روسيا وكوبا أمجد عرار يمثل إعلان رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين حول استعادة التحالف مع كوبا، قفزة أخرى في تدرجات اللون الأحمر وتعزيزاً للتوقعات بعودة الحرب الباردة التي ما زالت روسيا تملك القدرة والإمكانات لرفع درجة حرارتها. ولم يكن تصريح بوتين مجرد موقف انفعالي في إطار الغضب الروسي من مخططات الدرع الصاروخية، إنما جاءت للتو بعد عودة نائبه ايجور سيشين من زيارة قام بها قبل يومين إلى هافانا على رأس وفد أمني وتجاري ضم مدير هيئة الأمن الاتحادية (المخابرات)، نيكولاي باتروشيف. كما تأتي تصريحات بوتين بعد لحظات من تأكيد روسيا عزمها إقامة تعاون وربما تواجد عسكري في الجزيرة التي لا تبعد أكثر من مائة وخمسين كيلومترا عن الشواطئ الأمريكية، ولم يخف هذا المسؤول أن هذه الخطوة تندرج في إطار الرد على الدرع الصاروخية.
في اليوم ذاته لتصريحات بوتين، كان الرئيس الفنزويلي هوجو شافيز، الحائز درع عبدالناصر بجدارة، يعلن خلال برنامجه الإذاعي والتلفزيوني الأسبوعي أن بلاده تسلمت 24 طائرة روسية مقاتلة من طراز سوخوي-30 المتطورة جداً. وجاءت الصفقة ليس فقط في سياق علاقة التحالف التي تحدث عنها شافيز، إنما بعد رفض واشنطن تحديث طائرات إف-16 التي تعتير عماد سلاح الجو الفنزويلي. ألا يذكّرنا هذا بتجربة مماثلة بين الزعيم الراحل جمال عبدالناصر والغرب.
وفي الوقت الذي يحرص مسؤولون روس على تأكيد أن هذه السياسة الروسية الجديدة، تحمل طابع رد الفعل على الخطط والنوايا الأمريكية، إلا أنها في الوقت ذاته تمثل، ونرجو أن تكون كذلك، تصحيحاً لأخطاء روسية جسيمة فيما يتعلّق بسياستها الخارجية إثر انهيار الاتحاد السوفييتي الذي انهارت معه أيضاً منظومة القيم والأخلاق الدولية والتوازن الذي رافق حقبة الصراع بين معسكري الاشتراكية والإمبريالية، الذي حُسم مؤقتاً لصالح الإمبريالية من دون أن ينتهي الصراع الموضوعي بين قطبي مرحلة تطور اقتصادي اجتماعي لا فكاك من حسمها في نهاية المطاف لصالح القوى الاجتماعية الصاعدة على سلم التطور الجماعي المتناقض بالضرورة مع قوى الاحتكار والطغم المالية التي حولت العالم إلى مزرعة، والبشر إلى خدم.
قبل سبعة وأربعين عاماً، وإثر فشل خطة أمريكية لغزو كوبا عقب ما عرف بأزمة خليج الخنازير، ردد الرئيس الأمريكي في حينه المثل الإنجليزي القائل: إذا كان للنصر مائة أب، فالهزيمة يتيمة. ولكن المغامرات الأمريكية تواصلت ولم تبق الهزيمة وحدها يتيمة، بل يتمت معها ملايين البشر بمن فيهم الشباب الأمريكيون الذين يُرسلون حطباً لنار الجشع الإمبريالي التي تزداد اضطراماً كلما ظنت أمريكا أن قطبيتها الأحادية ستدوم، وربما ستضخ لمنازل البشر ملايين أخرى من الأيتام قبل أن تكتشف أن العالم لا يطيل الوقوف على قدم واحدة، وأن سبارتاكوس ليس أكثر وعياً ممن تريد استعبادهم اليوم. عن صحيفة الخليج الاماراتية 6/8/2008