القاضية الجليلة تهاني الجبالي والشاب الثوري محمود بدر ورفاقه من الناصريين، رغم فارق السن بين الاثنين. وأنا معجب بهم ولكني لست معجبا بعبد الناصر وآمل أن يلعبوا دورا ثوريا في حياتنا السياسية. الملايين للآن مفتونون بناصر في مصر وبلاد عربية وأفريقية ولكنها شهادة لا تعني شيئا، فالوطن كان في عهده- عكس المنشور عنه وقتها- كان في أسوأ حال!. وكما ظلت البشرية لملايين السنين تظن أن الشمس تدور حول الأرض! جرب اليوم، وبعد 18 سنة لحكم ناصر فالسادات ومبارك، أن تقول لكثرة من الذين يفكون الخط، إن الأرض هي التي تدور، فقد يكفرونك. وهو ما يفسر كيف حكمنا الملوك والساسة والضباط في الوطن العربي ومازالوا! كلنا. قرأنا عن زعامة الأسد وابنه والملك حسين وقواد اليمن وصدام والقذافي الذي رأي فيه ناصر شبابه بحسب هيكل وفي حياة الزعيم. تفنن الملك فاروق في إسقاط حزب الوفد الفائز في أية انتخابات نزيهة. ولكن ناصر كان أوعي، فألغي الأحزاب كلها!. وحل البرلمان ومجلس الشيوخ واضطر إلي أن يوقف العمل بالدستور لأن به برلماناً وشيوخاً، وهو ألغي الاثنين! ولأنه بلا قاعدة شعبية فقد تحالف مع الإخوان الذين حلهم العهد السابق عليه!. وشغل وقت فراغه بعمل دستور مؤقت ثم دستور جديد علي مقاسه ثم دستور علشان خاطر دولة الوحدة ثم دستور بعد انتهاء الوحدة. جاءنا بالهزيمة فتظاهر بالتنحي وعين لنا زكريا، لأن الناس لا يعرفون غيره، وقبل وفاته بعام طرد من لا يعجبه من القضاة وهو ما عرف بمذبحة القضاء! فهل لو عاش أكثر كان سيسمح بالأحزاب فلا يرشح نفسه في استفتاءات؟، وينزل في انتخابات ولو بالتزوير كما فعل طيلة حكمه وقلده السادات ومبارك؟ باستثناء مرسي!!. أم أن الجبالى وبدر ورفاقه معجبون بأنه احتكر الأحزاب وحده؟! أسس بنفسه ولنفسه 3 تنظيمات متتابعة. هيئة التحرير والاتحاد القومي ثم الاتحاد الاشتراكي، فكان أول من اخترع المذهب التجريبي وطبقه علي شعبه!. وكان الناس يدخلون في أحزابه أفواجا!.( يتم حشرهم في أتوبيسات مع وجبة وربع جنيه علي طريقة الإخوان الذي عاشرهم) وطبعا العمال طليعة الشعب، يعملون بمصانع الشعب ويرأسها ضباطه)!. قد نغفر الديكتاتورية عندما يكون البكباشي ناصر من عباقرة المفكرين. وهكذا تعلم فينا فاهتدي بعد 12 سنة من الحكم إلي شيء، اسمه الاشتراكية وراح يطبقها فورا، تاركا الاشتراكيين بالسجن! (فالاشتراكية أفضل بدونهم) ثم أفرج عنهم بتوسط من خرشوف وبشرط يحلون حزبهم كتابة.( لأنه لا يحل الأحزاب)! وراح يعطيهم لعدة شهور دروسا في الاشتراكية!. الرائع أن القاضية الجليلة والشباب يطالبون بالحرية والديمقراطية.ولا يجدون تناقضا مع أفعاله. أشهر إنجازاته عدة هزائم تلت بعضها. أسفرت عن قتل وإصابة الآلاف مدنيين وعسكريين. منها أنه بعث جيشنا لليمن، وهم حتى اليوم لا ينسون... إلا قتلانا الذين ذبحوا بالسيوف والذين أعطيناهم كثيرا من غطاء الذهب عندنا. وطبعا يغفر لناصر أنه حشد الجيش في سيناء دفاعا عن سوريا الشقيقة رغم انفصالها عنا ورغم أنه لم تكن لديه خطة للحرب فقد حاربتنا إسرائيل لأننا أغلقنا مرورها في الخليج فجأة.لكن يغفر لناصر أنه لم يصدمنا بعدد قتلانا وجرحانا وخسائرنا المادية، حقا قد يكذب في عدد الذين انتخبوه أو بعض خسائرنا لكنه لم يكذب في عدد القتلى والمصابين أبداً. فقط لم يكن يصرح به!.ولست ضد أن يحكمنا رجل جيش. فهم كالدكاترة والأساتذة والمحامين والقضاة، لكن ليس مقبولا أن يعمل رئيس الجمهورية طبيبا و مفكرا في نفس الوقت وليست المشكلة أنه كان ضابطا، فأكبر قائد في تاريخنا القريب كان ضابطا. وهو محمد علي والحديث عما قدمه لمصر يتطلب مجلدات، ورغم أنه لم يكن مصريا أو ديمقراطيا أو متعلما، بل أمي لكنه قفز بمصر إلي مكانة عظيمة وكاد يغزو تركيا. كان ملك الأردن يحلم بعرش الخلافة الإسلامية وينافسه الملك فاروق، وهو السبب الوحيد لحرب 48. أما ناصر فطمع أن يوحد البلاد العربية تحت حكمة ( أي خلافة عربية بدلا من الإسلامية) وكان ذلك في العام السادس من حكمة. والحقيقة أنه أضاع السودان من مصر وجمع أربع دول هي مصر وسوريا والأردن والضفة الغربية فمات وتركها تحت الاحتلال الإسرائيلي. أي قدوة نأخذها منه؟. إذا سألتني من أرشحه لحكم مصر فعندي أمل في شخص واحد هو الفريق أول السيسي . وهو نفس اختيار المصريين. فالعقود الستة لم تفرز لنا غيره.