على مدار أكثر من ستين عاماً وحكوماتنا فاشلة وغير قادرة على حل مشكلاتنا الحياتية، صحيح أن مصر واجهت طوال تلك الفترة مشكلات سياسية وعسكرية تتمثل في الفساد والحروب وغيرهما إلا أنه من القائل إن الدول جميعاً لا تواجه مثل هذه المشكلات والتحديات وأن الحياة تسير بوجه وردي دائماً، ولكن الدول عن طريق حكومات رشيدة أو بمعنى أصح حكومات واقعية تستطيع أن تواجه مثل تلك المشكلات وتعمل على الحد من تأثيرها السلبي وإلا لما اعتبرت حكومات قوية ومتميزة فالتحديات هي التي تبرز الفارق بين الحكومات الحقيقية القوية والورقية الضعيفة. نحن بحاجة الى حكومة تقوم على التكنوقراط بشكل حقيقي، والتكنوقراط هنا ليسوا هؤلاء الدكاترة الذين يعملون في الجامعات، فهؤلاء أكاديميون يعملون داخل أسوار الجامعات والمكتبات لا علاقة لهم بمجال العمل الواقعي في الوزارات والإدراك الكلي أو حتى الشبه الكلي لمشاكل كل وزارة وخطط وواقع العمل اليومي والخطط التي تم وضعها في السابق ولم تلاقي نجاحاً والوقوف على أسباب ذلك لتلافيها في المستقبل بالاضافة الى العلم بالمشاكل التي تعانيها مشروعات قومية هنا وهناك أو الاحتياجات التنموية لهذه المحافظة أو المدينة او القرية، وهو ما يتطلب وجود عاملين في الوزارة متابعين ومدركين لهذه الأوضاع منذ بداياتها وما نشأ بسببها. وليسوا مجرد أساتذة في الجامعات لا يصلح أغلبهم حتى كمستشارين، فالمستشار لابد أن يكون وثيق الصلة بما سيستشار فيه وواقف على أبعاد الأمور، الدكتور هو رجل أو امرأة تعب في رسالة دكتوراه حقيقية (أو هكذا هو المفترض بعيداً عن المزورين ومشتري الشهادات وراغبي الشهرة) ويظل تعبه وجهده هذا في إطار العمل الأكاديمي حتى لو داخله بعض من العمل والبحث الواقعي، إلا أن هذه الرسالة أو تلك حتى التي يشرف عليها ترتبط بقضية معينة وليست كل القضايا ولفترة زمنية معينة وليست مستمرة ودائمة، فيما يظل أصحاب الخبرة الواقعية والمستمرة والممارسون والمهنيون الحقيقيون لصيقو الارتباط بخطط العمل اليومي هم الأقدر على متابعة وتنفيذ ووضع خطط العمل اليومي. من ناحية أخرى وضرورية فإنه من الواجب على الوزراء المختارين على أساس مهني بحت لا أكاديمي الاضطلاع على الدراسات الواقعية وليست مجرد الأكاديمية التي تم إجراؤها هنا وهناك عبر مراكز البحوث التابعة للجامعات والتابعة كذلك للوزارات لتحديد جانب من الأهداف العامة وسبل التنفيذ والعلاج وتوفير النفقات العامة، لما في ذلك من تأثير على حجم نشاطهم وكيفيته وبالتالي التأثير على عملية التقييم المهنى لهؤلاء الوزراء. لابد من تغيير العقلية التي تحكمنا في مجال العمل العام والحكم على الكفاءات لكي نتجاوز عالم الفشل والتدهور الذي نعاني منه منذ سنين أو حتى قرون طوال، فهذه العقلية الحالية الحاكمة لنا لم تنتج مجتمعاً متطوراً ومتقدماً وإنما أنتجت مجتمعاً لا زال حتى يومنا هذا يتحدث عن مشكلات رغيف الخبز ومياه الشرب وأنابيب البوتجاز ولم تستطع حكومات الدكاترة على مدار عشرات السنين أن تجد لها حلاً، لابد أن نفصل بين ما هو أكاديمي ينتمي الى الجامعة وبين ما هو ممارس مهني يحتك ويتعرض لمشكلات عمله على مدار يومي ويقف على المسببات والظروف ويكتسب الخبرات في مجال العلاج كجزء من عملية التقييم المهني وفقاً لأبجديات علم الادارة العامة، بالعلم والفكر المنهجي الواقعي فمن المعروف علمياً وواقعياً أنه إن أثبت منهج ما أنه فاشل ولا يحقق إنجازات أو اختراقات في مجال النمو والتنمية وحل المشكلات فإنه لابد من تغييره بعيداً عن الخيالات والتنفيذ الأعمى والتقليدي للأجندات والمناهج السابقة التي سار عليها الأولون الذين أيضاً لم يستطيعوا النهوض بمصر، فلنغير طريقة حياتنا وطريقة تفكيرنا لنستطيع أن نبني مصرنا الجديدة.