«زراعة أسيوط» تنظم محاضرة مجانية حول «النشر الدولي- كتابة ردود إحترافية على تقارير المحرر والمحكمين»    هل تنخفض الأسعار الأسبوع المقبل؟.. عضو «منتجي الدواجن» يجيب    أسعار الذهب في مصر اليوم الأحد 26 مايو 2024    توريد 200 ألف و257 طن قمح في كفر الشيخ    الجزار يتابع سير العمل بالمشروعات .. وموقف الخدمات المقدمة للسكان بأسيوط الجديدة    فتح باب التقديم لطلبات توفيق أوضاع مشروعات الاقتصاد غير الرسمي    صعود جماعي لمؤشرات البورصة في بداية تعاملات اليوم الأحد    بينها وقود .. 141 شاحنة مساعدات تتدفق من معبر رفح إلى معبر كرم أبو سالم للدخول إلى غزة    141 شاحنة مساعدات تتدفق من معبر رفح إلى معبر كرم أبو سالم للدخول إلى غزة    وزير الخارجية يتوجه إلى بروكسل للمشاركة في اجتماع مجلس الشئون الخارجية للاتحاد الأوروبي    الإسماعيلي يتحدى البنك الأهلي طمعًا في استعادة الانتصارات بالدوري المصري    بوكيا: كنت أستحق ركلة جزاء أمام الأهلي.. والترجي كان الأفضل وخسر    "واجب وطني".. ميدو يطالب الأهلي بترك الشناوي للزمالك بعد التتويج الأفريقي    مواعيد مباريات الأحد 26 مايو 2024.. ثلاث مواجهات بالدوري والأهلي في إفريقيا للسلة    الأرصاد: طقس شديد الحرارة الأحد والإثنين على أغلب الأنحاء    هدوء تام في ثاني أيام امتحانات الدبلومات الفنية بمطروح    مصرع طفلة سقطت بها مصعد عقار بمنطقة الطالبية    النشرة المرورية.. خريطة الكثافات والطرق البديلة بالقاهرة والجيزة    وزير الصحة يبحث مع نظيره العراقي سبل التعاون في تصدير وتسجيل الأدوية    دراسة: الغربان يمكنها التخطيط لعدد نواعقها مسبقا    إشادة حقوقية بدور الدعوة والأئمة بالأوقاف المصرية لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب تشيد بجهود وزارة الأوقاف المصرية    سها جندي: نرحب بتلقي مختلف المشاريع الاستثمارية للمصريين بالخارج    أوكرانيا: ارتفاع عدد قتلى الروس إلى 501 ألف و190 جنديا    إسرائيل تطرح مقترح اتفاق جديدًا بشأن تبادل الأسرى    مجلس الشيوخ يفتح اليوم ملفى حفظ أموال الوقف وإحلال وتجديد المساجد    طلاب الدبلومات الفنية يستكملون اليوم اختبارات نهاية العام الدراسي    شاومينج ينشر أسئلة وإجابات امتحانات الدبلومات الفنية على تليجرام.. والتعليم تحقق    "في صحبة محمود سعيد"، معرض بالزمالك يحتفي بذكرى رحيله الستين    أول موسيقى مصرى يشارك بعملين فى دورة واحدة من مهرجان كان: أحمد الصاوى: موسيقيون عالميون بحثوا عنى فى المهرجان لتحيتى على موسيقى الفيلمين    أنا وقلمى.. «تكوين» بين الجدل.. والرفض الشعبى    خريطة دينية للارتقاء بحياة المواطن أساسها المودة والرحمة تفصيل للحقوق المشتركة بين الزوجين "3"    النسوية الإسلامية اجتهاد المرأة: مفهوم الإلحاد.. فى القرآن! "95"    وزير الري يتابع خطة عمل صيانة وإحلال المنشآت المائية    رابط الاستعلام عن نتيجة صفوف النقل الترم الثانى بالجيزة ..تعرف عليه    أطول إجازة للموظفين.. تفاصيل إجازة عيد الأضحى المبارك    وزير الرياضة: جمهور الأهلي والزمالك هم الأبطال.. واعتذر عن شكل التنظيم بالنهائي    موعد عيد الأضحى ووقفة عرفات 2024.. ومواعيد الإجازات الرسمية لشهر يونيو    مع اقتراب نهاية السنة المالية.. تعرف على مدة الإجازة السنوية وشروط الحصول عليها للموظفين    أدعية الصفا والمروة.. «البحوث الإسلامية» يوضح ماذا يمكن أن يقول الحاج؟    هل سيتم تحريك أسعار الأدوية الفترة المقبلة؟.. هيئة الدواء توضح    القائمة الكاملة لجوائز الدورة 77 من مهرجان كان    حظك اليوم الأحد 26 مايو لمواليد برج الأسد    للقارة كبير واحد.. تركى آل الشيخ يحتفل بفوز الأهلى ببطولة أفريقيا    موعد مباراة المصري وفيوتشر والقنوات الناقلة    زاهي حواس: إقامة الأفراح في الأهرامات "إهانة"    الرئيس التونسى يقيل وزير الداخلية ضمن تعديل وزارى محدود    مصرع 20 شخصا إثر حريق هائل اندلع فى منطقة ألعاب بالهند    آخر تحديث لسعر الدولار مقابل الجنيه والعملات العربية والأجنبية قبل بداية تعاملات الأحد 26 مايو 2024    مصرع شخص وإصابة 9 آخرين في حادث سيارة ربع نقل بالمنيا    حظك اليوم الأحد 26 مايو لمواليد برج الجدي    قصواء الخلالى: الرئيس السيسى أنصفنا بتوجيهاته للوزراء بالحديث المباشر للمواطن    باريس سان جيرمان بطلا لكأس فرنسا على حساب ليون ويتوج بالثنائية    صحة كفر الشيخ تواصل فعاليات القافلة الطبية المجانية بقرية العلامية    اليوم.. افتتاح دورة تدريبية لأعضاء لجان الفتوى بالأقصر وقنا وأسوان    قطع المياه اليوم لمدة 6 ساعات عن بعض المناطق بالأقصر.. تعرف عليها    "ساكتين ليه".. الرئيس يوجه رسالة غضب ل 3 وزراء (فيديو)    10 عادات صحية تمنع ارتفاع ضغط الدم    بوركينا فاسو تمدد فترة المجلس العسكري الانتقالي خمس سنوات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المصرى الفرنسى روبير سوليه: شباب الثوار انتزعوا الاعتراف بهم من المجتمع الأبوى الضاغط
نشر في الشروق الجديد يوم 10 - 06 - 2011

فى العاصمة الفرنسية، مدينة الجن والملائكة، حيث تنتشر المكتبات فى الأحياء المختلفة، وتمتلئ الأرفف بالكتب لدى بائعى الجرائد، وخاصة فى محطات المترو الرئيسية أو محطات القطار التى تنقل الراكب بين شمال وجنوب باريس، ويكون الكتاب هو الرفيق التقليدى لكل راكب من بين ثلاثة ركاب. كانت كتب الثورات العربية تحتل واجهات المكتبات، وبخاصة الثورة المصرية، كما لو كان الولع الفرنسى بعلم المصريات وبالحضارة الفرعونية قد صاحبه ولعا جديدا بلغز الثورة المصرية التى زلزلت العالم وأعادت أنظار العالم نحو بلاد الأهرامات قبل أن تقع فى طى النسيان. احتلت واجهات العرض صور الرئيس السابق على غلاف كتيب أو سلسلة تصدرها جريدة لوموند الفرنسية اتخذت هذه المرة عنوانا لها «الربيع العربى» وهى مجموعة من المقالات والتحليلات السياسية قامت بها الجريدة ورصدت فيها تباشير التغيير فى غير بلد عربى. وبالقرب منها كان كتاب «مصر التحرير» الذى أصدرته دار لوسوى العريقة للكاتبين الصحفيين المختصين فى الشئون العربية كلود جيبال (مراسلة صحيفة ليبراسيون فى القاهرة) وتانجى سالون (مراسل الفيجارو فى القاهرة) وهما اللذان يقيمان فى مصر منذ 14 عاما ويعرفان مقدار ما أتت به ثورة 25 يناير، حيث يخلص الثنائى فى كتابهما إلى أن «عقدة الفرعون قد اختفت فجأة، بعد سبعة آلاف سنة من الخضوع للسلطة، ها هى للمرة الأولى ثورة شعبية حقيقية». ولم تبعد صورة الحاكم الفرعون عن المخيلة الفرنسية، حيث لحق بهذين الكتابين كتاب ثالث يحمل توقيع الكاتب الفرنسى المصرى المولد روبير سوليه والذى سماه «الفرعون مقلوبا» راصدا ومقتفيا كما العنوان الفرعى آثار «ثمانية عشر يوما غيرت مصر». حيث يقدم صاحب «قاموس محبى مصر» كتابه الجديد قائلا: «من 25 يناير وحتى 11 فبراير 2011، شهدت مصر أول ثورة شعبية فى تاريخها الطويل. وخلال ثمانية عشر يوما نجح المتظاهرون، معظمهم من الشباب، فى طرد المعادل العصرى للفرعون.
يروى سوليه بدقة الصحفى وحساسية الروائى جريان الأحداث وأسبابها العميقة، كيف مهدت مصر بعد تونس للربيع العربى، وهو الذى ولد فى القاهرة وسافر إلى فرنسا فى عمر الثامنة عشرة وقضى أربعين عاما صحفيا بجريدة لوموند الفرنسية وكان رئيس تحريرها قبل أن يتفرغ تماما للكتابة منذ مارس 2011. ويبرز وفاء الكاتب لنوع الاستقصاء الصحفى، أو بصورة أدق لفكرة «الشهادات» بداية من الغلاف نفسه الذى يحمل صورة سيدة مصرية فى عقد الثلاثينيات، ترتدى غطاء الرأس الإسلامى مثل الغالبية العظمى من المصريات، رافعة ذراعا تجمله شارة العلم المصرى، تبدو كما لو كانت تهتف بشعارات الثورة الغاضبة وتحمل عيناها نظرة هى مزيج من الهلع والحنق والغضب، ولا يغيب عنها طيف من الأمل. أما مصور هذه اللقطة الفريدة، فهو الصحفى كريس هندروس الذى التقطها فى ميدان التحرير آخر شهر يناير قبل أن يلقى حتفه فى مدينة مصراتة الليبية بعدها بثلاثة أشهر، كما يعلق روبير سوليه فى ملف الصور الفوتوغرافية المختارة الذى يضمه الكتاب فى لمسة وفاء لصحفيين محاربين أدوا دورهم وأصيب منهم العديدين ورحل بعضهم.
تجاوز الحنين بكتابة الشهادة الحية
عاد روبير سوليه بعد الثورة، وهو الذى غادر قبل أيام من اندلاعها، وكان قد جمع كل الشهادات التى تناقلتها وكالات الأنباء وصحف مثل لوفيجارو ولوموند والجارديان والنيويورك تايمز والاندبندنت، وجاء إلى القاهرة ليحاور أبطال وصانعى الحدث بداية من شباب المتظاهرين، والمدونين منهم، إلى كتاب انخرطوا فى أحداثها مثل علاء الأسوانى وخالد الخميسى وعبدالرحمن يوسف. ولم ينس سوليه أن يبرز التضليل الاعلامى المصرى الذى صاحب تغطية أحداث الثورة، مشيرا إلى التباين الحاد بين توجهات كل صحيفة. فوصف «الشروق» بالجريدة المعارضة واقتبس العديد من عناوينها مثل تغطيتها يوم 3 فبراير صبيحة معركة الجمل التى شنها أنصار وفلول النظام البائد بالجمال والخيول والجحوش ضد المتظاهرين العزل حيث تصدر المانشيت 3 شهداء و1500 جريح فى مجزرة بميدان التحرير، فى الوقت الذى تناولت الصحف الرسمية الحديث عن حرب أهلية أو عن الملايين الذين تضامنوا مع مبارك، وتناول آخرون فكرة «المؤامرة» التى نظمتها عناصر خارجية ضد مصر، كما ذكر سوليه فى كتابه.
وفضلا عن المعلومات والشهادات التى يزخر بها الكتاب، فإن ما يميز هذه الشهادة حول وقائع ال18 يوما التى غيرت وجه مصر وما يضمن نجاحها أيضا بين قطاعات عريضة من القراء هو التحول من الكتابة عن زمن الحنين إلى الكتابة الحية من قلب الأحداث. فقد عرف جمهور سوليه المولعون بالحضارة المصرية والممسوسون بكاتبهم الأثير رواياته المدوية مثل «الطربوش» و«سيمافور الاسكندرية» و«المملوكة» والتى تنتمى جميعها للرواية التاريخية، وتشوبها دائما مشاعر الحنين لزمن ولى، زمن التسامح والتعدد وقبول الآخر وغيرها من أفكار النوستالجيا التى تغلب على الكتّاب الذين هاجروا من مصر. وعلى مدى خمس وعشرين عاما كانت مصر فيها موضوع رواياته والمقالات والكتب التاريخية التى شغلته، حيث أعاد اكتشاف مصر عن بعد وهو فى منفاه الاختيارى فى باريس كما يقول فى إحدى أحاديثه الصحفية وصارت مصر بالنسبة إليه موضوعا للبحث. وكتابة الحدث متداخلة مع التوضيح التاريخى والتحليل الاجتماعى المبسط لمن عرف وخابر المجتمع المصرى عن قرب وانشغل دائما بالبعد التاريخى للأحداث.
تسيّد إرادة الشباب
اختار سوليه الأسلوب البسيط كما لو كان يريد أن تنتشر حكاية الثورة المصرية للجميع للقارئ الأجنبى البعيد والقارئ الذى يعرف صورا ضبابية عن تاريخ مصر، فيزيده بالمعلومات على طول السرد، فقد تحول ميدان التحرير إلى «أسطورة». قد يعرف البعض هذه المعلومة عن ميدان الاسماعيلية السابق ربما بشكل عابر، لكن روبير سوليه لا يغفل شيئا فى روايته للأحداث. يشرح كيف تم تقسيم الميدان بحواجز حديدية لمنع التجمعات الكبيرة من قبل المواطنين. فيكتب: «طالما جذب هذا الميدان الجماهير: فى 1919 حينما نزلت القاهرة فى مظاهرات للمطالبة باستقلال البلاد، وفى 1967 لمطالبة ناصر بالعدول عن تنحيه، وبعدها بثلاث سنوات، لمصاحبة جثمانه حتى مثواه الأخير، وفى فبراير 1975، للبكاء على أم كلثوم، وفى 1977 أثناء انتفاضة الخبز، وفى 2003 للاحتجاج على غزو العراق. لم يكن سهلا على قوات الأمن أن تغلق الطرق المؤدية إلى ميدان التحرير أو المساحات الممتدة من قلب الميدان».
كما جاءت عناوين فصول الكتاب القصيرة سلسة وذات طابع قصصى، فقبل نهاية الكتاب، قبل أن يقدم أجندة تشمل يوميات الثورة ال18، يأتى فصل عنوانه «رابحون وخاسرون».
يحدد سوليه الخاسرين أنهم فضلا عن عائلة مبارك التى جمدت ثرواتها، فإن أكبر الخاسرين فى هذه الأحداث هم الوزراء ورجال الأعمال الذين احتجزوا على ذمة القضايا. فقد تمت التضحية أولا بالمقربين بجمال ثم برموز النظام. ويتساءل سوليه «ولكن أين تتوقف عملية الطرد الأولية للفاسدين؟ وأين نضع حدود المؤشر؟ فى بلد لا يبرم فيها عقد مهم إلا بالرشوة، مما قد يضع العديدين فى موقف لا يحسدون عليه». «فمع تبديل الموقف المشهدى الذى يتم مثل تبديل السترة، لا يكفى التغنى بحسنات الثورة للتملص من مشروع التطهير»، كما يؤكد سوليه.
أما الرابحون الأوائل لثورة 25 يناير، فهم كما يصفهم صاحب «حياة رمسيس الثانى الخالدة» هؤلاء الذين أطلقوها ونجحوا فى حشد الملايين من المصريين، ومعظمهم من الشباب الذين ينتمون إلى الطبقة الوسطى الصغيرة المتعلمة، لا يميلون إلى فكر أيديولوجى محدد، لكنهم عطاشى للحرية وثائرون ضد القمع البوليسى. ويضيف إليهم بلا منازع الشهداء الذين منعوا باستشهادهم إمكانية العبث بالثورة أو التعامل معها كنزق شبابى، حيث وصل عددهم كما يرجعه سوليه إلى مصدر طبى ذكره له علاء الأسوانى، إلى 832 شهيدا ومن 3 آلاف إلى أربعة آلاف جريح فقد ثلثهم إحدى عينيهم.
ويشيد سوليه بإرادة الشباب وكتابتهم أولى أحرف التاريخ الجديد، فيقول «الشباب الثوريون لم يقتلوا فقط الأب، لكنهم دفعوا المجتمع الأبوى أن يأخذهم مأخذ الجد. فقد صار الشباب قوة سياسية يجب من الآن فصاعدا أخذها فى الاعتبار». ويشير إلى تفصيلة بسيطة ومهمة، فقد صار اليوم الجميع له علاقة ما بالشبكة العنكبوتية، إلى درجة أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة أصبح ينشر بياناته على صفحة الفيس بوك، وكذلك الحال بالنسبة للحكومة والنائب العام.
المعادلة الصعبة عبر صفحات هذا الكتاب أن روبير سوليه يقص علينا ما عايشناه وتابعه غيرنا عبر الشاشات الفضائية «غير المنحازة»، لكننا نستعذب سماعه واجتراره دائما وأبدا، على لسان حكّاء مصرى عرف كيف يخطف قلوب قراء فرنسيين نهمين للمعرفة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.