لا تزال تشريعات بريطانية عتيقة تلقي بظلالها علي سياسة هذا البلد الخارجية لا سيما في تعامله مع طلبات دول أخري بتسليم فارين من العدالة ومطلوبين للمحاكمة واسترداد ثروات نهبوها، تلك التشريعات التي سنها رئيس الوزراء هنري بالمرستون عام 1855 والتي تقضي بتشجيع »الفوضويين« هكذا التسمية آنذاك - علي اللجوء لبريطانيا ومنحهم حق اللجوء وبتوفير الحماية لهم وحظر اعادتهم إلي بلدانهم بدعوي أن مكانة بريطانيا تكتسب وضعًا مميزًا إذ هي وظفت عناصر التحريض في كل بلد من بلدان أوروبا.. وحدث عندما تسلم دزرائيلي رئاسة الحكومة أن ألقيت قنبلة علي نابليون الثالث وتبين من فحصها أنها صنعت في بريطانيا. وقد طالبت أحزاب ومنظمات المجتمع المدني في بريطانيا بإلغاء هذه التشريعات كونها صيغت في القرن 19 في زمن المستعمرات واحتاجت إليها بريطانيا وقتها في إدارة الصراع مع فرنسا وروسيا وإيطاليا والنمسا علي المستعمرات، ودعت الأحزاب والمنظمات إلي اعتماد معاهدة الأممالمتحدة لعام 1951بشأن اللاجئين بدلا من قوانين بالمرستون »التي كانت وراء رفض بريطانيا خلال الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي طلب مصر تسليم عناصر إرهابية. ولذا فإن مطالب »مصر الجديدة« بعد ثورة يناير تسليم العناصر المتورطة في جرائم ضد الشعب من النظام السابق ستصطدم مجددًا بعقلية وثقافة »بالمرستون« وقوانينه، في وقت تعتبر فيه بريطانيا »الفوضويين« »المقاومون الآن ضد الظلم والاحتلال الأجنبي« ارهابيين في مظهر من مظاهر الإزدواجية والألعاب السياسية. ومن المؤسف أن تأتي مواقف بريطانيا علي هذا النحو في وقت يشهد فيه العالم تطورات في الفكر السياسي سمح بتوقيع اتفاقيات لتبادل تسليم المحكومين والمتهمين لمحاكمات عادلة، وعالج مسألة السيادة بمنح العلوية لتحقيق العدالة علي مفهوم السيادة. ومن ثم باتت الاجابة معروفة سلفًا عن الاسئلة الخاصة بأسباب حرص مسئولين وقيادات نظام ديكتاتوري فاسد علي وضع الأموال والثروات المنهوبة في بنوك بريطانية، أو اللجوء فيها عند الضرورة بعدما كان اشتري بيتًا أو قصرًا في العاصمة لندن أو ضواحيها. ويخضع الموقف البريطاني للحسابات والمصالح والأغراض السياسية ومن ثم فهي لا تفرق بين اللاجئين فيها أو الفارين إليها فقد استضافت شخصيات من العهد الناصري »شمس بدران وعلي شفيق وعبدالمجيد فريد علي سبيل المثال« رغم عدائها لتلك المرحلة، كما تستضيف شخصيات من نظام مبارك الحليف.. لا تفرق بين أحد منهم. وقعت مصر - علي مدي سنوات - اتفاقيات لتبادل تسليم المحكومين والمتهمين مع عدة دول، وهناك دول أخري لا ترتبط مصر باتفاقيات من هذا النوع لبريطانيا الأمر الذي يتطلب معالجة قانونية مع الأولي وسياسية مع الثانية، وتأكيد العلوية لتحقيق العدالة في الحالتين معًا. [email protected]