاولات الأخونة والسلفنة التى أريدت للأزهر خلال حكم الجماعة المحظورة، وقيض الله للأزهر رجالاً مخلصين وقفوا صفاً واحداً يجمعهم هدف واحد هو الحفاظ على مكانة وريادة الأزهر الشريف جامعاً وجامعة، كأول مؤسسة سُنية فى العالم الإسلامى، رغم أنه نشأ أساساً لنشر المذهب الشيعى، إلا أنه أصبح أكبر مدرسة وجامعة للمذهب السُّنى، ومن هؤلاء الرجال ضيف حوارنا اليوم الدكتور محمود عزب، مستشار شيخ الأزهر لشئون الحوار، التقيناه فى مكتبه بالمشيخة وكان هذا الحوار. بداية.. ما رؤيتكم للمشهد السياسى فى مصر الآن؟ - المشهد السياسى فى مصر يجب أن يفهم فى إطار بلد قام بثورتين، أو ثورة على موجتين اثنتين 25 يناير و30 يونية، والثورة هى إخراج كل ما فى بطن البلد من تناقضات وتراكمات حتى تتخلص منها، وتستعيد قيمها الصحيحة والقيم الجديدة العالمية التى تناسب هويتها وثقافاتها وتاريخها، وبالتالى طبيعى جداً أن تحدث مشاكل وعقبات لأن أى ثورة لها أعداؤها الذين أضرت بهم وبمصالحهم ويكونون ضدها فالثورة لن تكون وردية، ولن يكون الطريق مفروشاً أمامها بالورود، ولكن سوف تعانى حتى يعى الشعب، لذلك من المهم أن نرى تطور وعى الشعب المصرى منذ 25 يناير إلى اليوم، وإدراكه لما يفيده ولما يضره، وإدراكه لحقائق الأمور واهتمامه بالسياسة بشكل يتحسن تدريجياً، وبالتالى هذا طبيعى جداً، ولكن الحقيقة والشىء المطمئن أن مصر تسير فى طريق الاستقرار وفى تنفيذ خارطة المستقبل التى وعدت بها، فالدستور تمت صياغته والأغلبية راضية عنه بشكل كاف جداً، ومعقول جداً، ونتمنى أن يصوت له بنعم حتى تكون خطوة للاستقرار، وكل شىء قابل للاستكمال والتصحيح والتحسين. قانون التظاهر كيف تنظر إلى قانون التظاهر الجديد.. وهل تؤيده؟ - نحن نتحدث كل يوم عن التظاهر السلمى، لكن يبدو فى الواقع أننا لا نرى تظاهراً سلمياً، بل نرى حرقاً للمنشآت والسيارات وقطعاً للطرق وتدمير إمكانيات الجامعة وتعطيل الدراسة، مع أن الجامعة خصصت للعلم، ونحن قمنا بالتدريس فى مختلف جامعات العالم، ولم نر ذلك، وعلى سبيل المثال كنا فى باريس نرى مظاهرات لكن لم تكن بهذا الشكل، وكانت تقوم بشكل حضارى، ولا يستطيع أحد أن يدخل مقر رئاسة الجامعة ويحرق الأجهزة ويقوم بتكسيرها، وبعد ذلك يدعى حق التظاهر، كما يحدث لدينا، بعض التيارات السياسية تقول للأسف إن التظاهر بشكل مطلق مطلوب، أو وارد، لكننا نقول لا، فالتظاهر له حدود وإدراك للمصلحة العليا للبلد، والناس يعلمون جيداً ما حدث فى لندن على سبيل المثال، عندما تعرضت لخطر كبير، فقال رئيس الوزراء ديفيد كاميرون إنه لا يوجد شىء اسمه حقوق إنسان أمام وطن يُحرق، وبالطبع نحن لابد أن ندافع لآخر لحظة عن حق التعبير عن الرأى، لأن الإسلام يجيزه والعلم أيضاً يجيزه، والسياسة والوطنية والديمقراطية تجيزه، لكن على المتظاهرين أيضاً الحد الأدنى من الأخلاق، فأصبحنا نرى الطالبات يقتحمن باب عميدة إحدى الكليات ويقمن بضربها وكسر أبواب الكلية فهل هذا تظاهر، وهل هذا مقبول؟ التظاهر وارد لكن يجب الحسم مع من يخرج على قواعد الأخلاق والآداب والسلمية، ويقوم بالتدمير ويحرق ويعرض الآخرين للقتل، ويعطل الدراسة، وهى رسالة الجامعة الأولى واشتغال الطلاب بالعمل الوطنى شىء وارد، لكن ما يحدث الآن ليس اشتغالاً بالعمل الوطنى، بل هو تدمير للوطن وبالتالى قانون التظاهر يجب أن يطبق، وعلى الجميع أن يحترمه، والعالم المتحضر الذى نريد أن نقلده ونتكلم عن ديمقراطيته يكون معلوماً فيه وقت المظاهرة ومكانها لدى الأمن حتى يحميها ويحمى المجتمع منها إذا تخطت أصول التظاهر. كيف تقيّم دعوات المصالحة ورغبة بعض القوى والتيارات السياسية أن يظل الإخوان ضمن المشهد السياسى دون إقصاء ولا عزل؟ - العمل السياسى له أصوله وقواعده، وأنا من المهتمين بالعمل الوطنى مثل الأزهر، وهناك فارق بين العمل الوطنى والعمل السياسى، فالعمل السياسى مشروع للمواطنين جميعاً، والتوافق مطلوب بين فئات وجهات وأحزاب وأطياف العمل الوطنى فكلما تقاربت واتفقت على أسس المصلحة العليا للوطن كان الأمر جيداً والتوجه إلى المستقبل شبه مضمون، سواء لدى الإخوان المسلمين أو السلفيين أو العلمانيين أو المدنيين، فالسياسى الناجح سواء كان فرداً أو جماعة أو تشكيلاً مطلوب منه أن يستفيد من خبرته ومما يطرح عليه فى الساحة الوطنية وأنه يعدّل من سلوكه بما يتوافق مع خطين لابد أن يتوازيا أو يتوافقا أو يسيرا فى خط مستقيم وهما مصلحة حزبه ومصلحة الوطن، فإذا توافقا فهو خير السياسيين وهو أفضل المساهمين فى الحياة السياسية ولا غبار عليه، أما أن تمارس فئة معينة من المجتمع العمل السياسى على مرجعية دينية فهو غير ناجحة وعليها أن تراجع نفسها ولذلك على شباب الإخوان أن يراجعوا أنفسهم ويغلبوا المصلحة الوطنية على أى شىء آخر ويغيروا تكتيكهم ونظامهم وفكرهم فهم مصريون وأعتقد أنه لا فرق إطلاقاً بين مصرى وآخر فى المشروعية الوطنية والأخلاقية والدينية، لكن عليه أن يعمل بشكل جاد فقط وهذا هو المطلوب. الحوار.. روح الإسلام ماذا عن مركز الحوار العالمى بالأزهر الشريف، وما الهدف منه وكيف يمكن استثماره لتقديم الفكر الإسلامى الصحيح من خلال الحوار؟ - كان لابد من إنشاء مركز عالمى للحوار بالأزهر وفكرته تأتى من رؤية الإمام الأكبر شيخ الأزهر د. أحمد الطيب لاحتياجات الإسلام والمسلمين فى بداية القرن الحادى والعشرين لمواجهة حملات كراهية المسلمين بلغة عقلانية حضارية تتفق مع روح الإسلام السمحة، وبذلك يكون المركز جسراً ومنبراً لنشر فكر إسلامى مستنير قائم على المعرفة بالأصول والمصادر الصحيحة، والمركز بهذا الشكل وهو يخرج من أكبر وأعرق وأقدم جامعة فى العالم وهى الأزهر يستطيع بلا شك أن يؤدى رسالة عظيمة إلى المستنيرين والمعتدلين والمنصفين فى العالم الغربى وهم كثيرون، أما أهداف المركز فتتمثل فى نشر ثقافة الحوار وحق الاختلاف والتنوع فى العالم الإسلامى ليظل منفتحاً على الإنسانية كلها ويتعايش معها فى أمن وسلام، ونفى كل ما يلصق بالإسلام من صور مسيئة يروج لها كثير من المسلمين المنحرفين بسلوكهم السيئ وتتلقفها أجهزة الإعلام العالمية لتضخمها وتنميها وتحسبها على الدين الإسلامى الحنيف، فضلاً عن متابعة أخبار الحوار فى العالم والاستجابة لدعوات المؤتمرات العالمية للإدلاء برأى الإسلام والمسلمين ولتحديد موقفهم مما يدور فى الدنيا ومساندة الشعوب المناضلة من أجل حقوقها المشروعة، وفى مقدمتها الشعب الفلسطينى، وإبراز القيم العليا من القرآن الكريم ودعوة الإنسانية لقراءتها وفهمها على حقيقتها وأخذ زمام المبادرة بالدعوة للحوار داخل الأزهر أو فى أى مكان آخر مناسب. فى رأيكم ما هى أسباب الاحتقان الدينى بين المسلمين والمسيحيين فى مصر؟ - ثبت للعقلاء والمفكرين أن الاحتقان لم تكن له أسباب دينية لا إسلامية ولا مسيحية. وإنما كان إخفاقاً سياسياً وانحطاطاً ثقافياً، كان للنظام الفاسد فيه دور كبير، فكان هذا يحدث نتيجة ضعف كبير فى الحياة العلمية والثقافية والإعلامية والتعليمية، وكل هذا تحت سياسة غير حكيمة للدولة أوجدت مشاكل فى المجتمع، وبما أن الوتر الدينى حساس جداً، فكانت المشاكل ترتدى أقنعة دينية وكان يساعدها فى ذلك ضعف فى الداخل ومؤامرات خبيثة فى الخارج، وهذا معروف وهناك كثير من المشاكل تدل على ذلك، فلا يوجد دين يحتقر الدين الآخر، فالإسلام يؤمن بأن الدين كله لله ويسلم بقوله تعالى: «لكم دينكم ولى دين»، وقوله تعالى: «ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتى هى أحسن» ولا نتصور أن المسيحية تدعو إلى العداء على الإطلاق.. إذن فمن أين تأتى المشاكل، تأتى من ضعف التخطيط فى التعليم وفى الثقافة والإعلام، ثم تأتى السياسة لتوجه كل ذلك إما إلى الحق وإما إلى الباطل، وفى ظل هذا كله نشأ فى المنطقة وربما فى العالم خطاب دينى متطرف إسلامى ومسيحى ويهودى وعلمانى متطرف، فماذا يفعل الأزهر الجديد؟ إنه يتعامل بالعقل والحكمة مع هذا كله. ماذا عن موقف الأزهر الشريف من الثورات العربية فى اليمن وسوريا وليبيا وتونس؟ - منذ انطلاق الربيع العربى أو الإعصار العربى كما يحلو لى أن أسميه، والأزهر لم يغمض له جفن تجاه ما كان يحدث فى ليبيا وتونس وسوريا واليمن، وأصدر بياناته الشهيرة، كما أصدر نداءات للحكام بأن يوقفوا حمامات الدم وناشدهم النزول عن الأنانية وعن سطوة السلطة حتى يكتب لهم التاريخ شيئاً ينقذهم من العار، ووقف بجانب الشعوب ومازال حتى الآن يساند الجميع. ماذا عن دور الأزهر فى نشر الدعوة الإسلامية فى أفريقيا التى تتعرض لحملات تغيير مذهبية ودينية وتبشيرية؟ - أنشأ الأزهر كياناً رائعاً يسمى «الرابطة العالمية لخريجى الأزهر»، عندما كان الإمام الأكبر د. أحمد الطيب رئيساً للجامعة، وهدفها جمع الأزهريين فى العالم من 106 دول يدرسون فى الأزهر حول الأهداف العليا للإسلام السمح المتعدد الوسطى، وكان للأزهر طوال تاريخه من 1050 سنة دور فى أفريقيا ثم آسيا والأزهر حريص على استعادة أفريقيا الأزهرية المتسامحة العالمية ويبعث الآن كثيراً من البعثات وقوافل العلاج إلى النيجر وإلى الصومال ويعطى المنح ويستجيب إلى كل ما يدعى إليه ويأخذ زمام المبادرة لإعادة ربط أفريقيا وآسيا الإسلامية وغير الإسلامية بمصر وبرسالة الأزهر. ما المشكلات التى تواجه العالم الإسلامى اليوم على مستوى الخطاب الدينى؟ - على رأسها مشكلة التطرف وهو نتيجة ضغوط وجهل وتراكم مشاكل وقراءة سطحية للدين وتركه ضحية لأغراض وأهداف أفراد أو جماعات تستفيد منه ليس لوجه الله، وإنما لمصالحها، وهذا التطرف يحدث مع انحطاط وانغلاق وسقوط الحضارة، هنا يرتفع صوت هذا التطرف، والحقيقة أن الجهل هو مشكلة الإسلام والمسلمين الأولى ويرى الأزهر أن المسلم ليس عليه أن يظل جاهلاً، وليس من حق علمائه أن يتركوه جاهلاً، لأننا نعرف جميعاً وبديهياً أن أول دعوة فى القرآن الكريم تلقاها النبى صلى الله عليه وسلم هى العلم والقراءة، فإذا كانت هناك فريضة أركان الإسلام الخمسة وهى ضرورية فإن هناك أيضاً فريضة العلم، فبارتفاع مستوى العلم يرتفع مستوى العالم الإسلامى ويرتفع مستوى الخطاب الدينى، فإذا انتشرت الحريات الصحيحة ذات الضوابط السليمة ينمو الإسلام وينمو الخطاب الدينى الصحيح، لأن الإسلام كان تحريراً للعقل الإنسانى مما يكبله ويثنيه عن انطلاقه نحو تحقيق كرامته على الأرض، وبالتالى عندما تجد قيوداً وعندما تضيع الحريات وعندما تنتشر الديكتاتورية، فالإسلام أول الخاسرين. الدعوة.. والسياسة البعض يرى أن دور الأزهر لابد أن يقتصر على الدعوة فقط بينما يرى آخرون أنه لابد أن تكون له كلمته الفصل فى أمور السياسة فإلى أى الرأيين تميل؟ - رسالة الأزهر الأولى من 1050 سنة هى حمل أمانة القرآن الكريم وعلوم الإسلام واللغة والحضارة الإسلامية والحضارة الإنسانية، لأنه القلعة التى حمت مصر والإسلام وهناك بلاد ضاعت هويتها الثقافية وتشوهت ولولا وجود الأزهر لحدث هذا لمصر، وبقاء مصر بثقافتها العربية والإسلامية رصيد للعالم الإسلامى، ورسالة الأزهر تعمل فى ثلاث دوائر، الدائرة الأولى هى الدائرة الوطنية المصرية، ولأنه على أرض مصر، وهو الدور الوطنى، أما الدور الثانى فهو دور عربى إسلامى، لأن رسالته هى الإسلام، والدور الثالث عالمى، والأزهر فى الحالات العادية أى فى حالات استقرار مصر يقوم بهذه الأدوار الثلاثة، والدور الوطنى يتجلى فى لحظات الخطر أو اللحظات الانتقالية ووقتها يختار الأزهر الانحياز للوطن، وهذا هو العمل الوطنى الذى يتميز عن العمل السياسى بالانحياز بلا قيد ولا شرط إلى الشعب المصرى، تجلى هذا الدور الوطنى أربع مرات فى التاريخ الحديث الأولى إبان الحملة الفرنسية على مصر عندما اجتاح نابليون بونابرت الجامع الأزهر بخيوله، فكانت ثورة القاهرة الأولى والثانية، وقاد الأزهر وقتها الحركة الوطنية وأشعل القاهرة ناراً وتجمعت كل الطوائف والنقابات وكل أهالى مصر مسلمين ومسيحيين لدحر الاحتلال الفرنسى والمرة الثانية فى ثورة 1919، وكان الأزهر وقتها معقل المقاومة والمواجهة ورمز الوطنية الأولى وانطلق وقتها الأب سارجيوس بطريرك الكنيسة فى صحبة عدد من القساوسة للأزهر وشكلوا مع الأزهريين حركة المقاومة وظهر العلم المصرى يحمل رمز الهلال مع الصليب وكان الشعار «الدين لله والوطن للجميع» والمرة الثالثة فى حرب 1956 إبان العدوان الثلاثى على مصر، ووقتها لم يجد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر إلا منبر الأزهر ليخاطب مصر كلها مسلمين ومسيحيين على اختلاف أشكالهم وألوانهم وانتماءاتهم، والمرة الرابعة كانت فى ثورة يناير 2011، وهو مستمر حتى الآن ودعوة الأزهر إلى الحوار والوفاق لم تتوقف حتى الآن وقبل 30 يونية كان الأزهر يدعو ويتدخل ويحاول إقناع جميع الأطراف ولكن بعضها كان يتشدد ثم تبنى الأزهر الحوار الكبير الذى أنتج «وثيقة الأزهر» الكبيرة التى تتضمن 12 مبدأ أولها دولة وطنية ديمقراطية دستورية حديثة، وأكد أن دور الأزهر هو الفصل فيما يخص الدين والشريعة وحمايتها، كما أصدر الأزهر وثيقة الحريات الأربع الكبرى نتيجة الحوار، وهى حرية العقيدة والرأى والبحث العلمى والإبداع، والأزهر مستمر فى قيادة الحركة الوطنية، ولابد للإعلام أن يميز بين المفردات والمصطلحات، فالعمل السياسى قد يكون حزبياً أو فردياً له خريطة وله تصورات ومن حقه أن يقوم بها وينجح ويفشل ويستفيد من تجاربه، فرسالة الأزهر منذ ثورة يناير إلى اليوم هى محاولات مستمرة ومستميتة لجمع مصر وعدم التشرذم والانقسام، وهذا الدور الشامل العظيم لا يتنافى مع دوره العربى الإسلامى لأنه كل يوم فى بلد وكل يوم يستقبل وفداً من هنا وهناك، ولا يتنافى أيضاً مع دوره العالمى سواء مع الغرب أو الاتحاد الأوروبى. الأزهر.. وإشكالية الفتنة ماذا عن دور الأزهر فى حل مشاكل الأقباط داخل مصر؟ وما الإجراءات التى اتخذها بيت العائلة المصرية تجاه الفتنة الطائفية بمحافظة المنيا مؤخراً؟ - الأزهر يهتم بمشاكل الأقباط ويعمل على حلها، وبيت العائلة المصرية ليس مجلساً للمصالحة وليس بديلاً للقانون ولا الدولة المصرية، فقد كان مبادرة صائبة من الإمام الأكبر، فبعد الاعتداء على كنيسة «سيدة النجاة» فى بغداد بالعراق عام 2010 قام فضيلته بطرح هذه المبادرة وعرضها على البابا شنودة فى ذلك الوقت، وتم طرح العديد من الأسماء من الأزهر ومن الكنيسة على أن يشكل مجلس الأمناء ومجلس تنفيذى، حيث يضم المجلسان نخبة من علماء ورجال الدين الإسلامى والمسيحى وعدداً من المفكرين المتخصصين فى علوم الاجتماع والتاريخ والقانون وغيرها من العلوم المختلفة من المسلمين والمسيحيين كذلك، وبيت العائلة هو هيئة قومية عليا مستقلة تم إعداد لائحة لها وتم التوقيع عليها آنذاك من فضيلة الإمام الأكبر وقداسة البابا شنودة باعتباره كياناً وطنياً، حيث ستكون له علاقات مع الجهات والهيئات المختلفة، ولبيت العائلة هدفان الأول إصلاح الخطاب الدينى الإسلامى والمسيحى مما أصابه من العطب فى ربع القرن الماضى، والتركيز على القيم العليا المشتركة، والهدف الثانى هو معالجة مشاكل الاحتقان الطائفى ودراستها، للقضاء على الأسباب التى أدت إليها، وهناك دوران اثنان اضطلع بهما بيت العائلة أولهما التدخل فى أماكن الاحتقان للتهدئة فقط وليس كبديل للقانون ولا الدولة، هذا هو ما حدث فى محافظة المنيا مؤخراً، وهناك دور جديد بدأ منذ فترة، وهو مساعدة بيت العائلة كل المؤسسات المدنية والجمعيات التى تعمل على إعادة بناء الوطن وقد طلب بعض رجال الأعمال ترميم بعض دور العبادة تحت رعاية بيت العائلة، وهناك خطوات جادة فى هذا الشأن. هل ضعف مؤسسة الأزهر أدى إلى ما نعيشه الآن من فرق وتيارات متشددة؟ - مصر عبر التاريخ الفرعونى وحتى الفترة الناصرية ومحمد على عبر التاريخ القديم والوسيط والحديث كان أمنها فى سوريا وإثيوبيا وليس فى حدودها فقط، فحتى تكون مصر قوية كان لابد أن ترتبط بسوريا وإثيوبيا فى شكل تعاون أو معاهدة حتى تؤمن نفسها، ومصر خلال الثلاثين أو الأربعين سنة الماضية أهملت هذا البعد، وهذه هى الجريمة التى لا تغتفر للنظام الأسبق وهى التهاون فى كرامة ومكانة مصر العليا فى المنطقة، وبالتالى ضعفت مصر، والأزهر قلب مصر، وقد أصابه ما أصاب مصر، فهو ليس فى المريخ ولا فى جزيرة منفردة، وعندما استعادت مصر حريتها وانطلقت فى طريق التغيير استعاد الأزهر دوره أيضاً ومكانته وبدأ يسترد عافيته، ولذلك قبيل ثورة يناير عندما وصل إلى مشيخة الأزهر عالم عامل عابد مخلص وطنى واع برسالته ورسالة الأزهر انصرف فوراً مع نخبة تساعده من الأزهريين وهم كثر أيضاً لعدة إصلاحات وأفكار ورؤى جديدة مثل دراسة وإصلاح مناهج التعليم، وإنشاء معاهد نموذجية وإدخال اللغات الثلاث الإنجليزية والفرنسية والألمانية إلى الأزهر لإرسال طلاب الكليات الإسلامية إلى أوروبا فى بعثات لدراسة فكر أوروبا والحوار معهم والدفاع عن الإسلام باللغات والثقافات الأوروبية التى نعرفها، وتم تشكيل لجان لإعادة ما كان يدرس فى فترات الازدهار لإبراز التنوع والتعدد فى الفكر الإسلامى، وأنشأ الأزهر الرابطة العالمية لخريجى الأزهر الشريف لتجمع شمل الأزهريين فى العالم، وبعد ثورة يناير بدأ الأزهر يقوم بأكبر دور لمساندة الوطن، فالأزهر يحمل أمانة مصر فى الداخل والخارج، فعندما تقوى مصر يقوى الأزهر، ولذلك ليس هناك مؤسسة فى مصر أو فى المنطقة العربية والإسلامية لديها قوة ونشاط وحيوية الأزهر فى العمل وإخلاصه والتزامه بالوطن وحقائق مصر. أخونة الأزهر هل ترى بالفعل أن الأزهر تعرض لمحاولات «الأخونة» و«السلفنة» فى ظل حكم الإخوان وأن شيخ الأزهر تعرض لضغوط وتحديات كثيرة؟ - الأزهر ليس فى حاجة للدفاع عنه، بل تدافع عنه أمته المصرية والعربية والإسلامية، فالحقيقة محاولات الأخونة أو بث فكر فئوى أو مذهبى صغير فى الأزهر الشريف كانت تتم، وطوال عمرها تحاول اقتحامه وربما تجد الأبواب مفتوحة لذلك، لكن لا تلبث أن تفر هاربة أمام طبيعة الأزهر كصخرة تتحطم عليها، فإذا كانت قوة الاستعمار الفرنسى تم ضربها على صخرة الأزهر، فهل تأتى حركة مجتمعية شعبية صغيرة فئوية أو مذهبية لتقضى على الأزهر وتغير طبيعته؟ إنها فقاعات تظهر والأزهر بطبيعته صلب، والشعب المصرى بقوته كلها وبرصيده كله كفيل بالقضاء على أى محاولة لاقتحام الأزهر أو لإحداث خلل فيه. ماذا عن تجميد الحوار مع الفاتيكان وهل من بارقة أمل لاستئناف الحوار بين الجانبين؟ - هناك اتفاقات عديدة للحوار بين الأزهر وجهات مختلفة أخرى على مستوى المسيحية فى العالم، فالأزهر يحاور المسيحية فى أوروبا والغرب والشرق، والكنائس كلها بلا استثناء وبلا مشكلة، كما يحاور الكاثوليك داخل مصر وخارجها، أما دولة الفاتيكان، فحدث تجميد للحوار معها لعدة أسباب أبرزها اتهام بابا الفاتيكان بنديكت السادس عشر فى ألمانيا للإسلام والنبيه ورموزه، وقال كما يقول الجهلاء إنه دين العنف والقتال والحرب والدماء، وعقب أحداث كنيسة القديسين بالإسكندرية طالب بحماية مسيحيى العراق ومصر، بأسلوب مرفوض، حتى إنه لم يتذكر أن الفلسطينيين منذ أكثر من 63 عاماً يعانون سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين من الاحتلال الصهيونى والاضطهاد والظلم، والأزهر كتب للفاتيكان وقتها متمنياً وقف هذا الاتجاه المعادى والعودة إلى أرض صالحة للحوار، ثم حدث أن استقال البابا بنديكت، وتم انتخاب بابا جديد، وأرسل الإمام الأكبر برقية تهنئة أملاً فى أن تصلح أرضية للحوار ويتبدل سلوك الفاتيكان تجاهنا، ورد الفاتيكان برسالة وصمم الأزهر على أن تكون الرسالة موقعة من قداسة بابا الفاتيكان نفسه، ورفضنا أن يوقعها نائبه، وعلمنا أن هناك بروتوكولاً لا يوقع البابا الرسائل بنفسه، لكننا قلنا إن هذا استثناء، لأنه إذا كان هناك بابا واحد للكاثوليك وهو بابا روما فهناك شيخ واحد للأزهر فى العالم يجلس على قمة مشيخة الأزهر ويتولى مسئولية المسلمين، وبالفعل استجاب البابا، وأرسل رسالة موقعة منه شخصياً بالتعهد على إصلاح الأمور وتوجيه متكافئ متساوٍ عادل للدفاع عن المؤمنين والقضايا الإنسانية فى العالم، واستقبلنا منذ أسبوعين مبعوثاً للبابا شخصياً، وسنبدأ فى الحوار بعد أن وجدنا أن الأمور أصبحت أفضل من جانب الفاتيكان. ما أهم المشكلات التى تواجه العالم الإسلامى اليوم على مستوى الخطاب الدينى؟ - على رأسها مشكلة التطرف وهو يأتى نتيجة ضغوط وجهل وتراكم مشاكل وقراءة سطحية للدين وتركه ضحية لأغراض وأهداف أفراد وجماعات تستفيد منه ليس لوجه الله، وإنما لمصالحها أما الجهل فهو مشكلة الإسلام والمسلمين الأولى ونحن نعرف جميعاً وبديهياً أن أول دعوة فى القرآن الكريم تلقاها النبى صلى الله عليه وسلم هى العلم والقراءة، فبارتفاع مستوى العلم يرتفع مستوى العالم الإسلامى ويرتفع مستوى الخطاب الدينى، لأن الإسلام كان تحريراً للعقل الإنسانى مما يكبله ويثنيه عن انطلاقه نحو تحقيق كرامته على الأرض، وبالتالى عندما توجد قيود وعندما تضيع الحريات وعندما تنتشر الديكتاتورية، فالإسلام أول الخاسرين. ما موقف الأزهر عقب حظر أنجولا للدين الإسلامى وإغلاق المساجد فى أراضيها؟ - الأزهر أعلن غضبه الشديد ومساندته ودعا هيئات العالم كلها، وحكومة مصر، وكل المؤسسات العالمية لمقاومة هذا الزحف الهمجى، لكن الموازى لهذا الذى فعله الأزهر عملياً هو إرسال وفد للصومال لاستعادة دور الأزهر التى كانت الحرب الأهلية أبعدته، فشيخ الأزهر يستقبل رؤساء وحكام ووزراء التعليم فى أفريقيا ويقرر منحاً سخية ويقيم مراكز للغة العربية فى هذه البلاد، لأن تقويتها تقوية للقرآن وللإسلام فى أفريقيا، فأنجولا بلد صغير، لكن السياق العام للأزهر أكبر من ذلك بكثير. هل أنت راض عن وضع الأزهر فى الدستور الجديد؟ - نعم أنا راض لأن الأزهر ليس حزباً ولا تياراً له هدف أو مطلب سياسى ولا يريد منصباً سياسياً أو مقعداً فى البرلمان، فهو كيان علمى إسلامى حضارى، وهو يريد أن تنضبط السياسة ولا يريد التدخل فيها، واستقلال الأزهر هو أهم شىء فى الدستور الجديد، فالأزهر يقوم على كل ما يخص الدعوة الإسلامية فى مصر والعالم، كونه مرجعية يرجع إليها فى كل ما يخص الإسلام وشريعته، والمادة الثانية فى الدستور مكفولة ومصونة ونحن سعداء بذلك. ما رسالتك إلى الشعب المصرى فى ظل هذه الظروف التى نعيشها الآن؟ - يجب أن تميزوا بين الخبيث والطيب والخطأ من الصحيح والمعتدل من المنحرف، وأفيقوا إلى مصلحة وطنكم وهى مصلحتكم العليا وتأكدوا أن الشريعة الإسلامية ومقاصدها هى كرامة الإنسان بالدرجة الأولى وأن أى إصلاح يبدأ بالسلام والاستقرار أولاً، وساندوا خطوات خارطة المستقبل أولاً بأول، أولها بالاستفتاء على الدستور ثم الانتخابات وتأكدوا أن المستقبل إن شاء الله يحمل الخير الكثير.
بطاقة شخصية ولد بمحافظة المنوفية فى مايو 1947 حصل على ليسانس اللغات والحضارات السامية بامتياز مع مرتبة الشرف الأولى من كلية اللغات والترجمة جامعة الأزهر 1973 عين معيداً بكلية اللغات والترجمة بالأزهر عام 1974 ماجستير فى اللغات والحضارات السامية عام 1976 دكتوراة الدولة فى الآداب والعلوم الإنسانية بامتياز مع مرتبة الشرف الأولى عام 1987 أستاذ علم اللغات السامية المقارن فى كلية اللغات والترجمة بالأزهر عام 1987 أستاذ الحضارة الإسلامية بالمعهد الوطنى للغات والحضارات الشرقية بباريس منذ عام 1997 عضو لجان مناقشة رسائل الدكتوراة فى جامعات السوربون بباريس وسان دونى بباريس وبوردو ورين وإكس بروفانس وليون ونانتير والمدرسة العملية للدراسات العليا بالسوربون فى باريس. عمل مستشاراً للإمام الأكبر شيخ الأزهر ويشغل مدير مركز الحوار بالأزهر منذ عام 2010م حتى الآن. له عدة مؤلفات وبحوث منشورة بعدة لغات حصل على وسام الفارس الوطنى من رئيس جمهورية تشاد 1999 مدرس اللغة العربية باليونسكو فى باريس عضو محاضر فى جمعيات مدنية حول حوار الثقافات والحضارات والأديان أستاذ زائر فى مهمات علمية بجامعة مونستر فى ألمانيا سافر إلى العديد من دول العالم أستاذاً ومحاضراً ومناقشاً فى مهمات علمية مثل «النيجروألمانيا وفرنسا وتشاد».