في أعقاب الثورة تصاعدت حدة تبادل الاتهامات وأصبحت تلك الصيغة هي الغالبة علي التعاملات بين الناس ما بين قائل: انت ثورة مضادة.. وانت من فلول النظام السابق.. واتهامات بالتحريض علي القتل.. اتهامات بالافساد السياسي. ورغم أن الاتهامات والتخوين ضد مبادئ الثورة لكنها أصبحت النغمة السائدة فهل هذا ردة إلي محاكم التفتيش؟ التي لا تجعل أحدا ينجو من شظايا تبادل الاتهامات بل وتتوقف عند حدودها ولا تنطلق خطوة واحدة إلي الأمام أو إلي مجتمع خال من التخوين؟ فقد انهمك كثيرون في تبادل الاتهامات علي خلفية انتماءاتهم السياسية والفكرية, مما جعل مصر في مفترق الطرق, فهل هي محاولات من البعض للقفز علي مكاسب الثورة والاستئثار بها؟ أم هي محاولة لتصفية الحسابات بعد الثورة؟ أم محاولة لتضليل الرأي العام؟ أيا كانت الاجابة فالأكيد أن هذا جعل الشك يدخل قلوب الجميع وأضاع الحقيقة. ويأتي في هذا الصدد مطالبات بعودة قانون الغدر بمعاقبة من أفسدوا الحياة السياسية قبل الثورة, وهو ما واجه حالة من الانقسام بين رأي يدعو لتفعيل القانون لاحداث تطهير حقيقي يحافظ علي الثورة, وآخر يري القانون بمثابة ممارسة قمعية وعودة للوراء عشرات الخطوات. ومن أبرز الاتهامات التي ظهرت علي الساحة مؤخرا اتهام مرتضي منصور لأيمن نور, مؤسس حزب الغد, بأنه يقف وراء البلاغ المقدم ضده بشأن موقعة الجمل, كما اتهم البرادعي وأيمن نور بمحاولة اغتياله في ميدان التحرير. كما تقدمت جانجاه شقيقة سعاد حسني ببلاغ ضد وزير الإعلام السابق تتهمه بتورطه في مقتل سعاد حسني لفتح التحقيق فأصبح مكتب النائب العام يتلقي ألافا من البلاغات, ووصل مسلسل الاتهامات بين الإعلاميين فاتهم الإعلامي وائل الإبراشي الإعلامي تامر أمين بانه كان منافقا للسلطة وخيانة الثورة, كما كان أخر الاتهامات التي وجهها الرئيس السابق حسني مبارك بمسئولية المشير طنطاوي عن قرار انقطاع الاتصالات مما اعتبره البعض تصفية حسابات. يقول الدكتور عبدالحميد زيد استاذ علم الاجتماع السياسي أنه رغم ما يحدث من تبادل وتصاعد لحدة الاتهامات إلا أن الجميع اتفق علي التغيير بمختلف أطيافه, وهناك رغبة جامحة للتغيير بعد سقوط رأس النظام, ومن الطبيعي أن يتساقط معها الكثير من الحقائق ويتم الكشف عن الفساد بعد كبت عانينا منه طوال السنوات الماضية, ولكن مع الرغبة في احداث التغيير بشكل سريع يحدث التصادم وتغيب الحقيقة, لذلك يجب أن يكون التغيير بشكل تدريجي حتي يحدث التوافق الشعبي المطلوب علي الأهداف الرئيسية حتي نستعيد الثقة التي افتقدناها. ويضيف أن تطبيق قانون الغدر إذا تم تطبيقه بالمضمون القديم لن يأتي بثماره وسيكون اكبر خطأ سياسي لأن المحددات التاريخية تغيرت واصبح الهدف مختلفا تماما, لذلك فالمطلوب هو ان تتم معاقبة المخطئ أمام القضاء الطبيعي في حالة الادانة حتي يتبين تورطه في الأفساد السياسي من عدمه وفي حالة اقرار القضاء له يتم تطبيق قانون الغدر باقصائه سياسيا. وتلقي الدكتورة ثريا البدوي استاذة الإعلام بجامعة القاهرة بالمسئولية علي الاعلام في تصعيد حدة الاتهامات وتناميها, موضحة أن السياسات الإعلامية لم تتغير بعد الثورة وأصبحت هناك انتماءات محددة لكل قناة وهو ما يجعلها غير محايدة في تناولها الإعلامي ويجعل البعض يعتمد علي الاثارة واستثمار هذه الاتهامات لصالحها. وتؤكد أن الإعلام يجب أن يتميز بالحيادية ويعرض وجهتي النظر, خاصة مع تزايد موجة الاتهامات وأن تعتمد البرامج علي المواجهة بين الأشخاص وأن تكون الاتهامات بشكل مباشر, مما يتيح للطرف المتهم الرد ويدافع عن نفسه وعرضها علي الجمهور وترك الحكم له في النهاية. وتشير الدكتور عزة كريم استاذة علم الاجتماع بمركز البحوث الاجتماعية والجنائية أن الثورة تعني اختلافا جذريا بين ما هو جديد لذلك فهذا الصراع امر طبيعي بعد الثورة وبعد فساد استمر لمدة ثلاثين عاما وما هو قديم وثورة في القوانين والدستور والتشريعات, وهذا الوضع الجديد لابد أن يولد هذه القلقلة مثل تبادل الاتهامات وتصاعد حدتها ولكن مع استقرار الأوضاع عادة ما ستهدأ الأمور, موضحة أن بعض رموز النظام السابق تحاول ان تعمل علي اثارة القلقلة حتي تضيع الحقيقة, كما يحدث تكالب علي مكاسب الثورة وهو ما أدي إلي القاء التهم علي الآخرين وجعل صيغة التخوين هي السائدة.