الطابور الخامس، صار مصطلحاً يثير جدلاً في الأوساط السياسية، كما يثير مخاوف البعض من الملاحقة، أو تصفية الحسابات.. وهي مخاوف لم تغادر الأنظمة السابقة، وثار حولها جدل تارة باتهامات بالعمالة والاتصال بالخارج، وتارة بالانتساب لأجندات محددة.. ومنذ يناير 2011، استغل هذا المصطلح، بعبارات التخوين والاتهام بالتمويل، إما بدليل أو غير دليل، بحيث يكون عصا في وجه من يعترض علي السلطة، وامتدت المخاوف والتلاعب بهذا المصطلح حتي ما بعد ثورة 30 يونية، ما بين أتباع وأنصار الإخوان، وفصائل تلوح باتهامات لأعضاء من الجماعة، وأحياناً الحزب الوطنى، بانتمائهم للطابور الخامس، وبالتالي تعالت الأصوات بضرورة الكشف عن أعضاء هذا الطابور، للحفاظ على مكتسبات الإرادة الشعبية، وضمان مستقبل الوطن من الاختراق، أو إعاقة مسيرة النهوض السياسى والاقتصادى والأمنى. فى الآونة الأخيرة تعالت الأصوات المطالبة بالقضاء علي الطابور الخامس، الذي يعمل ضد الثورة، وتزايدت الاتهامات بالعمالة ضد كل من يعلن رفضه لأي ممارسات رسمية، وأصبحت تهمة العمالة والانتماء للطابور الخامس سلاحاً موجهاً لأي شخص مخالف للآخر في الرأى، بل إن الأمر زاد علي ذلك، وأصبحت التهمة شائعة في المجتمع كله، فالمؤيدون للثورة يتهمون الآخر بالعمالة، في الوقت نفسه يوجه معارضوها نفس الاتهام للمؤيدين، حتي أولئك الذين يحاولون تبني مواقف وسطية أصبحوا متهمين بنفس التهمة، لذلك زادت المخاوف من أن تصبح هذه التهمة باباً خلفياً للقضاء على الحريات وتكميم الأفواه. والطابور الخامس هو مصطلح معروف في أدبيات العلوم السياسية والاجتماعية، وترجع نشأته للحرب الأهلية التي نشبت في إسبانيا عام 1936، واستمرت لثلاث سنوات، وأول من استخدم هذا المصطلح هو الجنرال «إميليو مولا» أحد قادة القوات الوطنية الزاحفة علي مدريد، والتي كانت تتكون من أربعة طوابير من الثوار، فأطلق مولا مصطلحه علي المواطنين الموالين لجيش الجنرال فرانكو الذي كان يعمل ضد الحكومة الإسبانية ذات الميول الماركسية اليسارية، وبعدها أصبح هذا المصطلح معروفاً في جميع النظم، خاصة بعد أن استخدم بشكل واسع في الحرب الباردة بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمالى، وكان يطلق علي الجواسيس في كلا المعسكرين. وفي مصر زادت الاتهامات بالعمالة والانتماء لهذا الطابور بعد ثورة 25 يناير، واتسعت الاتهامات أكثر بعد ثورة 30 يونية، حتي ظهرت صفحات علي الفيس بوك لحظر الطابور الخامس، بعضها موال للثورة، وأخري موالية للإخوان، ويتبادل فيها الجميع الاتهامات بالعمالة والطابور الخامس، ورغم أن الدكتور رفعت سيد أحمد، المفكر السياسي ومدير مركز يافا للدراسات السياسية، يري أنه دائماً هناك طابور خامس في كل دولة من العملاء النائمين الموالين للنظام السابق، خاصة في ظل الثورات وتغيير أنظمة الحكم، إلا أنه يجب عدم التوسع في إلقاء هذه التهمة جزافاً علي كل من يختلف معنا في الرأي أو الموقف السياسي، فهذا خطأ كبير تقع فيه معظم الثورات يؤدى إلي فقدان «البوصلة الوطنية»، ويجعل الدولة تفقد اتزانها، وبالتالى يجب علي الجميع تحري الدقة أولاً قبل إلقاء التهم جزافاً علي الآخرين، لأن هذا يؤدي إلي تهديد الأمن القومى وقيم السلم الاجتماعي، لذلك فقبل توجيه هذه التهمة علي أي إنسان لابد من إجراء تحقيق عادل وتطبيق دولة القانون، لأن هذا هو الضمانة الوحيدة لنا ولأعدائنا، كما أن التحقيقات ستكشف حقاً المنتمين للطابور الخامس من الأبرياء. فيما يشير الدكتور وفيق الغيطانى، المنسق العام لحزب الوفد، إلى أن إلقاء التهم دون دليل واضح ودون شفافية سيدخل البلاد في أزمة حقيقية، وأضاف أن هذا لا ينفى وجود طابور خامس حقيقي من التابعين لجماعة الإخوان المسلمين أو الموالين لها، وطابور تابع للحزب الوطنى، وآخر من أصحاب الأجندات الأجنبية الذين تمولهم الجمعيات الأمريكية، وجميعهم يعملون لإفساد المناخ السياسي في مصر، لذلك لا بد من تحديد كل هؤلاء وكشفهم أمام الرأى العام، خاصة أن معظم هؤلاء معروفون في مواقعهم، لذلك يجب أن يتم كشفهم، والتحقيق معهم بموجب الأدلة الموجودة ضدهم، وتقديمهم لمحاكمات عادلة بتهمة الخيانة، ويجب أن يتم هذا قبل انتخابات مجلس الشعب، حيث يحاولون استغلال ظروف البلاد، والاستيلاء علي مقاعد مجلس الشعب حتي يتمكنوا من السيطرة علي الدولة مرة أخرى، لذلك يجب علي الدولة التعامل مع هؤلاء، وكشفهم أمام الرأي العام، ومحاكمة الفاسدين والمفسدين منهم، خاصة أولئك العاملين في أجهزة الدولة المعنية بأمن الوطن والمواطنين مثل جهاز الشرطة، وأضاف أن من حق كل إنسان ممارسة حريته في ضوء القانون، والوقوف بكل قوة في وجه من يحاولون تدمير الوطن، لذلك لابد من تطبيق الشرعية الثورية علي هؤلاء، والتخلص من المنتمين للطابور الخامس سواء بإحالتهم للمعاش أو تقديم المتورطين منهم في أي أعمال فساد أو إضرار بالوطن إلى المحاكمات الفورية. ورغم تأكيدات السياسيين بوجود الطابور الخامس فعلاً في مجتمعنا إلا أن الدكتور محمد ماهر قابيل، المفكر السياسي وأستاذ العلوم السياسية، يرفض التوسع في إلقاء هذه التهمة جزافاً علي أي إنسان أو منظمة، لأن تهمة الانتماء للطابور الخامس هي اتهام بالخيانة والعمالة، وهذه التهمة لا يجوز توجيهها لأي إنسان إلا بناء علي حكم قضائى، أما مجرد الخلاف في وجهات النظر فلا يبرر الاتهام بالخيانة، وأوضح الدكتور قابيل أن هذه التهمة انتشرت في مصر والدول العربية، خاصة بعد ثورات الربيع العربي، والتي تعرضت لعملية احتيال وسرقة أبعدتها عن تحقيق أهدافها، لذلك يجب تحري الدقة في استخدام مثل هذه المصطلحات حتي لا تكون مقدمة لتمزيق المجتمع، وتحويله إلي فئات متناحرة قد ينتهي بها الأمر إلي الدخول فى سيناريو العنف الذي قد يصل إلي اقتتال أو حرب أهلية. «ومصر في مرحلة تستدعى الشك في كل من يعمل في الحقل السياسي» هكذا بدأ وحيد الأقصرى، رئيس حزب مصر الاشتراكى العربى، حديثه مؤكداً أن هناك دلائل تؤكد حتمية هذا الشك، وليس أدل علي ذلك من لقاء الدكتور محمد البرادعى مؤخراً بعناصر من الإخوان في إحدى الدول الأجنبية، والاتفاقات التي تتم لتجهيز بعض العناصر التي تسمي بالنخبة لخلق حالة من عدم الاستقرار، وتنفيذ مخططات الجماعة. وأضاف أنه رغم كل هذا فنحن لا نريد أن نلقى الاتهامات دون تردد، ولكن إن كانت الاتهامات نابعة من قرائن وأدلة ووقائع فمن حق الشعب المصري أن يعرفها، خاصة أن تنظيم الإخوان يحاول أن يبحث له عن مكان في المشهد السياسى، ولو من خلال آخرين، كذلك هناك من يعملون لتنفيذ المخططات الأمريكية ويجب ألا ننخدع في خطاب «أوباما» الأخير الذي أعلن فيه أن حكم الإخوان كان فاشلاً، فجميعنا يعلم أن الإدارة الأمريكية لن ترضي عن تنفيذ مخططها في إخضاع مصر بديلاً، لأن قيام مصر ونهضتها تمثل خطورة علي الكيان الصهيونى والمصالح الأمريكية في المنطقة، لذلك فالشك مطلوب للكشف عن كل هؤلاء الذين يدعون الوطنية، ويعملون لأغراض أخرى. وأكد أنه إذا ثبتت الاتهامات ضد أي شخصية مهما كانت، فلابد من تقديمها لمحاكمة عاجلة، أما الآخرون الذين لا توجد ضدهم دلائل كافية فيجب أن يتم كشفهم أمام الرأي العام الذي بدوره يحكم عليهم بالعزل أو الاستمرار في الحياة السياسية.