رابطة الصحفيين أبناء الدقهلية تؤكد انحيازها التام لحرية الإعلام    محافظ الجيزة: خطة عاجلة لتحديث مرافق المنطقة الصناعية بأبو رواش وتطوير بنيتها التحتية    إعلام إسرائيلي: إقالة 15 ضابطا بعد توقيعهم على عريضة لإنهاء حرب غزة    رئيس الوزراء يؤكد موقف مصر الثابت الرافض لاستمرار الحرب الإسرائيلية على غزة    رئيس مدينة طهطا يتفقد مصابي حادث انهيار منزل بقرية الشيخ مسعود بسوهاج    مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي يعلن لجنة تحكيم الدورة ال32    جامعة الملك سلمان تعلن مواعيد الكشف الطبي والمقابلات للطلاب الجدد    أسعار الفراخ والبيض في أسواق وبورصة الشرقية اليوم الجمعة 22-8-2025    الأمم المتحدة: عدد النازحين فى غزة بلغ أكثر من 796 ألف شخص منذ مارس الماضى    روسيا تعتقل عميلين للاستخبارات الأوكرانية وتجري مناورات فى بحر البلطيق    أفضل 4 لاعبين لتحقيق نتائج مميزة في الجولة الثانية بفانتازي الدوري الإنجليزي    محمد الشناوي يعود لتدريبات الأهلي بعد 3 أيام من وفاة والده    ناشئو وناشئات الطائرة يتوجهون إلى تونس بحثًا عن التتويج الأفريقي    قرارات جمهورية مهمة وتكليفات قوية للحكومة تتصدر نشاط الرئيس السيسي الأسبوعي    البكالوريا أم الثانوية العامة.. تفاصيل الاختلافات الكاملة فى المواد والمجموع    وزيرة التنمية المحلية تستعرض تقريرًا حول مشروع التنمية العمرانية بمدينة دهب    الجارديان تحتفي باكتشاف مدينة غارقة عمرها 2000 عام بالإسكندرية    الإسكندرية السينمائي يحتفل بمئوية سعد الدين وهبة ويكرم نخبة من أدباء وشعراء مدينة الثغر    أستاذ بالأزهر: مبدأ "ضل رجل ولا ضل حيطة" ضيّع حياة كثير من البنات    ما الواجب على من فاته أداء الصلاة مدة طويلة؟.. الإفتاء توضح    للرزق وتيسير الأمور.. دعاء يوم الجمعة مستجاب (ردده الآن)    الحبس عامين ل تارك صلاة الجمعة بدون عذر في ماليزيا.. وأحمد كريمة يوضح الحكم الشرعي    حملة «100 يوم صحة» تقدم 57 مليونًا و690 ألف خدمة طبية مجانية (أحدث إحصاء)    إجراء 101 عملية أنف وأذن و124 مقياس سمع بمستشفى العريش العام    محافظ أسيوط يسلم جهاز عروسة لابنة إحدى المستفيدات من مشروعات تمكين المرأة    ترامب يختبر القوة الفيدرالية في واشنطن ويمهّد لتوسيع قبضته على مدن يديرها الديمقراطيون    نجم الأهلي السابق يرشح هذا النادي كمنافس أول للدوري.. ليس الزمالك أو بيراميدز    مرموش: ريس جيمس أصعب خصم واجهته في الدوري الإنجليزي    تقارير تكشف: نتنياهو يقرر فجأة البدء الفوري في مفاوضات إنهاء الحرب على غزة    إيران: عراقجي سيجري محادثات هاتفية مع نظرائه من الترويكا الأوروبية لبحث الملف النووي    طقس اليوم الجمعة.. تحذيرات من رياح وأمطار وارتفاع للحرارة بعد ساعات    غدًا.. إعلان نتيجة التقديم لرياض أطفال والصف الأول الابتدائي بالأزهر| الرابط هنا    نائب وزير الإسكان يترأس اجتماع لجنة إعداد مُقترح لائحة قانون تنظيم المرفق"    قمة ألاسكا.. سلام «ضبابي»| ترامب وبوتين «مصافحة أمام الكاميرات ومعركة خلف الأبواب»    «زي النهارده«في 22 أغسطس 1945.. وفاة الشيخ مصطفى المراغي    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الجمعة 22 أغسطس 2025    «زي النهارده» في 22 أغسطس 1948.. استشهاد البطل أحمد عبدالعزيز    90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. الجمعة 22 أغسطس 2025    كيف يتصدى مركز الطوارئ بالوكالة الذرية لأخطر التهديدات النووية والإشعاعية؟    لو بطلت قهوة.. 4 تغييرات تحدث لجسمك    الإيجار القديم.. محمود فوزي: تسوية أوضاع الفئات الأولى بالرعاية قبل تحرير العلاقة الإيجارية    مقتل شاب في الأقصر إثر مشاجرة بسبب المخدرات    النصر يستعيد نجمه قبل نهائي السوبر    صفات برج الأسد الخفية .. يجمع بين القوه والدراما    بعد أزمة قبلة راغب علامة.. عاصي الحلاني يدخل على الخط (فيديو)    «خير يوم طلعت عليه الشمس».. تعرف على فضل يوم الجمعة والأعمال المستحبة فيه    اليوم انطلاق مباريات دوري المحترفين بإقامة 3 مباريات    إحالة أوراق المتهم بقتل أطفاله الأربعة في القنطرة غرب إلى مفتي الجمهورية    تنفيذ حكم الإعدام في مغتصب سيدة الإسماعيلية داخل المقابر    تنفيذ حكم الإعدام بحق قاتل زوجين في «مجزرة سرابيوم» بالإسماعيلية    ليلة استثنائية في مهرجان القلعة.. علي الحجار يُغني المشاعر وهاني حسن يُبدع بالسيمفوني| صور    محمد رمضان ينشر فيديو استقباله في بيروت: "زي ما فرحتوني هدلعكم"    تعليم الجيزة تواصل أعمال الصيانة والتجديد استعدادا للعام الدراسي الجديد    فطور خفيف ومغذ لصغارك، طريقة عمل البان كيك    «هتسد شهيتك وتحرق دهونك».. 4 مشروبات طبيعية تساعد على التخسيس    مصرع شابين غرقا بنهر النيل فى دار السلام بسوهاج    أزمة وتعدى.. صابر الرباعى يوجه رسالة لأنغام عبر تليفزيون اليوم السابع    نجم الأهلي السابق: أفضل تواجد عبد الله السعيد على مقاعد البدلاء ومشاركته في آخر نصف ساعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



انفجرت مع نافورة الزيت.. والتقت مع عقلية إسلامية مشلولة فأنتجت تشددا وغلوا
الوهابية ..
نشر في اليوم السابع يوم 18 - 12 - 2008

جمعنى منتدى علمى فى إحدى الجامعات الأجنبية فى الخليج مع باحث غير عربى متخصص فى الإسلاميات وقد تابع بشكل ما تجربتنا فى اليوم السابع التى لا تزال فى مهدها، وقد وجه لى ثلاثة أسئلة مقتضبة فى لقاء لم يستغرق دقائق فقال لى: ماذا تنتظر من وراء ما تكتب؟ فقلت: التحرر من سلاسل وأغلال التراث وتلمس روح التطبيق الأول للإسلام من خلال لحظة تاريخية توافق تركيبات حياتنا المعقدة, فسألنى: لماذا البدء من التراث وليس من الواقع المعقد؟ فقلت: لأن ذلك السبيل الصحيحة لأننا لو بدأنا من الواقع المعاصر لكان فى نظرى كمن بدأ تنظيف سلم من آخر درجاته فكلما صعد درجة لينظفها أهال التراب والقاذورات على ما كان نظفه من قبل, والحل الوحيد أن يبدأ السلم من أعلى درجاته, فسألنى سؤاله الأخير: ما هى أكبر العوائق بنظرك التى تحول دون التأثير الذى تنشده؟ فقلت له: عائقان فقط.. عقلية المسلم المعاصر والوهابية.
نعم لأن الوهابية هى الضربة القاصمة التى تلقاها المسلمون بعدما تشكلت بذرتها وأثمرت ورقتها مع إمامهم «محمد بن عبد الوهاب», ومع انفجار نافورة الزيت تحت الصحراء الوهابية كان التحول الأكبر فى تغلُّب الوهابية على الجميع, فقد انساحت أفكارهم بكل الوسائل, فى الإعلام، فى شرائط الكاسيت، فى الكتب، فى الإنترنت، فى دعم المراكز الإسلامية فى أوروبا وأمريكا, وحتى باستخدام البشر من خلال أزلامهم وأذيالهم فى كل مكان، ما أنتج عقليات مسلمة مغيَّبة لم تعرف العظماء الحقيقيين كرفاعة الطهطاوى ومحمد عبده ومَن بعدهم, ولكنها أصبحت تعرف جيدا أسماء «محمد بن عبد الوهاب», «ابن باز», «ابن عثيمين», «ابن جبرين» وشركائهم, ورغم أن المسلمين فى حالة خراب عقلى من قبل الوهابية فإن ظهورها وتمكنها فى القرن الماضى أكد على انعزالية المسلمين وساعد فى تخلفهم عن ركب الأمم العظيمة التى قادت العالم وتقوده إلى الآن.
وتلاقت الوهابية بالضرورة مع عقلية إسلامية مشلولة وجاهلة وفارغة وكان هذا التلاقى قاسما مشتركا اعتمدته الوهابية لإنتاج هذا التشدد والغلو الذى دمر حياة المسلم المعاصر, والغريب أن نجد البدو الأعراب قد تسللت ثقافتهم إلى مصر فأصبحت للوهابية سوقا فى مصر وشيوخا من أزلامهم تفتح لهم القنوات ليُفتون ويُستفتون, وصدروا لمصر ولغيرها دينهم الجديد, دين القشور, دين تقصير الثوب وإعفاء اللحى والسواك الظاهر فى جيب الصدر, ومن عجب أن تجد أزلام وأذيال الوهابية فى مصر يتأسون بسنة أسيادهم البدو فيلبسون ملابسهم ويضعون على رؤوسهم هذه ال«الطرحة» البيضاء البلهاء القبيحة, ليؤكدوا مدى ولائهم ومدى انسحاق الهوية المحلية -فى مصر أو غيرها- أمام الاكتساح البدوى البترولى, رغم أنه لو تخيلنا أن العكس قد حدث وقرر شيخ وهابى هكذا فجأة أن يرتدى مثلا زىَّ علماء الأزهر «الجبة والكاكولة» أو ملابس علماء الزيتونة فى تونس, لأقام الوهابيون عليه الحد, ولكن الانسحاق يأتى دائما من الطرف الأضعف, وهذا الانسحاق لم يتوقف على أذيال الوهابية القابضين من خيراتهم ولكنه انسحب على أجيال من تلامذة هؤلاء حتى إننا لنجد الشباب الذى يقولون عنه بالتعبير الوهابى «ملتزم» نجده يقصر «البنطلون» و«يقصه» مثل الأبله السفيه, ليقدم أسوأ صورة عن المسلم فى كل مكان, كما انتشرت بين البنات والشابات الجلابيب السوداء اعتقادا منهن أنه اللون المعتمد للنساء الملتزمات.
وقد أنتجت وأفرزت كل هذه التفاعلات بين العقلية الشلَّاء للمسلم, وبين دين التشدد الوهابى فقها ومنهجا يحرم كل شىء فى حياة المسلم دون أدنى نظر أو فهم أو تماس مع واقع الحياة المعقد والمركب.
فكل حياة المسلم تقريبا أصبحت فى حرام: التلفزيون حرام- السينما حرام- الغناء حرام- الموسيقى حرام -الفنون بكل أشكالها حرام -الرسم حرام- الصور الفوتوغرافية حرام- التماثيل شرك وجاهلية- الاختلاط بين الرجال والنساء حرام- العمل فى مكان به اختلاط حرام- البنوك حرام- العمل فى البنوك حرام- الاستثمار فى البورصة حرام- الصحافة حرام- الإنترنت حرام- خروج المرأة حرام- خروج المرأة للصلاة مكروه جدا-كتابة الشعر وقراءته حرام- مصافحة النساء فجور-كشف وجه المرأة سفور وفسوق- أخذ المرأة بضع شعرات من حاجبها يدخلها النار ملعونة مع كفار مكة- حلق اللحية للرجل حرام- الموبايل بالكاميرا حرام- خاتم الخطبة والزواج «الدبلة» حرام- الذهاب للمصايف حرام- القروض المالية حتى للمحتاج حرام- عمل المرأة حرام- الأفراح والأعراس المختلطة حرام- ارتداء المرأة الألوان الزاهية حرام - لُعَب الأطفال كالشخصيات الخيالية والعرائس للبنات حرام بل تطرد الملائكة من البيت- أفلام الكرتون حرام وقد طالب الشيخ الوهابى «المُنجد» أخيرا فى فتواه بقتل «ميكى ماوس»- السفر إلى بلاد الخارج للسياحة حرام- سفر المرأة بدون محرم حتى إن كان للعلاج أو للعلم أو حتى للحج حرام- الفكاهة «النكتة» حرام لأنها تعد كذبا- الرياضة للمرأة حرام- تولى المرأة الولايات العامة أو القضاء حرام لأنها غبية وناقصة عقل ودين- تعطر المرأة زنا وحرام..إلخ.
وهذه التحريمات باختلاف أصولها وفروعها وأنواعها هى جزء من كل, وهى نتاج لأشد الآراء التراثية غلوا مخلوطة بنتاج آراء «ابن تيمية» مُنظِّر الوهابية غير المباشر، وصولا إلى إبداعات الوهابية المعاصرة لكى تنتج ما ذكرنا مثالا مبسطا عليه، حيث إن التحريمات فى حقيقتها أضعاف مضاعفة لما سبق, فكل الصغائر والفروع والأشياء المستجدة هى حرام بداءة حتى يثبت العكس, ما أدى إلى خلق عقلية مسلمة مشوهة تسأل فى كل صغيرة وصغيرة، وتراجع عن الصورة الهدف الأسمى لوجود الدين فى الأرض.
وحتى على الجانب التنظيرى الفكرى فقد رسخت الوهابية فى عقول المسلمين أنها الفرقة الناجية, واختطف فقهاء الزيت مفهوم «أهل السنة والجماعة»، وأصبح الوهابيون هم أهل السنة وما عداهم فهو ضال مضل فاسق, فكل المذاهب الفقهية خاطئة إلا هم: الحنفية مبتدعون- الشافعية والمالكية على غير هدى- المعتزلة كفار- الظاهرية مبتدعون لا يعتد بخلافهم-الصوفية ملاحدة وكفار-الأشاعرة والماتُريدية ضُلَّال فُسَّاق «وبالمناسبة كل علماء الأزهر الشريف تقريبا من الأشاعرة والماتُريدية, لذا نجد الوهابيين يصرحون تارة ويلمحون تارة بأن علماء الأزهر ليسوا على العقيدة الصحيحة»- فقط يدَّعى الوهابيون أنهم حنابلة والحقيقة أن «أحمد بن حنبل» منهم براء, أما شيخهم غير المباشر «ابن تيمية» فهو الذى لقبوه بشيخ الإسلام ووضعوا رأيه فوق كل أحد وعلى رأس كل قول- وسيأتى مقال نفرد فيه لابن تيمية وحده- أما محمد بن الوهاب فهو الأيقونة التى أعطتهم شرعية تكفير المخالف بل قتله إن استطاعوا, ولم لا وقد فعلوا ذلك من قبل, ولذلك نجد الوهابية قد تلقفت الاتهامات القديمة الجاهزة وأزادت عليها التُّهم المستحدثة لكل مخالف لهم فهو إما: «معتزلى- مبتدع- زنديق- ملحد- رافضى-أشعرى» بالإضافة إلى التُّهم الجديدة: «علمانى- ماركسى- مادى- ليبرالى- عقلانى» فهذه الاتهامات وملحقاتها هى الرشاش الذى يبصقه الوهابيون وصبيانهم فى مصر فى وجه من يخالفونهم أيا كان نوع المخالف أو المخالفة, فهم على استعداد لسب أى أحد فى عرضه وشرفه ودينه فى ثوان معدودة إذا استبان لهم أنه اجترأ على مخالفتهم, والغريب أنهم يبيحون لأنفسهم سب الآخر ورميه بالفسق والكفر والجهل والبدعة والعلمانية وذلك من السلف والخلف على سواء ولا يحتملون هم ولا تلامذتهم أن يُخالف أو يُعارض واحد منهم وكأن الناس كلها مستباحة وهم آلهة منزَّلة, كل الناس مخطئة وهم وحدهم معهم الحقيقة, كل الناس لا تعلم وهم فقط الذين يعلمون, كل الناس تفرط فى دين الله وهم فقط الذين أوحى الله إليهم بالدفاع عن دينه, كل الفِرق والمذاهب والجماعات هالكون وهم الفرقة الناجية هم المهدية هم أتباع الرسول وكل المسلمين مبتدعة, وذلك دينهم الذى ينشرون.
نتاج الحقبة الوهابية السوداء والمستمرة:
تكفير وتبديع المخالف ابتداء من العقيدة التى أضاع المسلمون فيها مئات السنين من السفسطة الفارغة, ولكن كل الفرق وفى أسوأ أحوالهم لم يكفروا المخالف مثلما يفعل الوهابيون وقد انساح ذلك الفكر على العقل المسلم فأصبح انتهاك شرف وعرض المخالف مباحا فى شرع الوهابية ومباحا عند كل مسلم يتخيل أنه يدافع بهذه البذاءات عن دينه.
اتساع دائرة التحريمات المختَلََََقة كبقعة زيت آخذة فى التمدد بلا هوادة على أيدى فقهاء البدو الأعاريب وأيدى الأذيال والأتباع ما أدى إلى ترسيخ أوهام فى العقل المسلم أن تلك التحريمات من دين الله وشرعه بل هى فى حقيقة الأمر من دين الوهابية وشرعهم فالله فى التنزيل الحكيم يقول: «وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ» النحل 116.
احتقار النساء بشكل فاق كل تصور حيث دمج الوهابيون ثقافة البدو المتغلبين على النساء بحكم القبيلة وخلطوها بأحكام الفقه وخلقوا منها جزءًََا مهما فى دين الوهابية, وليس هنا مجال لإفراد الحقائق والبليَّات فى هذا الجانب ولكن الأسى الحقيقى أن أحكام القبيلة تماهت بأحكام الدين وأصبحت الوهابية تغزو كل البلدان شرقا وغربا من خلال قنواتهم ودروسهم ومن خلال هذه الأشياء التى تخرج لتفتى فى الناس حسب شرع الوهابية.
اختفاء وتوارى المعنى الحقيقى للإسلام وهدفه فى إقامة العدل والحرية والمساواة والإخاء والتسامح, وظهور القشور الغبية كتقصير الثوب وإعفاء اللحية وحف الشارب ووجوبية الختان للإناث, فأصبح الإسلام دينا مفرغا من داخله يمثل طقوسا شكلية فقط لا أكثر.
أما الإشكالية الكبرى التى آتت أكلها من ثمار الوهابية فهى الفكر المتطرف الذى تحول اصطلاحيا فى نهاية السبعينيات من القرن الماضى إلى مصطلح الإرهاب حاليا, فقد كان شيوخ الوهابية حينها يتباهون بشحن هذا الفكر وتجهيزه بالعدة الفكرية والفقهية وكان مصطلح الصحوة الإسلامية هو المصطلح السائد حينها, فلما فرغت أيدى شباب الصحوة مما كان يشغلهم انقلب السحر على الساحر وضرب التطرف معاقل الوهابية التى كانت فى السابق بلد المنشأ لهم على طريقة «علمته الرماية فلما اشتد ساعده رمانى» فعادوا ليضربوا الوهابية بنفس السيف الذى تعلموه وشربوه من ذات شيوخهم سيف التكفير, ويالها من مفارقة أن يتذوق الوهابيون بعض ما عملت أيديهم ويحاربوا بنفس الذى كانوا يحاربون به بالأمس, نفس الآيات وذات الأحاديث «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده», نفس الفتاوى والأفكار التى كان يتغنى بها شيوخ الوهابية فى شرائطهم ومحاضراتهم فى بداية الثمانينيات, والمفارقة الأعجب أنهم ذاقوا نفس البذاءات التى علموها لهم, الآن يتحدث شيوخ الوهابية عن آية «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة» وكأن هذه الآية أنزلت من قريب, الآن يتحدث شيوخ الوهابية عن احترام العلماء وتوقيرهم وهم الذين علموهم كيف يسبون المخالفين ويفحشون فى أعراضهم, الآن رجع الفكر والفقه الوهابى للفتاوى حسب الطلب, ومما يثير الضحك هو حالة الشيزوفرينيا الحادة «الفصام» التى أصبحت عليها الوهابية, فلو قُدِّر لأحد أن يسمع محاضرات الشحن المعنوى أيام الصحوة لما صدَّق هذا التغير بل الانقلاب من الوهابية على آرائهم القديمة, ولكن الوهابية فى ثوبها الجديد عند من انقلبوا عليها وهابية مداهنة تأكل بعضها وتكذب نفسها.
ومن جراء التراث الثقيل الذى كبَّل الإسلام ثم بفضل ظهور الدين الوهابى وامتلاكه زمام الأمور لم يقدم المسلمون منذ عصور سحيقة شيئا نافعا للإنسانية, فماذا قدمت هذه الأمة للعالم الذى تعيش فيه؟
لقد أصبحنا بفضل الوهابيين عالة على الأمم فى هذا الكوكب, بفضل الوهابية تمكنا من تحقيق النصر الكبير وإثبات أن السواك أفضل من معجون الأسنان, بفضل الوهابية استطعنا أن نشق طريقنا لإثبات أن الأرض لا تدور كما كتب زعيمهم ذات مرة فى كتاب مطبوع ومنشور, بفضل الوهابية أصبحنا فراغا كبيرا موجودا على هذه المنطقة من العالم, فالوهابية التى تنعت الغرب دائما بالغرب الكافر الملحد جعلتنا نأخذ من هذا الغرب الكافر الملحد كل ما يقيم حياتنا, بفضل الوهابية انزوى العقل المسلم وانشغل بذاته ليلا ونهارا وأصبح يتمحور حول نفسه وأصبح الإنسان فى الغرب الكافر الملحد ينشغل أكثر بمجتمعه وبتقديم شىء نافع للإنسانية, ورغم أن القاعدة الفلسفية تقول «الكل أكبر من مجموع أجزائه» إلا أن الجزء فى المجتمع المسلم قد دمر الكل فأصبح المجتمع المسلم عالة لا يقدم شيئا للعالم, فما بين فتاوى الطهارة والبنوك وعدد مرات الطلاق وفتاوى رمضان ثم فتاوى الحج يمر العام تلو الآخر والوهابية تخوض على قنواتها حروبها المقدسة الطاهرة عن نمص الحواجب والنقاب ذى العين الواحدة وتبرج النساء وفتنتهن وحرمة الموسيقى وقتل «ميكى ماوس», وحتى المنظومة الأخلاقية الحقيقية للإسلام السمح والراقى والعقلانى لم نستطع أن نقدمها للعالم بل الحزن والأسى أننا قدمنا لهم «ابن لادن» و«أيمن الظواهرى» و«الملا عمر» قدمنا لهم ما جعلهم لا يصدقون أن الإسلام بخلاف ذلك, هذا ما جنته الوهابية على الإسلام وعلى المسلمين, نحن قدمنا لهم ثقافة الخرافة والدجل والسحر التى انتشرت وتوطدت فى العقل المسلم بفضل شاشات الوهابيين التى تأخذك إلى النار, والغرب قدم لنا السحر الحقيقى قدم لنا قطعا من البلاستيك نحفظ عليها فى حلنا وترحالنا أطنانا من الكتب وقدم لنا قطعا أخرى من البلاستيك نتكلم بها ونتواصل من خلالها فى أى مكان من مشارق الأرض ومغاربها, قدم لنا الغرب الكافر الملحد النموذج الكامل فى النجاح فى كل شىء, وقدمنا له بفضل تقديس تراثنا الثقيل قديما والوهابية حديثا نموذجا للفشل, والوهابيون رغم كل ذلك مازالوا يلعنون الغرب الكافر الملحد والشرق الأقصى أيضا الكافر الملحد صباحا ويشترون ليلا طائراتهم وسياراتهم وأدويتهم, الوهابيون يذهبون للعلاج فى مشافى الغرب الكافر الملحد ويدعون عليهم فى صلاتهم أن يبددهم بددا ويحصيهم عدداً, وما ذلك إلا حصائد ثقافة النفاق والانتهازية التى أشاعها الوهابيون, فهنيئا للغرب والشرق ما قدموه للإنسانية وهنيئا للوهابيين بتقصير الثوب وال«شورت» الشرعى.
وكما قلت لصديقى الباحث البريطانى أؤكد مرة أخرى أن العائق أمام أى تقدم منشود فى هذه الأمة هى الوهابية والعقلية الإسلامية التى لم يعد فى مقدورها أن تتخيل أن السابقين بشر, وأن التراث من صنع رجال أمثالنا, هذه العقلية التى آمنت بقاعدة «أبى حامد الغزالى» «ليس فى الإمكان أبدع مما كان» رغم أن الغزالى كان يقصد بها قضية فلسفية لا مجال لذكرها هنا, ولكن المهم أنها انسحبت على الفكر المسلم لتعطى للأولين قداسة ولعقولهم عصمة, فلما اجتمعت وتلاقت هذه القواعد البالية مع الوهابية كانت نقطة الفناء التى طمست روح الإسلام وشوهته, وإنى لأذكر كلمات ما زلت أسمع صداها من العالم الفرنسى وأستاذ الفيزياء الحيوية «عبد الحق جيدردونى» الذى دخل الإسلام من بابه السمح من باب التصوف وهو يقول: «إن أوروبا تحتاج المنظومة الإسلامية السمحة الآن أكثر من أى وقت مضى».
الإسلام هو آخر فرصة حقيقية أعطاها الله للإنسانية ولكن أثقال تقديس التراث وحماقة الوهابية أضرا بنمو وازدهار هذه الفرصة قبل أن يضرا بالمجتمع المسلم فالوهابية هى خيمة الظلام التى حطَّت على العقل المسلم.
ومن الصدف الموضوعية أننى أجد تشابها كبيرا بين نوافير الزيت الذى نفر تحت مجالس الوهابيين وبين عقولهم وآرائهم, الاثنان خرجا من تحت الأرض بنفس سرعة الطفو المؤقت, نفس اللزوجة, نفس الرائحة العفنة, نفس التلوث الذى يحدثانه, ونفس اللون الأسود الظلامى, وكما سيختفى البترول يوما ما, أثق أن الوهابية ستندثر فى يوم قبله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.