بالرغم من قيام ثورة يناير وتلتها ثورة جديدة ثارت على الظلم والفساد والاستبداد الذى استمر أكثر من ثلاثين عاما بأنواعه وأشكاله.. إلا أنه يبدو أن الثورة قد تبخرت وأصبحت أطلالها هى الباقية فقط.. فمازال الفساد مستمرا بل زاد توحشا وبالرغم من سقوط نظامى «مبارك» و«مرسي» وتقديم رموزهما للمحاكمة.. إلا أن أوكار الفساد فى المجالس المحلية والمحافظات والهيئات الحكومية وغيرها مازالت تعبث فى مقدرات البلاد وهو ما كشفه متخصصون ودراسات وتقارير حكومية وغير حكومية.. فقد خلت أجهزة الدولة تماما من وجود الشئون القانونية فى المصالح الحكومية.. كما أصبحت الإدارة القانونية مصدر تضليل للأجهزة الرقابية الى جانب بطء التقاضى الذى يجعل الجميع يعملون تحت عباءة الإدارة الفاسدة.. كما أكد الخبراء أن الإرادة السياسية مازالت مرتعشة وغير عازمة على القضاء نهائيا على الفساد من خلال قوانين رادعة فى الدستور الجديد.. فحتى الآن لم توقع مصر على بنود اتفاقية مكافحة الفساد.. وهو ما يكشفه التحقيق التالى. من جانبه دعا الدكتور عبدالخالق فاروق الباحث والخبير الاقتصادى إلى إلغاء الصناديق والحسابات الخاصة، لأنها تهدر على الدولة 350 مليار جنيه.. مؤكداً أن قانون المناقصات والمزايدات مهدر للحقوق العامة، وأن ما فعله الرئيس الموقت المستشار عدلي منصور من إضافة بعض المواد كان بمثابة (كارثة كبرى)، فيما طالب ب«فصل الخدمة عن مؤديها»، مشيرًا إلى أن هناك مادة في القانون المصري من العام 1956 تقضي بمحاكمة رئيس الجمهورية، إلا أنها لم تُستغل طيلة هذه الأعوام. وأشار خبير الاقتصاد إلى أن «الحكومة تعمل بقانون شركات قطاع الأعمال رقم 203 لسنة 1991، لكي يتم إغراء ثوّار 25 يناير بتمرير هذا القانون، وأن رئيس اتحاد العمال الأسبق حسين مجاور كان يأخذ أكثر من مليون جنيه مكافأة من الشركات، وقاتل من أجل أن يكون رجاله داخل التنظيم النقابي، وكانت هناك مصالح مالية بالملايين تخرج لصالحهم، وأن المادة 55 تمنع أجهزة الرقابة من مباشرة عملها إلا بإذن من الوزير أو رئيس مجلس إدارة الشركة التابعة، وإذا كان الوزير متورطًا لا يمكن محاسبته، وتوقع خروج إبراهيم نافع وسمير رجب وغيرهما من القضايا المتهمين فيها». وأضاف «فاروق» أن هناك بعض القضاة الذين يرفضون بالمطلق انتدابهم كمستشارين في الوظائف الحكومية، وأنه أمر في غاية الأهمية للحفاظ على هذا الكيان، وأنه لابد من إلغاء الصناديق والحسابات الخاصة، لأنها تهدر علي الدولة 350 مليار جنيه، داخل هذه الصناديق، وقد تم حرمان الخزانة العامة للدولة من 3 إلى 5 مليارات جنيه بسبب المجتمعات العمرانية وتحويل عائدها إلى الصناديق الخاصة،.. وقال «فاروق» إنه من الممكن أن يكون هناك إصلاح جذري لنظام الأجور والمرتبات، فمثلاً 1.3 مليون موظف في العاصمة يأخذون 41% من إجمالي ناتج الأجور، و3.5 مليون في المحليات يأخذون 46%، مما يعني أن هناك ظلمًا كبيرًا يقع على الموظفين في بعض الأماكن». ويرى الدكتور عبدالخالق، أن «الجزء الأكبر من الخلل يأتي في المكافآت 33.6 مليار جنيه، وأن الأجهزة الموجودة في العاصمة تأخذ النصيب الأكبر، وفي رئاسة الجمهورية الموظف يأخذ 18 ضعف المرتب الأساسي في الشهر، وبالنسبة إلى الجهات الأخرى مثل التعليم يأخذ 4 أضعاف فقط، وذلك بعد تعديل الأجور عقب ثورة يناير، وأنه لابد من توفير قوانين مهمة في الجهاز المركزي للمحاسبات، حتى لا يكون لأحد السيطرة والهيمنة عليه، وهي أن يكون هناك نص دستوري لتحصين وسائل الجهاز كافة، وتحصين العاملين داخل هذا الجهاز، لعدم العبث بهم عن طريق الرؤساء». وأوضحت الناشطة السياسية والإعلامية بثينة كامل أن الاتفاق الدولي لمحاربة الفساد هو اتفاق جديد، لاتزال العديد من فقراته مبهمة، وفي حاجة إلى تفسير، مشيرة إلى أن العديد من الإعلاميين فقدوا حياتهم في الحرب على الفساد، لافتة إلى أن الأجور العادلة المناسبة هي الباب الأول لمحاربة الفساد. وأضافت «كامل» أن «تقرير منظمة الشفافية الدولية أفاد بأن 64 % من جموع المصريين يرحبون بمحاربة الفساد، ومن هنا يأتي الأمل، لأن الشعب المصري أصبح لديه وعي»، لافتة إلى أن «الحديث عن محاربة الفساد لم يكن ممكنًا دون قرار سياسي، وعندما نتكلم يكون في إطار السياق العام للدستور، وقالت إن الفساد لم يكن فقط في عهد نظام مبارك، ولكن أيضًا في عام قضيناه في عهد الإخوان، كان أشد فسادًا»، وأن «مصر تعيش أزمة تقبل الرأي الآخر، فكل ما يتعارض مع الرأي الشخصي للفرد، يوصف بأنه من الخلايا النائمة، أو من الجماعة»، مؤكدة أنه «ليس من الكافي أن نطالب بعودة المفوضية العليا لمكافحة الفساد في الدستور المصري، لكن علينا أن ننتهي من الخلافات الفردية هذه»، مشددة على أنه «لابد أن تخرج الأجهزة الرقابية من تبعية الأجهزة السيادية، وأن تساعدنا المفوضية الدولية على ذلك». أكد ماجد سرور مدير مؤسسة عالم واحد أن المجتمع المدني لعب دوراً مهما في مجال إرجاع بعض الحقوق لمستحقيها.. وقال «سرور» إن مكافحة الفساد أمر يتكلم فيه الجميع منذ ثورة 25 يناير وكان من أهم مبادئ العدالة الانتقالية. وأكد «سرور» أننا نحتاج معرفة ملف بيع القطاع العام الذي لم يكن به أي نوع من الشفافية ونريد التفاصيل حتي يتسني لنا المرافعة القضائية والتكتيكات الخاصة بملف الفساد فنظام مبارك هو الذى أرسى قواعد الفساد.. وقال «ماجد» إن هناك نوعين من الفساد «صغير وكبير» ونحن نحتاج للتوصل إلي الحقيقة ويتطلب ذلك ألا تصدر أحكام قبل معرفة الحقيقة كاملة ومن الممكن مسامحة البعض في هذه القضايا في سبيل معرفة الحقيقة كاملة.. مضيفا أن الإرادة السياسية للدولة وقعت علي اتفاقية مكافحة الفساد ولم يتم تناول أي بند من بنود الاتفاقية في محاربة الفساد فالإرادة السياسية في مصر مترددة لأنها لم تكن تعلم إذا كانت سيتم القبض عليها لأنها فاسدة أم لا.. كما وعد التحدث مع الحكومة الحالية بأننا نقدر علي مكافحة الفساد في حدود قوانين العدالة الانتقالية..وقال أن العدالة ليست قوانين ولا تشريعات ولكنها مبادئ ولا يوجد نظام لتطبيق العدالة الانتقالية في أي دولة من دول العالم أقل من 15 سنة كما حدث في الأرجنتين ما يتوافق مع الحالة المصرية هو ما يتم الالتزام به في الوقت الحالي. كما تري رئيسة المؤسسة المصرية للرقابة الشعبية إنجي الحداد أن الفساد جريمة مجتمع ضد نفسه وأنها ليست جريمة نظام حكم الدولة وكانت لأول مرة في تاريخ البرلمان.. الإمضاء علي اتفاقية مكافحة الفساد ولم يتم طبعها وتم رفع قضية لذلك وطبعت الاتفاقية وأكدت أن المجتمع عليه دور كبير في أنه لابد أن يفهم الناس الفساد وإذا لم يقف الجميع ضده هذا هو الخطأ بعينه. أضافت أن القصة ليست عدالة انتقالية بعد عهود متتالية من الفساد وكلما زاد عدد الموظفين زاد الفساد وأن عملية تحديد الحد الأدني للأجور سيزيد من المشكلة. وأوضحت «الحداد» أن التشريعات في مصر تسمح بالفساد وحرية المعلومات ليست موجودة وقانون حرية المعلومات ضروري لمكافحة الفساد والثورة لم تقم ضد الإخوان ولكن ضد الفقر والفقر أهم أبواب الفساد.. وأن الدول العالمية ستأخذ فترة طويلة لتطبيق قانون مكافحة الفساد وقد كان هذا التطبيق بنظام القرعة ولم يكن لمصر نصيب في المرة الأولي واعتقد ان دورها قادم وسيتم تفعيل الاتفاقية إلا إذا قرر الجانب المصري عدم العمل بها وطالما التزمنا بالمواثيق إذن ستحدث ولابد من أهمية حرية المعلومات وإلغاء حصانة أعضاء مجلسي الشعب والشوري. وقد أكد المرشح السابق لرئاسة الجمهورية والمحامي الحقوقي خالد علي أن مصر بيئة خصبة للفساد، حيث لا توجد إرادة حقيقية لمكافحته، مشيرًا إلى أن البلاد تعاني من تخمة في الأجهزة الرقابية، حيث يوجد 35 جهازاً رقابياً، فضلاً عن أجهزة التحقيق والأجهزة التنفيذية... موضحا أن «مصر بيئة خصبة لانتشار الفساد، والقوانين تعبير عن ميزان القوى في البرلمان»، مؤكدًا أن «وجود الأجهزة لا يعني بالضرورة قيامها بالدور المناط بها، فهي تقتصر في بعض الأحيان على كتابة التقارير». وأشار «على» إلى أن «الخطوة الأولى تتمثل في الحق في المعرفة، وحرية تداول المعلومات، في مجتمع تكثر فيه البطالة»، لافتًا إلى أن «الدولة شريكة في كيفية توزيع الثروة في المجتمع، وأن أراضي التنمية السياحية تم توزيعها دون عدالة انتقالية، بالأمر المباشر، وكذلك عملية خصخصة الهيئة العامة للتأمين الصحي»، مُبينًا أن «اللجنة الوزارية للخصخصة، وفقا لقانون قطاع الأعمال العام، التي كان يترأسها رئيس الوزراء في حكومتي عاطف عبيد وأحمد نظيف، كانت تقول إنه لم يتم بيع الشركة، إلا بعد خسارتها، مستخدمين طرقًا متعددة لتقييم الأصول، والتلاعب في العملية». وأشار «علي» إلى أن «ما لم يفعله مبارك والمجلس العسكري ومرسي في قانون المزايدات، فعله المستشار عدلي منصور رئيس الجمهورية، في عملية وقف تنفيذ قانون المزايدات عن هيئة المجتمعات العمرانية والساحلية والزراعية، ما يسمح ببيعها، دون رقابة»، مؤكدًا أنه «إذا كانت هناك إرادة حقيقة، لابد للدستور أن ينص على ألا تبيع الدولة أراضيها، وقصرها على حقوق انتفاع لمدد محددة، وأن يكون هناك حدود قصوى للملكية، وحظر لتصدير المواد الخام». أما المحامي خالد أبو كريشة فقد أكد أن القضية في تفعيل أدوار الاجهزة الرقابية لتعقب الفساد بقواعد واضحة وبرلمانيات شفافة مؤكدا ان الاجهزة الرقابية خلت من جهاز هام وهو الشئون القانونية في المصالح الحكومية فإن المتواجدين هم الستار الخفي لجميع الإساءات حيث يجدون المخرج القانوني ويتم ذلك من خلال افتاء قانوني هي التي تصوغ وتطفي هذا الطلاء علي المفاسد فتصبح الإدارة القانونية مصدر تضليل للأجهزة الرقابية.. مضيفا أن بطء القضاء يجعل الجميع يعمل في ظل الادارة الفاسدة ولكن تظل إمكانية الفعل علي الأرض لاسترداد الحقوق.. وقال إنه لا يجرؤ أحد علي دخول الجهاز المركزي للمحاسبات كمكان ملك للدولة وإذا ذهب مندوب للجهاز في أي مكان ليبحث عن عمله نجد أن من يستقبله ومن يعرض عليه الملفات هو صاحب الجريمة. يقول شحاتة أبو شعير رئيس المركز العربى للنزاهة والشفافية إن منظمة الشفافية تصدر كل عام مؤشر مدركات الفساد وقد صدر هذا العام للمرة ال17 على التوالى ويقيس هذا العام 176 دولة حول العالم وذلك بناء على مدركات الفساد لدى القطاع الحكومى فى الدول مشيرا الي أن هذا العام للاسف ترتيب مصر يتدنى على مؤشر مدركات الفساد العالمى من 112 عالميا عام 2011 الى 118 فى عام 2012 وأيضا تتدنى فى الترتيب العربى من 11 الى 12 وهو ما يعنى ازدياد حجم الفساد فى مصر من العام الماضى الى العام الحالى.. وهو الأمر الذى يدعو الحكومة إلى مراجعة سياسات مكافحة الفساد بشكل جاد والبحث عن طرق بديلة لمنعه داعيا الحكومة إلى اتخاذ التدابير الوقائية الواردة فى اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد التى وقعت عليها مصر منذ عام 2005. وأضاف «شحاتة» أن إصلاح المنظومة الاقتصادية والتغلب على قيود خلق الحيز المالى يتطلب مكافحة الفساد على المستوى المركزى والمحلى وتصحيح هيكل السوق، ومنع التزاوج بين المال والسلطة، وذلك عبر مكافحة تدخل رجال الأعمال فى التأثير على القرارات الاقتصادية وعمليات الإصلاح.. مشيرا الي أن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد فحسب، فهناك كذلك ضرورة لإعادة هيكلة نظام الأجور الحكومية على نحو يقضى على التفاوت الكبير بين العاملين بالجهاز الحكومى، وكذلك الاستخدام الكفء للموارد العامة للدولة ومشاركة المواطن فى تحديد أولويات المجتمع، وترشيد الإنفاق الحكومى ووضع نظام قائم على الشفافية للمشتريات الحكومية، وتوسيع القاعدة الضريبية على نحو يسهم فى زيادة نسبة الحصيلة الضريبية للناتج المحلى الإجمالى من خلال تطبيق مبدأ التصاعد الضريبى وإصلاح المنظومة الإدارية للنظام الضريبى لزيادة الكفاءة. وقال «شحاتة» إن المعضلة الأساسية حاليا تتلخص فى كيفية تحقيق المواءمة بين زيادة الأجور فى القطاع الحكومى دون الإضرار ببقية قطاعات المجتمع، خاصة القطاع الخاص مع الحفاظ على مستويات الميول التضخمية، لكى يشعر المواطنون بالزيادة دون أن يلتهمها ارتفاع الأسعار، كما أن زيادة أجور القطاع الحكومى ستجعل منه أكثر جاذبية عن غيره من القطاعات للتنافس من أجل الالتحاق به لاسيما مع ضعف الأجور الذى يعانيه القطاع الخاص حاليا والمشكلات بين العاملين وأرباب العمل. وقال إن هناك دراسات كشفت أن الأزمة المالية العالمية لم تكن بالشدة والأثر الكبير على الاقتصاد المصرى، ولذلك فقد استطاع الاقتصاد أن يستوعب الآثار السلبية الناجمة عنها بشكل ملحوظ، حيث بلغ معدل النمو الاقتصادى لمتوسط العامين (2008 / 2009 و2009 / 2010) ما نسبته 5%، كما أن العجز فى الموازنة العامة وصل إلى 8% فى العام المالى 2009 – 2010، مرتفعا عن العام السابق عليه 2008 / 2009 حينما سجل 6.9 %، إلا أنه أقل من المتوقع حينذاك وهو 8.4%.. مشيرا ان معظم الآراء أكدت أن الحكومة المصرية آنذاك لم يكن لديها سياسة توظيف طويلة الأجل تمكن الاقتصاد من مواجهة الآثار السلبية لأى أزمات مالية أخرى تحدث فى المستقبل وتؤكد هذه الدراسات أن الاقتصاد المصرى تعرض لأزمتين، الأزمة المالية العالمية سبقتها أزمة مالية مختلفة الطبيعة والأثر، وهى أزمة ارتفاع الأسعار العالمية للمنتجات الغذائية والنفط.