لا شك أن ما شهدته الأيام القليلة الماضية من تفاعلات مصرية روسية، يشير إلى رغبة متبادلة فى إحياء العلاقات الاستراتيجية والتاريخية بين البلدين، باعتبار روسيا الوريث الشرعى للاتحاد السوفيتي. والواقع أن التوتر الذى انتاب العلاقات المصرية الأمريكية بعد الثلاثين من يونيو، ليس هو الدافع الوحيد لإحياء الدور الروسى فى مصر، ذلك أن الإخفاقات الأمريكية فى المنطقة، والتى توالت على مدى أكثر من عقدين، شكلت مدخلًا رئيسًا لحركة أكثر نشاطًا للنفوذ الروسى فى المنطقة. من جهة أخرى، ربما تركت التطورات الأخيرة التى طرأت على العلاقات المصرية الروسية، صداها على علاقات مصر بأعضاء الفريق الروسى على الساحة الدولية، وعلى رأسهم الصين، فيما يُعده البعض مؤشرًا لاستعادة ملامح علاقات مصر الخارجية أثناء حقبة الحرب الباردة، ربما لتمرير استدعاء ذات المشهد الداخلى إبان ذات الفترة.! ومع التسليم بتنامى قوة روسيا، وغيرها من أعضاء «المعسكر الشرقي» سابقًا، فضلًا عن وضوح حالة الإرهاق التى بدت عليها القوة العظمى فى العالم، بعد طول واتساع رقعة معاركها، العسكرية والسياسية والاقتصادية، فى أنحاء مختلفة من العالم، بغرض الحفاظ على زعامتها، والتأكيد على الأحادية القطبية للنظام الدولي، فإن تناول الأمر على هذا النحو يُهدر الكثير من المتغيرات التى طرأت على المجتمع الدولي، وما فرضته من استحداث أدوات وآليات جديدة للتحالفات الإقليمية والدولية، ومن ثم ينبغى التريث قبل التبشير بزوال الزعامة الأمريكية، والمراهنة على عودة القطبية الثنائية للنظام الدولى فى المستقبل القريب. ورغم التأكيد على أهمية تعزيز التعاون المصرى مع كثير من القوى الدولية ذات الأثر فى الساحة الدولية، ومن بينها روسيا، إلا أن ذلك لا ينبغى أن يتأسس وفق قواعد حقبة الحرب الباردة، التى يحلم البعض باستدعائها، مُتناسيًا أن فى ظلها تم احتلال فلسطين وسيناء والجولان، وتم كذلك استنساخ نسخة عربية من الحرب الباردة.! والحال كذلك، وبينما يمر الوطن بمنعطف تاريخى من شأنه اتساع الخيارات أمامنا، بين رغبة فى الارتداد إلى الخلف، وثورة تتعلق بمستقبل واعد يلبى متطلبات اللحاق بركب المجتمعات المتحضرة، فإن المصلحة الوطنية تقتضى الإصغاء إلى النموذج الروسي، علنا ندرك حقيقة المعايير الحاكمة لقوة الدولة، ونتخذ إليها سبيلًا, وهو حديث الغد بإذن الله. «الوفد»