منذ مئات السنين كانت شوارع بغداد والقاهرة والكوفة ودمشق مضاءة بالنور، وكانت مكتباتها تشع علما، وكانت لدى المسلمين أرقى المستشفيات، وأبهى الحدائق، وأنظف الحمامات، وأهم المدارس والجامعات. وكان لديهم أمهر الأطباء وأحسن العلماء وأبرع اللغويين والمخترعين, ولا نبالغ إن قلنا كان العالم الإسلامي يصدر للعالم العِلم والتطور والنور، فقد تمكن المسلمون من بناء «الحضارة الإسلامية» بجدارة وباعتراف الأعداء قبل الأصدقاء، وكانت لهذه الحضارة الفضل الكبير في نهوض الحضارة الغربية الحديثة، خاصة بعد فتح الأندلس. لكن هذا المجد ما لبث أن انهار وبات نور الحضارة الإسلامية لا يُشْرِق، وانطفأت أنوارها وغابت أدوارها، وضعفت عزيمتها ووهن قرارها... لماذا؟ حملنا القضية للأستاذ الدكتور حامد طاهر أستاذ الفلسفة الاسلامية ونائب رئيس جامعة القاهرة السابق , فكان هذا الحوار: ما هى أسباب عدم تقدم المسلمين؟ - من المؤكد أن هناك أسبابا رئيسية , لكن قبل أن نبينها, لابد أن نطل إطلالة سريعة على واقع المسلمين الحالى, لأنه يعتبر الأرضية التى يمكن البناء عليها ومعرفة الأحوال منها, والتنبؤ بالمستقبل على قدر الطاقة البشرية. أولا: يصل عدد المسلمين حالياً الى أكثر من مليار نسمة متناثرة فى كل قارات العالم لكنهم متركزون أساساً فى آسيا وأفريقيا, وبنسب قليلة فى أوربا وأمريكا واستراليا, والملاحظ أن هذا العدد الهائل فى تزايد مستمر, ليس فقط من خلال المواليد, وانما أيضا بالدخول فى الاسلام.. ثانيا: أن مجموع الدول الاسلامية عموماً ينتسب الى مصطلح الدول النامية, التى من أهم خصائصها تدنى متوسط دخل الفرد, وضعف استخدام التكنولوجيا الحديثة. ثالثا: عدم وجود تنسيق بين هذه الدول الاسلامية, بل على العكس يوجد غالباً تنافر وخصومة, فلا يكاد يوجد بلدان إسلاميان إلا وبينهما صراع على الحدود, أيضا لا يوجد هناك تواصل حقيقى يؤدى إلى تكامل فى العناصر الطبيعية والانتاجية والبشرية. رابعا: يلاحظ على العالم الاسلامى كله ضعف الانتاجية وتدنى مستوى الادارة وافتقاد الإبداع – أى عدم وجود أفكار جديدة للتقدم والنهضة تؤمن بها الشعوب. بعد أن عرفنا واقع المسلمين .. ما أسباب عدم تقدمهم خلال 200 عام؟ - تنحصر هذه الاسباب فى أربعة عوامل هى: أولا: غياب الفهم المتكامل والصحيح للاسلام , فالاسلام يقوم على أربع دعائم رئيسية هى : العقيدة, والشعائر الأربعة, ثم الأخلاق - معاملة الانسان لكل من حوله - وأخيراً التشريع وهو مجموعة الاحكام الخاصة بحياة الفرد والمجتمع, والمشكلة الحقيقية أن المسلم المعاصر لا يكاد يدرك هذه الدعائم الأربع (مجتمعة)، وإنما الملاحظ أنه يركز على واحدة أو أكثر ويهمل الاخريات مما يجعل فهم الاسلام منقوصا, الاسلام الذى جاء للارتقاء بمستوى معيشة البشر, ولم يدع أبداً إلى الجهل أو الأمية أو التوكل أو التواكل أو الفهلوة أو البلطجة أو عدم الاتقان فى العمل واهدار قيمة الوقت.. ثانياً: عدم القدرة على التعايش مع الحضارة الحديثة – وأصر على كلمة تعايش – وليس اندماجاً أو ذوباناً, فالتعايش يعني الاطلاع الواعي والفهم الصحيح والمعرفة المباشرة لاستخلاص ما يفيد المجتمعات الاسلامية من عناصر تقدم الاجنبية, مع التمسك بعناصر أصالتها التاريخية والاجتماعية. ثالثا: عدم النجاح حتي الآن في تجاوز حاجز العلم والتكنولوجيا، وهذا راجع - كما هو واضح- إلى اعتماد التعليم في البلاد الاسلامية علي الكم وليس الكيف.. فنحن لدينا جامعات كثيرة والاعداد في كل منها بمئات الآلاف وهذا لا ينتج تعليما جيدا ولا يعرف معرفة حقيقية بالمنهج العلمي والنظريات العلمية وتطبيقاتها التكنولوجية في الواقع,ويكفي ان اقول هنا – بكل الأسي والأسف - أنه لا يوجد بلد اسلامي واحد حتي الوقت الحاضر قدم للإنسانية منتجاً واحداً مساهمة منه في التقدم العالمي, فنحن مستهلكون للتكنولوجيا ولسنا منتجين لها. رابعا: وهذا السبب قد يدهش له القارئ لأنه مرتبط بدافع سيكولوجي ويتمثل في مكابرة في عدم الاعتراف بالتخلف، الأمر الذي يؤدي بالضرورة الي الإحجام عن التعلم من الاخرين علي عكس شعوب جنوب وشرق آسيا التي تعلمت من التجارب السابقة. لقد رسمت صورة قاتمة عن وضع المسلمين, ولكنها تحتوي علي كثير من الحقيقة, فما هو الحل الذي يدفع المسلمين الآن إلى الخروج من هذه الحالة, إلى التقدم والنهضة, المنشودين؟ - الإجابة بسيطة جدا,وهي تتمثل في ضرورة التخلص من هذه الاسباب السابقة,ويكون ذلك بما يلي: أولاً: ضرورة فهم المسلمين لرسالة الاسلام العالمية وصلاحيته لكل زمان ومكان. ويترتب علي ذلك اهمية التمييز بين الثوابت في الشريعة الاسلامية والمتغيرات,وعدم التزمت بالتمسك بالشكليات,وفتح باب الاجتهاد الذي حث عليه النبي صلي الله عليه وسلم. ثانياً: إقرار المسلمين بضرورة التعايش مع الاديان والثقافات الأخري, وذلك بامتلاك الحقيقة المطلقة وعدم إضاعة الوقت في الرد علي فكرتين وافدتين من الغرب (صراع الحضارات) (حوار الاديان), فأنا أعتقد انه لا فائدة منهما علي الاطلاق, وان الحوار مهما بلغ من الموضوعية لن يقنع احد الطرفين بالتخلي عما يعتقده ويؤمن به, لذلك فمن الأفضل الإقرار بالتعايش كما وصانا المولي عز وجل في كتابه العزيز (لكم دينكم ولي دين). ثالثاً: إقرار المسلمين انفسهم بتعدد ثقافات شعوبهم وتنوعها دون السعي الي فرض نمط واحد موحد عليها ,فلكل شعب مسلم عاداته وتقاليده وأعرافه التي ينبغي ان تحترمها الشعوب الاسلامية الاخري وقد كان هذا معمولاً به في الحضارة الإسلامية خلال ازدهارها السابق, يقول المفكر الفرنس بول فاري (ينبغي أن نغتنى باختلافاتنا)، وهذا معناه ألا تكون الاختلافات مثار صراع وعداء. رابعاً: الأخذ بوسائل التقدم العلمى والتكنولوجى من أجل تحسين مستوى المعيشة للفرد المسلم, ويكفى أن أشير هنا إلى أننا فى مصر ما زلنا نعيش على 6% من مساحة أرضها الشاسعة, وهناك السودان الشقيق تمتلك مساحات هائلة من الأراضى الخصبة القابلة للزراعة لم تستغل حتى الآن، ولا تجد من يزرعها سواء من السودان أو من أى بلد عربى مسلم.