بدأت وزارة التموين تطبيق تسعيرة استرشادية للبائعين والمشترين للسلع الغذائية وفي مقدمتها الخضر والفاكهة, وحسب كلام الوزيراللواء محمد ابو شادي إذا فشلت التسعيرة الاسترشادية سوف تطبق التسعيرة الجبرية. وهنا يبرز سؤال: ماذا لو فشلت التسعيرة في تثبيت وخفض الأسعار؟ بداية أتمني أن تنجح أي محاولة لخفض الاسعار, ولكن أليس لدي الحكومة ووزارة التموين وسائل بديلة لتحقيق ذلك؟ أتصور أن مجرد إعلان كلمة التسعيرة, تعود بنا إلي عصر الاتحاد الاشتراكي, والفرمانات العليا التي يغلب عليها الطابع المركزي, والتي تصدر في عهود الديكتاتورية, أغلب دول العالم لديها نفس المشكلة, وضعت الآليات والوسائل التي تهيئ منافسة حرة شريفة في إطار العرض والطلب, دون احتكار فئة معينة لسلع معينة, هذه الدول ليس لديها ما لدينا, وأقصد «جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية», هذا الجهاز أنشئ عام 1990 مع بدء الانتقال الفعلي إلي اقتصاديات السوق الحر, هذا الجهاز له اسم طويل وعريض يزيد عن 6 كلمات, أطول اسم في الجهات والمصالح الحكومية, ولعل من اختار الاسم, كان من بين أقطاب الاتحاد الاشتراكي سابقا, واقتدي بالعقيد القذافي حين اختار اسما طويلا لبلده, يزيد عن 6 كلمات. أسال وزير التموين: ماذا قدم هذا الجهاز منذ انشائه, وكم تبلغ ميزانيته, لا سيما ان الجهاز له مبني كبير ومجلس إدارة وموظفون ويعقد اجتماعات وندوات وسفريات وبدلات وغيرها من أوجه إنفاق من دم المصريين الغلابة. ووفقا لمعلوماتي فإن الحكومات السابقة قد عدلت قانون ولائحة الجهاز اكثر من 5 مرات علي مدار 23 سنة, ورغم ذلك مازال الجهاز جثة هامدة, ولا يسمع عنه أحد. لم تصلح معه الترقيعات والاصلاحات. كما يثور استفسار عن دور مباحث التموين, سابقا وحاليا ومستقبلا, ونسأل اللواء محمد أبوشادي وزير التموين الحالي ومساعد وزير الداخلية لمباحث التموين سابقا, ما دور مباحث التموين في ضبط الأسواق والاسعار وأين الخطة المشتركة بين جهاز حماية المنافسة والمباحث, وهل يوجد تنسيق أصلا بينهما من عدمه, السوق مليء بالسلع المغشوشة والتي تباع بثمن أغلي من السلع الأصلية. أرجو أن يتكرم الوزير ويرد. وفي السلع الغذائية والخضر والفاكهة ليس بعيدا أن نجد البائع يرفع شارة التسعيرة علي البضاعة السيئة و«المضروبة» وعندما يأتي إليه الزبون, يصطحبه الي مكان سري حيث البضاعة الجيدة بعيدا عن الأضواء, ويبيع له بالسعر الذي يرغب فيه التاجر ولا يرتضيه المشتري ولكنه مرغم علي الشراء لعدم وجود بديل أو منافس. إذن المشكلة ربما لا تحل بل قد تزداد تعقيدا, طالما فشلنا في خلق أجواء منافسة حقيقية, وسمحنا لآليات العرض والطلب ان تعمل في جو صحي وآمن, ولكن المشهد السئ عندنا في مصر ليس له مثيل في دول العالم, حتي الدول التي ليس بها وزارة للتموين, فيها أجواء منافسة صحية, ليس بها رشاوي أو محسوبيات, أو باعة غير مرخص لهم, ليس بها الفهلوة واللعب ب3 ورقات, والسكوت من قبل موظفي الدولة علي الحال «المايل» مقابل مصالح ومنافع ورشاوي, وطالما وجدت هذه المصالح الخاصة, فلا تحدثني عن تسعيرة ولا يحزنون. وأكاد أن أجزم أن تسعيرة الوزير الاسترشادية وغير الاسترشادية لن تفلح وستفتح الباب من جديد أمام المخالفات وسوف تعود من جديد السوق السوداء للخضر والفاكهة وباقي أنواع السلع, تري اسعار متدنية للسوق الرسمية وبضاعة غير صالحة, وفي المقابل تجد سويقات منتشرة في مداخل العمارات وبير السلم والأزقة والحواري وغيرها. للمرة المليون أتمني نجاح تسعيرة الوزير, وكل ملاحظاتي السابقة تأتي من الحرص علي عدم العودة الي الوراء ونترك تجارب مئات الدول التي ليس بها مؤسسات ووزارات وأجهزة مثل ما عندنا, ورغم ذلك لديها تجارة بلا احتكار, لديها تجار يحترمون هيبة الدولة, لديها قوانين تحترم وتفعل, لديها تاجر ناصح, بائع تجزئة أنصح منه, ومشتر انصح من الاثنين, لديها تعاملات تقوم علي هامش ربح معتدل تربي عليه التاجر والمزارع والصانع, وليست تعاملات تقوم علي الهبر واستغلال الفرص, وتخزين السلع, أو حرق الأسعار, أو البضائع المغشوشة. اللهم أطعمنا حلالا.