انتظار الموت، الاستعداد للنهاية، الرغبة فى التعرف على العالم الآخر، واستشراف الغامض والمجهول هو محور رواية فيليب روث الجميلة «كل رجل» إن «روث» واحد من الأدباء الامريكيين المعاصرين والذى ولد عام 1933 وحصل على عدة جوائز عالمية أبرزها «البوليترز» و«فوكنر» وجائزة الكتاب الأمريكيين ويعد أحد أهم خمسة أدباء فى تاريخ الأدب الأمريكى. ومن أبرز رواياته «الحيوان المحتضر»، «الراعى الامريكى» و«الخديعة». يبدأ المشهد فى المقابر حيث يتم دفن شخص مسن بحضور زوجتيه السابقة والأخيرة وابنته وابنه وشقيقه وعدد من أقاربه الذين يعرضون كلمات الرثاء والوداع، ليعرض لنا تلك الحياة التى عاشها الفقيد منذ كان طفلا إلى أن فارقت روحه جسده. يهودى من أصل ألمانى نشأ فى امريكا الأربعينيات فى أسرة متوسطة يحدوه الأمل فى الثراء، ظل معتلا كثيرا فى صغره وهو ما أشعره بغيرة تجاه شقيقه المعافى. أحب الرسم وتفنن فيه. كان يعانى من ضيق فى التنفس وأجرى جراحتين ظل بعدها بصحة غير جيدة، عمل فى شركة اعلانات كبرى وجنى أموالا كثيرة وأحب وتزوج ثم تركته زوجته بعد أن خانها كثيرا وهو ما يتكرر مع زوجته الثانية. إن زوجته تسأله لماذا يخونها؟ فلا يجد مبررا. تقول له: «لا أستطيع أن أثق فى ان تكون صادقا مرة أخرى. نعم أنت جرحتنى من قبل مع السكرتيرة، لكننى أغلقت فمى. فأنت لم تعرف حتى أننى قد عرفت. هل عرفت؟: يترك زوجته ليذهب إلى عشيقته فيجدها غير جديرة بحياة جديدة ويحيا فى فوضى إلى أن يتزوج الثالثة بعد أن تلحقه أمارات الشيوخ. ويعرض الروائى بإبداع تفاصيل الجراحات الدقيقة التى أجريت له فى القلب والصدر خلال فترات متتالية فى حياته، يفتش عن الراحة والسعادة ولا يجدها رغم ابنة حانية تبثها المودة التى لم يقدمها لها صغيرة، بخلاف ابن يجافيه ويعتقده أبا غير جدير بحياة الأسرة. ينتظر فى شيخوخته فراغا بعد فراغ. يودع الأصدقاء والزملاء عندما يقرأ نعيهم فى الصحف، ويفتقد الرضا والسلام الروحى. يذهب إلى المقابر ليزور والديه فيرى حفار القبور ويتحدث إليه بعد وصف دقيق لعملية الحفر التى يقوم بها ويسأله: «كيف تحفره؟» فيرد الحفار أن معظم الناس لا يفضلون معرفة ذلك. يجيب الرجل: أنا أريد أن أعرف. يشرح له الحفار الذى يعمل فى تلك المهنة منذ 34 عاما ويحكى له عن ساكنى القبور الذين عرفهم قبل موتهم. يشير إلى أحدهم ويقول: هذا الرجل قاتل فى الحرب العالمية الثانية. أسير حرب فى اليابان. ياله من شخص جميل رائع عرفته عندما كان معتادا أن يأتى ليزور زوجته. كان دائما رجلا مهذبا يسعى إليك بود. وهذا قبر صبى صغير قتل فى حادث تصادم، يأتى عليه أصدقاؤه ويضعون سنارة صيد على قبره. كان يحب صيد السمك. يطلب الزائر من حفار القبور رؤية قبر والديه، فيزيح الرجل التراب عن لوحتهما ويشكره ويذهب فى شوق لهما. «بعد أيام يذهب لإجراء جراحة فى الشريان السباتى الأيمن. يطلب التخدير الكلى. إن الكلمات التى قالتها العظام جعلته يشعر بالفرح وعدم القابلية للفناء، فلن يوجد شىء يستطع أن يخمد حيوية الصبى الذى ركب طوربيده الجسدى الصغير النحيل ذات مرة أمواج الأطلنطى. لقد غاص إلى شعور بعيد عن السقوط. أى شىء لكنه ملعون يتوق الآن مرة أخرى أن يتحقق إلا أنه لم يستيقظ أبدا. سكتة قلبية. هو لم يعد موجودا بعد الآن. تحرر من الكينونة، يدخل إلى مكان لا يعرفه مثلما خاف من البداية».