المبادرات الرامية لشرح وجهة النظر المصرية للجمهور الغربي كثيرة هذه الأيام والجهود التي بذلها ويبذلها بهذا الصدد قادة الرأي من أمثال الدكتور محمد أبو الغار والمستشارة تهاني الجبالي والأستاذ محمد سلماوي هي دليل حيوية الهيئات والمنظمات غير الحكومية وقد يكون مؤشرا لدور تلعبه في المرحلة المقبلة من التطور الديمقراطي في بلادنا. وبالمثل فالجهود التي يبذلها المصريون المقيمون في الخارج، كسفراء دائمين لشعبنا في العواصمالغربية هي جهود تستحق كل تقدير. وقد تلقيت رسالة من الزميل العزيز مهدي النمر الذي يعمل بالصحافة في العاصمة الإيطالية روما منذ عشرات السنين وهو الآن نائب رئيس جمعية الصحفيين الأجانب في إيطاليا يقترح فيها اتخاذ خطوات محددة في مواجهة الخطاب الإعلامي غير الموضوعي إزاء النضال المصري ضد الإرهاب الأصولي. قال الصديق مهدي النمر: «المأمول أن توجه نقابة الصحفيين المصريين إلى مثيلتها الإيطالية -وهما يرتبطان بعلاقات خاصة لتفرد وضعهما– رسالة احتجاج قوية إزاء التغطية غير المهنية مبيتة النية إزاء ثورة الشعب المصري غير المسبوقة يوم 30 يونية والتعتيم والاصطفاف المثير للدهشة والريبة معا بشأن الجانب الأبرز من المشهد المصري» وأضاف «لابد من التشديد على السقوط المخجل لصورة الإعلام والمهنية للصحفيين الإيطاليين وتراجع مصداقيتهم» وبالنهاية فقد اقترح مهدي النمر «تأسيس مرصد إعلامي يوثق الحملة المغرضة التي يتورط بها الإعلام الإيطالي والغربي». وقبل أن أعلق على ما جاء في رسالة الزميل والصديق أحب أن أوضح إشارته إلى الوضع المتفرد الذي يربط، أو يمكن أن يربط، بين نقابتي الصحفيين في مصر وإيطاليا، ويتلخص ذلك الوضع في أن النقابة في مصر –ومثيلتها في إيطاليا- هي نقابة syndicate وليست اتحادا association والنقابة معنية ليس فقط بالدفاع عن حقوق أعضائها إزاء مالكي الصحف بل وأيضا بترقية وضعهم وتحسين أدائهم وربط المهنة بمصالح المجتمع، ويعود ذلك إلى الموروث الاشتراكي القوي الذي يفسره كاتب هذه السطور بقوة الشعور بأهمية الدور المركزي للدولة الوطنية في مصر وبقوة الشعور بالخطر الذي يتهدد الدولة الوطنية في إيطاليا. وأنا أضيف إلى ما يقترحه الزميل مهدي النمر، فيما يتصل بإعلام أوروبا الغربية، ضرورة التركيز على الصحفيين الأوروبيين المبدعين من أمثال الصحفية الإيطالية لوتشانا بورساتي مؤلفة كتاب «ما بعد ميدان التحرير» الذي يقوم على مقابلات وتحقيقات أجرتها في مصر وكذلك الصحفي والروائي الفرنسي – المصري روبير سوليه مؤلف الثلاثية الشهيرة «سانافور إسكندرية» والذي صدر له مؤخرا كتاب بالغ الأهمية هو «السادات: سيرة لا غنى عنها لمن يريد أن يفهم مصر اليوم». وقد بثت وكالة أنباء أنسا الإيطالية تقريرا عن هذا الكتاب يوم الثلاثاء السابع والعشرين من الشهر الجاري جاء فيه أن روبير سوليه يعتبر أن النظام الذي سقط في 2011 هو نظام السادات – مبارك، وهو الرأي الذي سبق لي أن عبرت عنه مرارا على هذه الصفحة، كما يرى أن هناك الكثير من الغموض يحيط بما يجري في مصر «من عزل مرسي إلى التدخل العسكري والعنف ضد المسيحيين» ويعتبر أن الأمر بحاجة لتوضيح. ويضيف سوليه: أنه لا يفهم لماذا تطلب كريمة الرئيس جمال عبد الناصر من القائد العام للقوات المسلحة عبد الفتاح السيسي أن يرشح نفسه للرئاسة. هذا الكاتب نفسه يقول، في حواره مع وكالة أنسا: إنه «من الصعب، على الأقل من منظور غربي، فهم الاستخدام المفرط للقوة من جانب العسكريين ضد مؤيدي الرئيس المخلوع محمد مرسي والتأييد الأعمى وغير المشروط الذي تقدمه لهم البلاد». وقد يكون هذا الكلام صادما لكني أرى منطقة وسطى يمكن الوصول إليها لنقل وجهة النظر المصرية لكاتب مثل هذا الكاتب المهم الذي يقر بتأييد شعبي غير مشروط لقواتنا المسلحة وإن حملها الكاتب ما لا ذنب لها فيه. وقبل أن أنتهي من هذا المقال علمت أن ثلاثة من الصحفيين المصريين في روما هم مهدي النمر ورفعت النجار وعبد الحليم إسماعيل وزعوا على أعضاء البرلمان الإيطالي بيانا نشرته وكالة أنسا يحتج على التغطية الإعلامية غير المنصفة للوضع في مصر من جانب اجهزة الإعلام الإيطالية. لكن المشجع أن مهدي النمر أوضح لي أن رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الإيطالي فابريتسيو تشيكيتو قال إنه من الضروري الاعتراف بأن الجيش المصري لم يتدخل إلا بعد تظاهرات حاشدة من جماهير ليبرالية ويسارية استفزها فشل إدارة محمد مرسي ومحاولتها السيطرة على مفاصل الدولة. سألته: هل يعني ذلك أن الخطاب في إيطاليا بدأ يميل للموضوعية؟ قال: هناك تحول ما لكن لا تنس أن وزيرة الخارجية تنتمي للحزب الراديكالي المتأثر بالصهيونية ويكفي تعبيرا عن موقفها منا أنها قالت عنا، كمصريين وكعرب: هؤلاء الناس لا يعرفون الاعتدال. المنتصر يأخذ كل شىء. قلت لنفسي: ما فعله مرسي وجماعته برهان على صحة ما تقول ويبقى أن نثبت نحن لأنفسنا أولا ولها وللغرب ثانيا أنها مخطئة، عندما نقيم على أنقاض الشمولية الإخوانية المسلحة تعددية مدنية ديمقراطية. ولتكن الخطوة الأولى أن نعتمد خطابا راقيا فيما بيننا على الأقل لكي لا نضيع الجهد الذي يبذله المخلصون من أبناء مصر وبناتها في كل العواصم، فالعالم يصغي لنا وكل كلمة نقولها تترجم إلى كل لغات الأرض.