ترتقى العلاقات الدولية، أو هكذا ينبغى، عن كونها مجموعة من ردود الأفعال التى تبديها الدولة إزاء مواقف الوحدات الدولية الأخرى؛ ذلك أن العلاقات الدولية لا يمكن تأسيسها بعيدًا عن المصالح المشتركة، وما تفرضه من احترام متبادل يصوغ اتجاهات التعاون الدولي. كذلك فإن التخطيط السياسى أو الاستراتيجي، وقد تطور كثيرًا فى العقود القليلة الماضية، لا يجوز أن يتأسس على المكائد، بعد أن تجاوز المجتمع الدولى فكرة «شخصنة» النظم الحاكمة، وما كانت تتسم به من سيادة مفاهيم سطحية ما عادت تصلح فى ظل ما تشهده العلاقات الدولية المعاصرة من تشابك وتعقيد. وفق هذا السياق، ينبغى تناول مستجدات الأوضاع فيما يتعلق بالعلاقات المصرية الروسية، ولا تنفصل نظرة موضوعية فى هذا الشأن، عن مُجمل المتغيرات الإقليمية والدولية، فضلًا عن تأثير المشهد المصرى بكل تفاصيله. ففى ظل ما شهدته العلاقات المصرية الأمريكية من توترات بعد ثورة الثلاثين من يونيو، تصاعدت الرغبة فى إنماء العلاقات المصرية الروسية، على نحو يوحى بعملية «استبدال»، وهو أمر لا يمثل إلا استدعاء للخطأ الاستراتيجى الذى انزلق فيه التخطيط الاستراتيجى المصري، بعد إلقاء «الاتحاد السوفيتي» بعيدًا عن المنطقة، بعد فتور بدأ منذ عام 1970. ولا شك أنها قاصرة عن فهم طبيعة العلاقات الدولية، تلك المحاولات الساعية نحو إحلال روسيا محل الولاياتالمتحدة على قائمة أولوياتنا ضمن التخطيط الاستراتيجي، فليس فى ذلك إلا رغبة فى استعادة مرحلة الحرب الباردة، والتى أتقنت بعض الدول النامية اللعب على احبالها، حين قدمت تلك الحقبة فرصًا غير قليلة للدول النامية للمناورة على ساحة المجتمع الدولي، غير أن الحال الآن ليس على هذا النحو. والواقع أن التوازن المطلوب فى العلاقات الخارجية لمصر، والذى عبر عنه وزير خارجيتنا نبيل فهمى أكثر من مرة، هو أمر صعب المنال، بل يُعد من الأمور غير المسموح بها من جانب القوى الدولية والإقليمية، ومن ثم يرتبط نجاحنا فى هذا الأمر وفق ما نحققه من تقدم على مقياس القوة الشاملة للدولة المصرية، وهو ما يعبر عن ما سبق ذكره من تأثير المشهد المصرى بكل تفاصيله على مجمل علاقاتنا الدولية.... وإلى حديث الغد بإذن الله. «الوفد»