وسط هذا الزخم السياسى المختلط بالأيدلوجيات ذات الغطاء الدينى أجدنى أتجه دون أن أدرى الى الربط بين الخماسية الروائية «مدن الملح» للمبدع الراحل عبد الرحمن منيف (التى أعادت كتابة تاريخ الجزيرة العربية، و تشريح عمليات التحول التي أدى إليها اكتشاف النفط في المنطقة، وحالة الاستبداد في الجزيرة العربية)؛ وبين كتاب (الوهابية ضد الاسلام -الضالون) للكاتب الفرنسى جان ميشيل والذى صدر فى الآونة الأخيرة فى باريس وسبب حالة من الجدل والنقاش حول الآراء التى طرحها رافضا الوهابية خاصة أنه يرى أن الإسلام حضارة سادت العالم أكثر من عشرة قرون، وليست هذة هي الحركة التي ستعيد بريق الإسلام ولا ثقافته ولا سابق حضارته الكبيرة.. بل إنها خطر كبير على الفكر الإسلامي لأنها «أيديولوجية» تغلبت على الدين، ولأنها دعوة مشبوهة قام بها إمام مشكوك فيه قبل قرنين ونصف من الزمن، وهي اليوم بمنزلة دين قائم بحد ذاته يسيطر ويغزو العالم (ليس فقط البلاد العربية بل يتجاوزها الى أوروبا).. بل إنه يشير الى منحنى أكثر خطورة للوهابية وهو أن قطر أصبحت مرتكزاً آخر للوهابية. فالوهابية اليوم لها أوجه متعددة: فقد تكون تارة بوجه الإخوان المسلمين و تارة بوجه الحركة السلفية وتارة بوجه الجماعات الجهادية. باختصار إن الوهابية خطر على الإسلام لأنها حركة دينية، ذات هدف سياسى واجتماعى رجعى. فالعنف في الحركة الوهابية هو من صميم المذهب وأصوله، كما نراه من خلال تنظيم القاعدة ذات الاتجاه الوهابي ومن خلال الجماعات الإسلامية المنطوية تحت رايتها. وخاصة أن تاريخها يثبت إثباتا كاملا التحالف التاريخي بين السلطة السياسية المالية والسلطة الدينية ، أما الاتفاق التاريخي مع بريطانيا فقائم إلى اليوم. أما إذا رجعنا إلى تاريخ الوهابية فلا نراها قامت أو ضربت إلا المسلمين ولم تمس بمصالح أي دولة غير إسلامية وهذا كاف لإثارة الشكوك حول طبيعتها. إن الفرقة الوهابية الدموية المنتسبة الى الإسلام وهم أقرب لليهود أو للصهاينة. وللأسف أن قتلة القذافى ينتمون الى تنظيم القاعدة أحد ألوية الوهابية. وأذا عدنا لمذكرات مستر همفر الجاسوس البريطاني وكيف روج للفكر وكيف أصبح مفتياً للديار الإسلامية الذي جندته وزارة المستعمرات لتحطيم الإسلام من الداخل عن طريق الوهابية. والتحريض على الفتنة والمذابح بين السنة والشيعة، وهذا الكتاب يؤكد فى مقدمته: «أوفدتني وزارة المستعمرات ومعي تسعة معاونين آخرين سنة 1710 إلى كل من مصر والعراق وطهران والحجاز والآستانة بعد أن تلقينا تدريباً واسعاً في سبل المخابرات والجاسوسية، وشمل دراسة لغات تلك البلاد ودين الإسلام وحفظ الكثير من القرآن والحديث النبوي. فلقد تأكد للساسة البريطانيين أن العائق الوحيد للاستعمار البريطاني في هذه المنطقة الحيوية في طريق الهند هو دين الإسلام ، وأن السبيل الوحيد لإخضاع تلك الشعوب والتغلب عليها هو تمزيق الإسلام من الداخل وبث الفتن بين المذاهب المختلفة، وأهم من هذا هو تحريف المبادئ والقيم التي قام عليها هذا الدين». وكان همفر يبحث عن زعيم عربي مسلم ليحقق أهدافه عن طريقه، وتكون أهم صفاته الغرور، والاستهتار بالناس والقيم والانفراد بالسلطة، وقد وجد ضالته في محمد بن عبد الوهاب مؤسس المذهب المسمى باسمه «الوهابية».. وقبل عصر الوهابية لم يعرف المسلمون هذا النوع من العنصرية والانغلاق، فمنهم الحنفي والشافعي والمالكي والحنبلي وعلماء الشيعة، ومنهم رواة الحديث كالبخاري ومسلم، ومن التمثيليات العجيبة التي يرويها (همفر) أن بن عبد الوهاب: دخل على همفر في مجلسه وحوله حشد من أتباعه وحزبه وهو يبكي، فاستغربوا جميعاً لذلك وقال له بن عبد الوهاب: ما يبكيك يا عبد الله؟، فقال لهم: رأيت رؤيا أن رسول الله كان جالساً في مجلسكم هذا وأن الشيخ ابن عبد الوهاب قد دخل عليه فقام له إكباراً واحتراماً ورحب به ترحيباً لم نره على أحد!! وقال للجميع : هذا هو خليفتي على المسلمين جميعاً وعليكم جميعاً بطاعته، ولو كان في عهدي لأوصيت له بالخلافة بدلاً من أبى بكر وعمر، فقد آتاه الله الحكمة والعدل!، وهنا أخذ عبد الوهاب يصيح: الله أكبر الله أكبر، هذه رؤية صادقة أراك لها الله يا عبد الله جزاء على إسلامك!.. وما أشبه هذا بما حدث الآن من قبل الاخوان عندما رددوا أن محمد مرسى صلى إماما بالرسول الكريم!! وهذا يوضح لنا لماذا أيد الإسلام الوهابى والذى ينتمى اليه الكثير من المصريين المقيمين فى السعودية الحكم الإخوانى الذى نهج أسلوبهم الدموى المغرق فى البدوية فى التعامل مع الثورة المصرية على النظام الإخواني.. ويبقى فى النهاية أن الوهابية وحركة الإخوان المسلمين ماهى إلا جماعات أتت لتفريق المسلمين. ويؤكد جان ميشيل أن المصريين قد وضعوا حدا للاستبداد الإخوانى.. وأن المسلمين يحبون ممارسة الاسلام بنفس أسلوب روجيه روجادى المعتمد على تنفس هواء الحرية والداعى الى السماحة والروحانية الاسلامية.