الآن فقط فهمت السبب وراء تردي وضحالة التليفزيون المصري.. الآن فقط عرفت سر تمسك الدولة ب«تنابلة السلطان» الذين يجلسون علي مقاعد السلطة فيه.. الآن فقط عرفت السبب الذي يجعل الدولة تتحمل المليارات من الجنيهات سنوياً كخسارة لهذا المبني الكاسح المسمي ماسبيرو. ففي حديث لأحد مسئولي مصلحة السجون السابقين كشف سيادته عن معلومة جديدة- علي الأقل قال لي أنا شخصياً- وهي إن إدارة السجون توفر للمسجونين في مصر حق مشاهدة جهاز التليفزيون لكن هذه المشاهدة مقصورة علي التليفزيون المصري فقط دون غيره من القنوات الأرضية أو الفضائية وهنا فقط أدركت ان التليفزيون المصري ببرامجه الهابطة ونشراته المنفرة بات جهاز تأديب وتهذيب لمساجين مصر، خاصة بعد أن تم إنهاء عقوبة تكسير الأحجار بالنسبة لأصحاب أحكام الأشغال الشاقة المؤبدة، فاستبدلت الدولة عقوبة مشاهدة التليفزيون الرسمي بديلاً لهذه العقوبة الشديدة. ولكن لي سؤالا هنا.. ما هو ذنب باقي المصريين الذين لم يقترفوا ذنباً أو يرتكبوا اثماً حتي نعاقبهم بمشاهدة هذه البرامج البليدة وهؤلاء الضيوف الروبابيكيا الذين يأتي بهم مسئولو التليفزيون من سوق الكانتو حتي فر المشاهد من تليفزيون بلده كفراره من المجذوم؟!. ما ذنب المصريين الذين يدفعون من أموالهم الخاصة علي فاتورة الكهرباء وأثناء ترخيص سياراتهم دعماً لهذا الجهاز العقيم الذي أثبتت الأيام الأخيرة فشله الكامل في أن يكون رأس الحربة في صد الحرب الاعلامية التي تتعرض لها مصر، وثورتها المباركة من دول وأجهزة اعلام معادية.. بل لا أبالغ إذا ما قلت ان برنامجاً واحدا كبرنامج وائل الإبراشي قد قام بدور أكبر وأعظم تأثيراً من أكثر من 28 قناة تليفزيونية في التليفزيون الرسمي، وكذلك الحال في كافة الفضائيات الخاصة التي جندت وقتها ونجومها من أجل صد الهجوم البشع الذي تتعرض له مصر خاصة من قناة الجزيرة التي أسميها أنا ب«لسان الشيطان» في العالم العربي. والآن لنا أن نتساءل عن سر تخلف تليفزيون الدولة عن القيام بأي دور في هذه الحرب الاعلامية ضد مصر، بل انه علق علي بابه لافتة تقول «التليفزيون المصري خارج الخدمة» رغم كل ما يمتلكه من كفاءات اعلامية رغم ان مصر كانت تهز العروش الملكية وتحرك الجيوش العربية بمحطة اذاعة واحدة في الستينات اسمها «صوت العرب» أما الآن وبعد أن أصبحت مصر تمتلك عشرات القنوات التليفزيونية وعشرات المحطات الاذاعية.. أصبح اعلامها الآن مشلولاً وفاشلاً أما السبب يا سادة فهو «غياب المحاسبة» فلو أدرك «تنابلة السلطان» الذين يجلسون علي مقاعد المسئولية في هذا المبني ان هناك من سيحاسب وأن هناك من سيراقب لكانوا قد سعوا لانجاز شيء علي أرض الواقع ولأصبحوا جنوداً مخلصين في الحرب الاعلامية ضد أعداء مصر، لكن نظراً لغياب ذلك شعر هؤلاء الموظفون الكبار بأنهم في «عزبة أبوهم» بل انني أعتقد انها لو كانت عزبة أبوهم لاهتموا به أكثر من ذلك رغم تقاضيهم للملايين سنويا انظروا إلي نشرات الأخبار.. نفس التناول الغبي القديم.. نفس المجاملة للحاكم، فأول خبر لابد وأن يكون للسلطة سواء رئيساً أو رئيساً للحكومة دون النظر لأهمية الخبر وأولويته في صدارة النشر. طوال اليوم تتكرر نفس الأخبار وبنفس العبارات لا جديد تحت الشمس أما البرامج- فأجارك الله- القضية الساخنة التي تهم المشاهد وتناقشها الفضائيات الخاصة في لحظتها.. تناقشها برامج التليفزيون الرسمي بعد أيام وربما أسابيع حتي أصبحت البرامج أشبه بالطبيخ البايت الذي يسد النفس. والسؤال هنا: هل يعجب هذا الوضع الوزيرة درية شرف الدين وهي اعلامية كبيرة ومحترمةس وقد استبشرنا خيراً بقدومها؟!. أظن ان ذلك لن يرضيها وأرجو ألا تقف خفافيش الظلام ضد أي محاولة من الوزيرة لاصلاح الحال المايل بالجهاز.. حتي لا يأتي يوم يمتنع فيه المصري عن دعم التليفزيون بأي مليم من ماله الخاص أتمني أن يكون التليفزيون المصري أداة متعة وتثقيف لا أداة للتهذيب والاصلاح حتي يعود المشاهد الهارب إلي تليفزيون بلده.