قبيل إعلان اسم الأديب الفائز بجائزة نوبل للعام 2010 كانت الكاتبة سهير المصادفة من أشد المتحمسات كي يفوز الكاتب الأمريكي فيليب روث بالجائزة، وقد رأته الأحق بهذه الجائزة ، حتي إذا ذهبت نوبل في الأدب لعام 2010 إلي ماريو بارجاس يوسا. ولم يكد يمر بضعة أشهر إلا وفاز روث بجائزة «مان بودكر» الدولية لتكون الجائزة رقم 35 في حياته التي امتدت منذ عام 1933، وحتي الآن ربما كي يدخل الكاتب في دائرة ما يسمي بلعنة النوبليين والمقصود بها هؤلاء الأشخاص الموهوبون الذين يرشحون دوما للحصول علي جائزة نوبل دون أن يحصلوا عليها بالفعل ومنهم الراحل جرهام جرين، وخورخه لويس بورخيس، ومن الأحياء ميلان كونديرا، وإسماعيل قدري. 35 جائزة بهذه الجائزة الخامسة والثلاثين في حياة الكاتب يمكن أن نقول ان فيليب روث هو سلة من الجوائز الأدبية والتكريمات منها خمسة عشرة جائزة حصل عليها منذ مطلع القرن العشرين وحتي الآن أي أكثر من جائزة وربع من الجوائز العالمية مثل جائزة أحسن كتاب أجنبي في فرنسا عام 2000 عن رواية «الراعي الأمريكي» وجائزة باسم الكاتب ويليام فوكنر عام 2001 عن رواية «الشيطان الإنساني» وحصوله أيضا علي الميدالية الذهبية في الإبداع التي منحت له من قبل الأكاديمية الأمريكية للفنون والآداب عام 2002 ، وأيضا جائزة «مدسيس» للأدب الأجنبي التي تمنح في فرنسا للأدب التجريبي المتميز عن روايته «الشيطان الإنساني» كما أن فيليب روث حصل عام 2003 علي دكتوراه فخرية من جامعة هارفارد، وفي عام 2005 حصل علي جائزة دائرة النقد للكتاب القومي عن روايته «الحبكة ضد أمريكا» وفي العام التالي فاز عن الرواية نفسها بجائزة جيمس فيخور كوبر لأحسن رواية تاريخية وفي عام 2007 فاز بجائزة بن فوكنر، وفي العام الماضي فاز في باريس بجائزة «حداد الأدبية». ومثل هذه السلة المليئة بالجوائز لم يحصل عليها أي كاتب معاصر لروث، بنفس الدرجة ويعني هذا أن روث لم يفقد ألقه بل هو شديد التوهج دوما، كما يعني هذا أن الكاتب في حالة تأليف دائم رغم أن جائزة مان بودكر التي حصل عليها هي في المقام الأول جائزة تقدير أي أنه لم يحصل عليها عن رواية صدرت في العام الماضي، بل من مجموع أعماله بما يشبه جائزة الدولة التقديرية في مصر، وأيضا جائزة نوبل في الأدب، وهذه الجائزة الحديثة تم تأسيسها عام 2004 في استراليا حيث تمنح مرة كل عامين للأدباء أو للأدب المكتوب باللغة الإنجليزية أو المترجم إلي تلك اللغة، وهي تمنح بالتبادل بين إيرلندا وبريطانيا، وإحدي دول الكومنولث. وقد حصل عليها كل من إسماعيل قدري «البانيا» عام 2005، شيتوا تشيبا «نيجيريا» عام 2007، آليس مونرو «كندا» عام 2009 ولو نظرنا إلي الأسماء التي نافست روث في الحصول علي جائزة مان بودكر مؤخرا لرأيناها أسماء شامخة تستحق هي أيضا الفوز مثل الأدباء البريطانيين جون لوكاريه، جيمس كلمان، فيليب بولمان، والكاتبين الصينيين دانج أنيي، وسوتونج، والكاتبة الإيطالية داشيا مارايني التي كانت زوجة لألبرتو مورافيا في الثمانينات من القرن الماضي وفي قاعة المرشحين هناك الكاتب الاسترالي ذو الأصول اللبنانية «دافيد معلوف» وأيضا الكاتب اللبناني «أمين معلوف» والكاتب الأسباني خوان جويتسولو والكاتب الهندي روهينون ميستري وأخيرا الروائية الأمريكية مارلين روبنسون وزميلتها آن تيلر. الجائزة أعلنت في 18 مايو المنصرم في معرض الكتاب بسيدني وقيمتها خمسة عشر ألف جنيه استرليني وسوف يستلمها صاحبها في 28 يونية الجاري. فيليب روث مولود بمدينة نيو آرك في عائلة يهودية تدرج في التعليم إلي أن حصل علي درجة الماجستير في جامعة شيكاغو عام 1955، ثم عمل مدرسا في الجامعة نفسها، نشر روايته الأولي «الوداع يا كولومبس» عام 1959، من أعماله «دعنا نذهب»، عام 1962 حول مجموعة من المفكرين الشباب في جامعة شيكاغو إبان الخمسينات وعلاقتهم بأدب الكاتب هنري جيمس. ثم نشر رواية «عندما كانت طيبة» عام 1967 و«سيرة الكسندر بورتنوي» عام 1969، ثم «جماعتنا» عام 1971، «الصدر» عام 1972، رواية «أمريكا العظمي» عام 1973، «كل حياتي كإنسان» عام 1974، «قراءة نفسي والآخرين» عام 1975 و«مدرسة الرغبة» عام 1977 و«الكاتب الشبح» عام 1979 و«زوكرمان» عام 1981، و«درس تشريح» عام 1986، «الوقائع » عام 1988، «اخفاق» عام 1990 و«عملية شيلوك» عام 1993، «مسرح السبت» عام 1995 و«قصص ريفية أمريكية» عام 1998 . أعماله وقد تم تقسيم أعمال الكاتب إلي عدة أقسام منها روايات بطلها زوكرمان، مثل «تزوجت شيوعيا» عام 1988 و«خروج شبح» عام 2007، ومن رواياته الأخري «كل شخص» عام 2006، وقد تفرغ في السنوات الخمس الأخيرة لكتابة ما اسماه بالروايات القصيرة مثل «كل إنسان» 2006 و«السخط» عام 2008، «الخزي» عام 2009 و«إله الانتقام» في العام الماضي وقد تحولت روايات كثيرة من أعماله إلي أفلام سينمائية. في رواية «الوداع يا كولومبس» يقدم حكاية بين شاب وفتاة يهودية ويحاول أن يقدم فيها كل التوابل الأدبية داخل مجموعة من القصص هناك مراهق شاب مليء بالتناقض وتعتريه صراعات في داخله فهو ينتقل من مرحلة الطفولة إلي الصبا حاملا معه كل القيم ومتحديا الرغبة في الانتحار، وهو يتطلع إلي الكبار بعيون تسعي إلي المعرفة والاستقلال. لقد تعلم أن البشر ولدوا متساوين وأعلن له الحاخام أن اليهود هم شعب الله المختار، وهم عنفوان السماء. وتدور مواجهة بين الطفل والحاخام الباحث دائما عن البرهان مشخصا التضاد بين عالم الأطفال وعالم الكبار، وبين عقيدته وأديان الزملاء من حوله وهو يعلن تحديه للحاخام قائلا:«أنت لا تعرف شيئا أنت لا تعرف شيئا عن الله.. ثم يصعد إلي سقف عال في إحدي العمارات ويلقي بنفسه من هناك». وفي رواية «بورتنوي وتعقيده يتحدث عن موقفه من الدول العبرية الأب موظف تأمين وهو سبب دائم لإصابة الابن باليأس، فحياة الأب هي سلاسل من الفشل والإحباط أما الأخت فهي خائبة فتاة بدينة ودميمة بلغت سن المراهقة لكنها لم تكن مرغوبة قط من الآخرين. ولا تختلف الأم كثيرا عن زوجها وابنتها ومثل هذه الأسرة لابد أن تعكس كل سماتها علي ابنها بورتنوي الذي يحاول أن يتخلص من عيوبه قدر الإمكان وعندما يكبر لا ينسي ماضيه ويحاول البحث عن مخرج من هذا الجبتو. وقد دمغ نجاح هذه الرواية الكاتب أن يجمع المقالات التي نشرت حول هذه الرواية في كتاب يحمل عنوان «فيما يتعلق ببورتنوي» وفيه بدا كم تضخمت ذات الكاتب تجاه نفسه وبطله. أما روايته مدرسة الرغبة عام 1977 فهي عن مدرس للأدب المقارن أثناء النهار ولكنه رجل داعر في المساء اسمه ديفيد كبيش يمزج بين مصطلحات العلم والجنس هو يهودي ممسوس ، ويقول أحد النقاد ان ديفيد هو الأخ الأصغر ل«بورتنوي» حيث يتورط في العديد من المشاكل الحسية، ويستعمل أنا بكثرة لكن الحوار الأخير لديفيد يكتشف مدي غرقه في ذاتيته يعيش قصة حب سعيدة تجعله راضيا عن ذاته لكنه لم يخف قط مشاعر يأسه. في رواية «الكاتب الشبح» التي أخرجها للسينما رومان بولانسكي عام 2010 يتحدث عن الأديب الشاب ناثان زوكرمان، حيث يدعوه أحد الأدباء المعروفين إلي زيارته في المنزل، لقد عاش الأديب فترة طويلة طي النسيان تدور الأحداث عام 1960 ، حيث يقابل ناثان زوجة الأديب لونوف وهو في الوقت نفسه صندوق أسراره، امرأة غريبة الأطوار يطلب لونوف من ناثان أن يقضي في ضيافته أياما، يقيم في غرفة مكتبه التي الف فيها لونوف أحسن رواياته، تقع غرفة الزوجة أسفل غرفة الكاتب مباشرة، يطالع بعض الأوراق الخاصة بأستاذه، ويعرف أن زوجته كانت سجينة في معسكرات الاعتقال النازية في صباح اليوم التالي تنشب مشاجرة يبن الكاتب وزوجته آمي، ويري ناثان في هذا أمرا غريبا، لقد أجابته زيارته لكاتبه المفضل عن عديد من الأسئلة التي عليه أن يصوغها في رواية يزمع كتابتها. وقد استكمل فيليب روث العلاقة بين ناثان وأستاذه في رواية «المخلص زوكرمان، لقد مرت بهما السنوات وهاهي زوجة الكاتب تتركه من أجل أحد القساوسة يتعرف هو علي الممثلة كارارا، وهناك شخص يتهم ناثان أنه سرق منه طفولته وأنه يتكلم كذبا عن يهود مدينة نيو آرك. وعندما يتم استدعاؤه إلي مخدع أبيه في «ميابا» يشعر بالتضارب مع هؤلاء الرواة الذين اكسبوا اليهود صورة براقة لامعة .. يناديه أبوه وهو يحتضر:«أيها القذر» لكن ناثان يتحامل فهو كما يصفه روث كاتب قذر يحاول أن يذيب السم والعسل في كتاباته المفضلة ويقدمها للناس الذين يذوقون الحنظل ويتضرسون المر. في روايته «المؤامرة ضد أمريكا» يتحدث عن «والتر» الذي يتكلم بصوت مرتفع جدا وبسرعة ملحوظة أنه يقول أكثر مما يجب ومع ذلك تمثل فظاظته شيئا عظيما فهي عقيدة الكاتب فنيا وسياسيا تدور الأحداث في الأربعينات من القرن العشرين حين يرشح «تشارلز لينه برج» لمنصب الرئاسة عام 1940، وهو يلحق هزيمة كاسحة ب«روزفلت»، ويبقي الولاياتالمتحدة بعيدة عن الحرب العالمية الثانية ويبدأ بنقل اليهود الأمريكيين وفق برامج تحمل عناوين طيبة مثل أنهم جيران فاضلون .. وترسل أسرة روث التي تسكن مدينة نيو آرك بولاية نيو جيرسي أحد أبنائها للعمل بمزرعة في ولاية كنتاكي التي لا يقطنها أحد من اليهود، وهناك يكتسب فيليب لهجة الجنوب. انه في السابعة من العمر والكاتب هنا يضع لنفسه ما يسمي بالتاريخ البديل. الرواية الوحيدة التي ترجمت لروث - حسب علمي- إلي اللغة العربية في مصر صدرت منذ أشهر قليلة في سلسلة الجوائز، تحت اسم «كل رجل» .. التي حازت علي جائزة فوكنر عام 2006، والتي اخترنا أن نسميها كما سبق كل إنسان