في الفترة الأخيرة كان الطبق المفضل الذي تقدمه القنوات الفضائية هو «التقارب» الروسي - المصري.. وللأسف تعرض للموضوع كل من «هب ودب» سواء كان يعلم أو لا يعلم.. حتى إن التساؤل الأول أصبح «هل تكون روسيا بديلاً للولايات المتحدة» في علاقاتنا الدولية؟!.. والسؤال في حد ذاته يدل على «جهل» بحقيقة ما يدور على الساحة الدولية.. أقول هذا لا لمجرد الاعتزاز بالآراء التي سأوردها في المقال ولكن لأن تسعة عقود من الزمان أعطتني «شرف» التعايش الفعلي مع أحداث يمكن تفسيرها وتقييمها في ظل «أوضاع عملية». وقبل أن استطرد أود أن أذكر أنني في مقالاتي أخاطب من «ينتمون لمصر» وعلى الأخص «أحفادي من الشباب المصري الخالص» مستنكراً أولئك الذين يحاولون إما «المغالطة» أو «التشويه» أو «التمويه» بقصد أو بغير قصد.. فالمستقبل لا يتحمل «تلاعباً» سواء من الأعداء أو حتى من الأصدقاء!.. والشعار هنا: «ممنوع التلاعب بعقول الشباب». بداية لابد أن نعى أن المسرح العالمي اليوم يختلف تماماً عما كان عليه في مراحل سابقة وبالذات في العقود الأربعة الأخيرة من القرن العشرين.. ويمكن أن نوجز هذه الاختلافات فيما يأتي: (1) لم تعد هناك قوة كبرى واحدة حاكمة «كما حدث بعد تفكك الاتحاد السوفيتي السابق» وحتى بعد عودة «روسيا» بقوة بفضل الرئيس بوتين.. فإن العالم بدأ مرحلة تختلف تماماً عن مرحلة «المبارزة» و«الحرب الباردة» بين القوتين الكبيرتين.. ورأينا مجموعة ال (7) تتحول إلى مجموعة ال (8) ثم رأينا مجموعة ال (20) أصبح هناك لاعبون جدد لهم ثقلهم مثل الصين والهند والبرازيل وغيرها. (2) بعد تفكك الاتحاد السوفيتي السابق في 1989 ثم فترة حكم «يلتسين» في روسيا الاتحادية – وهى فترة اتصفت بمباركة أمريكية غريبة المضمون – شاهدنا بزوغاً ساطعاً ل «روسيا» جديدة بفضل سياسة طويلة النفس طبقها الرئيس بوتين – ومعه المفكر الروسي الكبير بريماكوف – روسيا جديدة تختلف تماماً عن الاتحاد السوفيتي السابق.. اختلاف في الفكر وفى المنهج وفى التطبيق. (3) وانعكست التغيرات السابقة على سياسات الولاياتالمتحدة وبدأت تتراجع عن سياسة «العربدة» و«الفتونة» في الفترة التي بزغ فيها نجم من أسموا أنفسهم «المسيحيون الأصوليون»، وبالذات جورج بوش الابن وأنصاره، وعلى الرغم من أن الولاياتالمتحدة استمرت في محاولة تطبيق سياسات «ملتوية» و«مخزية» – وعلى الأخص بالنسبة للشرق الأوسط ومصر وبالتالي العالم العربي - إلا أنها اضطرت إلى مراجعة بعض سياساتها أمام «البزوغ» الروسي الجديد. (4) التغير الأخير المؤثر الذي طرأ على المسرح العالمي يتمثل في هذا التطور «المطمئن» و«المخيف» في نفس الوقت بالنسبة لتكنولوجيا الاتصالات وبالذات ما يعنيه ذلك من «قوة» للشعوب ومن «تعرية» للمؤامرات ثم تحركات «الحركات الإرهابية». وعند هذا الحد.. علينا أن نتفهم بوعي حقيقي عدداً من المقومات والمعايير التي يجب أخذها في الحسبان عندما نتعرض لتقييم موقف مصر في علاقاتها الخارجية: (1) الشعب المصري يمتاز بطول صبر على المحن ولكنه في نهاية الأمر «يثور» ليأخذ حقوقه كاملة غير منقوصة ويكون بهذا التعويض مسترداً للدماء التي سالت من شهدائه.. وقد ثار الشعب في 30 يونية ولن يتوقف حتى يسترد حقوقه كاملة. (2) تتمتع «مصر» الوطن بمقومات جغرافية وديموجرافية ومادية تجعلها ذات مقدرات ذاتية رفيعة المستوى.. ولذا - في أوقات المحن – نراها قادرة على المواجهة مهما كانت التضحيات.. واسألوا التاريخ عن ذلك إبان الحرب العالمية الثانية ثم في عام 1952 ثم في 1956 و1967 ثم في 1973 (حرب النصر) وما بعدها.. ثم في أحداث 1981 وما تلا اغتيال ابن مصر الغالي محمد أنور السادات.. ثم في يناير 2011 وحتى 30/6/2013 ووقفة 3/7 وحتى الآن. (3) ومع المساندة الشريفة التي لا حدود لها من جانب الدول العربية الشقيقة الحرة.. مساندة مالية واقتصادية وسياسية.. نرى الموقف المصري مدعماً وأكثر قدرة على المواجهة ونرى مصر وقد استعادت مركزها كعمق استراتيجي للأمن القومي العربي مهما كانت المؤامرات. فإذا نظرنا إلى علاقاتنا مع «روسيا» فإنني أختلف مع من يقولون إنها استئناف للعلاقات بينهما في الستينيات والسبعينيات.. وأرى أنها علاقات جديدة صحية وصحيحة تدعم موقف مصر سياسياً واقتصادياً وأمنياً وعسكرياً.. وبذا تضع الكثير من النقاط فوق الحروف!.. تحية لروسيا الجديدة وتحية للرئيس بوتين وتحية للشعب الروسي.. صداقة لها أسس صحية جديدة في صالح الطرفين. أما بالنسبة للولايات المتحدة فالعلاقات أصبحت أكثر تعقيداً بعد أن صممت الإدارة الأمريكية على العناد والتنكر لثورة الشعب التي أصابت مؤامرة «الشرق الأوسط الجديد» في مقتل.. وهنا أود أن أثير مع العقلاء القليلين في الإدارة الأمريكية - قد يكون منهم كيري ولكن بالقطع ليست رايس - عدداً من التساؤلات: (1) راجعوا مواقفكم في ضوء استراتيجية «السلام الكامل والعادل»التي فاجأ العالم بها السادات في 1973 وما بعدها. (2) راجعوا الوثائق لتتعرفوا على حقيقة «المساعدات»التي تقدمونها لمصر.. ولتدركوا حقيقة أنها قبل أن تكون «مساعدات» لمصر فهي مكاسب لكم سياسياً وعسكرياً واقتصادياً.. هل تريدون المناقشة على الملأ؟! (3) لماذا تغالون في التشدق بالديمقراطية؟.. وهل «الديمقراطية» لديكم تعنى دعم «الإرهاب» و«النهب» و«الحرق» و«القتل»؟.. وهل نسيتم ما فعلتم أنتم في سان فرانسيسكو منذ سنوات قليلة؟ (4) تأملوا الأساليب التي اتبعتموها لتصلوا إلى ما تسمونه «الديمقراطية» و«حقوق الإنسان».. عصابات الغرب الأمريكي ثم عصابات المافيا ثم جمعيات الكلوكس كلاس (لحرق الزنوج) ثم سياسة التمييز العنصري.. أتعلم المرأة الأمريكية أنها حتى نهاية الحرب العالمية الأولى كانت محرومة من حق الانتخاب؟.. وهل يعلم «زنوج» أمريكا – أو بالأحرى الأمريكيون من أصل أفريقي - أنهم ظلوا يعانون من سياسة التمييز العنصري حتى العقود الأخيرة من النصف الثاني من القرن العشرين.. وهنا نتساءل لماذا تستعجلون مصر وأنتم أخذتم كل هذا الوقت؟! (5) وهنا أنبه الدولة العظمى إلى أن «المارد المصري» قد انطلق.. تسانده الأمة العربية الحرة وروسيا الجديدة والكثير من الدول المتعطشة للحرية الحقيقية!.. أفيقوا يا قوم قبل فوات الوقت. وعلى الرغم من أنف الجميع – وبالذات الإرهاب ومدعميه ومموليه ومسانديه – مازلنا في مسيرة الشعب المصري بقيادة أحمس المصري ونحن نهتف «مصر فوق الجميع.. وتحيا مصر.. ولسوف تحيا».