أثارت فضيحة تهديد القضاة والنشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان في كولومبيا أصداء واسعة، لاسيما بعد الكشف عن ملابسات محاكمة الرئيس الكولومبي السابق "الفارو أوريبى" في يونيو2010 أمام لجنة تحقيق في بوجوتا لتحديد مسؤوليته في فضيحة التنصت المعروفة باسم "بداس جيت"...تلك الفضيحة التي تكشفت تفاصيلها في مطلع العام 2009 عندما سربت المجلة الأسبوعية "سمانا" وثائق رسمية عن عمليات التنصت التي قامت بها وكالة الاستخبارات الكولومبية خلال السنوات الست السابقة للفضيحة تحت إمرة الرئيس السابق "أوريبي". وقد طالت عمليات التنصت هذه نشطاء حقوقيين ومعارضين سياسيين وقضاة في المحكمة العليا وموظفين في الأممالمتحدة وأفرادا آخرين شككوا في سياسة الحكومة أو عارضوها، وتتالت التسريبات خلال هذه السنة وبدا لاحقا أن وكالة الاستخبارات الكولومبية قد تجاوزت المراقبة غير الشرعية إلى أساليب الدولة البوليسية بما فيها توجيه تهديدات بالقتل والتخريب وتشويه السمعة و الترهيب. وعلى الرغم من أن الخطاب الرسمي حول حقوق الإنسان في عهد الرئيس سانتوس بعيد كل البعد عن خطاب الرئيس السابق أوريبى الذي يربط بين المدافعين عن حقوق الإنسان والمعارضين السياسيين وبين الإرهابيين, إلا أن الوضع الأمني للمدافعين عن حقوق الإنسان لا يزال صعبا, كما تتواصل عمليات القتل والتنكيل والتهديد والمراقبة غير القانونية بحقهم. خلال العام 2011 وحده تم اغتيال 20 مدافعا عن حقوق الإنسان فيما ناهز عدد الذين تعرضوا لتهديدات بالقتل 100. وفي حين تلقى مساعي إدارة الرئيس سانتوس للحوار مع جماعات حقوق الإنسان ترحيبا واسعا إلا أن البلاد بحاجة إلى نقلة نوعية تؤدي إلى تطبيق إجراءات حماية الحقوقيين وضمان وصول التحقيقات إلى نتائج قبل أن تتمكن كولومبيا من الحديث عن ضمان حقوق الإنسان من خلال حماية المدافعين عنها. يذكر أن الوضع الأمني بكولومبيا أدى إلى وضع آليات جديدة لمكافحة تهديد القضاة والمدافعين عن حقوق الإنسان والمحامين وعائلاتهم، لاسيما في ظل وجود جماعات شبه عسكرية يمينية مثل جماعة تسمي نفسها "الصقور السود" التي هددت مؤخرا "بإبادة" عدداً من المدافعين عن حقوق الإنسان ومن منظمات السكان المحليين كما أعدت قائمة سوداء للصحفيين اعتبرتهم أهدافا عسكرية، وكذلك جماعة "قوات الدفاع الذاتي الكولومبية" وهي أكبر الجماعات شبه العسكرية في البلد. وتستهدف هذه التهديدات المجتمعات المحلية والمدنية والقضاء ووسائل الإعلام التي تنتقد الدولة والجماعات شبه العسكرية التي تفضح انتهاكات حقوق الإنسان التي تقوم بها الدولة، ويتمثل عادة هدف المجموعات شبه العسكرية في طرد الأهالي بالقوة لتتمكن من استغلال أراضيهم ومواردهم. أدت الملابسات السابقة إلى الحوار التفاعلي الذي أجراه مجلس حقوق الإنسان الأممي في الدورة الرابعة والعشرون، والذي اتخذ العديد من التوصيات الجاري تنفيذها في كولومبيا حالياً، والتي كان أهمها فيما يتعلق بالقضاء والمدافعين عن حقوق الإنسان، حيث نظرت كولومبيا في التوصيات الواردة أدناه وأعلنت تأييدها لها. وقدمت آراءها بشأن هذه التوصيات: البند 116-3- أن تمضي كولومبيا في وضع برنامج إنذار مبكر في إطار عمل مكتب أمين المظالم بغية تفادي وقوع مختلف انتهاكات حقوق الإنسان، وهي التوصية التي طرحتها صربيا. 116-4- أن تستمر في جهودها الرامية إلى تعزيز قدرتها المؤسسية وإطارها التشريعي لمكافحة جرائم العنف والحفاظ على القانون والنظام بغية تمتع سكانها بحقوق الإنسان (سنغافورة). 116-19- أن تعزز المؤسسات المختصة من أجل اتخاذ تدابير أكثر فعالية على الصعيد الوطني والإقليمي والمحلي لضمان حماية الأشخاص المشمولين بإجراءات إعادة الأراضي، ولا سيما المطالبين بها ومحاميهم والمسؤولين المعنيين والمدافعين عن حقوق الإنسان (سويسرا). 116-20- أن تحسن إجراءات حماية أصحاب المطالبات، ولا سيما مكان المناطق الريفية منهم، بغية تعزيز عملية إعادة الأراضي (أستراليا)؛ 116-21- أن تتخذ كل التدابير الضرورية لتعزيز فعالية برنامج الحماية، بما في ذلك من خلال إجراء دراسات سريعة لتقييم الأخطار وتنفيذ المخططات المتفق عليها ووضع معايير واضحة لتحديد الأخطار واعتماد تدابير للحماية الجماعية وإدماج أفراد الأسرة في المخطط (أيرلندا). 116-73- أن تكفل الحماية الملائمة للمدافعين عن حقوق الإنسان الذين ينشطون في كولومبيا وأن تقرّ بذلك بشرعية نشاطهم، بما في ذلك إجراء تحقيقات ومحاكمات كاملة ونزيهة في كل ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة ضدهم (سلوفاكيا)؛ 116-75- أن تُضاعف جهودها للتحقيق مع الأشخاص المسؤولين عن تهديد المدافعين عن حقوق الإنسان والنقابيين وزعماء المجتمعات المحلية والصحفيين أو المسؤولين عن أعمال العنف التي تستهدف هذه الفئات ومحاكمتهم (المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية). 116-76- التحقيق على وجه السرعة في الحالات المتعلقة بتهديد المدافعين عن حقوق الإنسان والضعفاء والنقابيين والمستفيدين المحتملين من قانون تعويض الضحايا وابتزازهم والاعتداء عليهم ومقاضاة المسؤولين عن هذه الأفعال (الولاياتالمتحدةالأمريكية). كانت تلك بعض التوصيات الخاصة بمجال القضاء في كولومبيا..تلك الدولة التي تتفاقم فيها معدلات الجريمة وتجارة المخدرات وتتحكم فيها عصابات المافيا، حيث يفلت الكثير من المجرمين من العقاب. أشهر تلك الحوادث هي الحكم الذي صدر في 28 أبريل ضد الجنرال المتقاعد خيساس أرماندو أرياس كبراليس بالسجن مدة 35 عاماً بسبب دوره في الاختفاء القسري لأحد عشر شخصاً في نوفمبر 1985 في أعقاب قيام الجيش بدهم قصر العدل، حيث كان أفراد جماعة حرب العصابات M-19 يحتجزون بعض الرهائن. وقد أصدرت الحكومة والقيادة العليا للجيش بيانات انتقدت فيها الحكم الذي صدر بحق الجنرال المتقاعد كبراليس، والحكم الذي صدر بحق العقيد المتقاعد لويس ألفونسو بلازاس فيجا بالسجن لمدة 30 عاماً في القضية نفسها. وفي ديسمبر بُرأت ساحة الجنرال المتقاعد إيفان راميريز كوينتيرو، الذي اتُهم بارتكاب إحدى عمليات الاختفاء القسري. واستمرت ظاهرة الإفلات من العقاب في الأغلبية العظمى من الحالات، وتفاقمت بسبب التهديدات التي تلقاها الشهود والمحامون والمدعون العامون والقضاة، وعمليات القتل التي تعرضوا لها. كما أُطلق المجرمون النار على القاضي الذي ترأس المحكمة في القضية المرفوعة ضد ضابط في الجيش اتُهم باغتصاب فتاة، وكذلك اغتصاب أخرى وقتلها وقتل شقيقيها، فأُردي قتيلاً في سارافينا بمحافظة أروكا. وتلقت منظمة غير حكومية تقدم المساعدة لعائلات الضحايا تهديدات بالقتل بواسطة الهاتف عقب حادثة القتل مباشرة، وكذلك الأمر مع عائلة الأشقاء الثلاثة. والمعروف أن القاضي في كولومبيا يخضع لبرنامج حماية خاص من قبل السلطات في القضايا الخطيرة، حيث تشمله الحماية في مختلف مراحل القضايا حتى النطق بالحكم، إلا أن تلك البرامج لازالت حتى الآن غير فعالة في مواجهة عصابات المافيا وتجار المخدرات.