إذا كان تمرد محمد علي باشا نوعاً من تمرد حاكم ضد رئيسه الأعلي أي السلطان العثماني.. وكان تمرد أحمد عرابي يمثل تمرد قادة الجيش المصري ضد الحاكم الموالي للأجانب.. فإن هناك ثورة شعبية كاملة قام بها الشعب كله، بكل طوائفه، ضد القصر الملكي ، أي حكامه الشرعيين.. وضد قوات الاحتلال الأجنبي، هذه الثورة من وجهة نظر كل المراقبين كانت هي التمرد الأكبر ضد كل السلطات التي تتحكم في كل شيء.. نعم تلك هي ثورة الشعب المصري.. وكانت هي أكبر تمرد حقيقي قام به الشعب ضد كل هذه السلطات، وهي بذلك أصبحت النموذج الذي تعلم منه العالم معني التمرد.. تلك هي ثورة 1919. ** واللافت للنظر أن ما يجري الآن في مصر وتقوده حركة تمرد الحالية هو نفس الأسلوب الذي نفذته ثورة 19 أي أسلوب التمرد السلمي الذي يستهدف تغييراً لظروف وتحسين أوضاع الوطن وكل المواطنين.. ونقصد به أسلوب جمع التوقيعات. وإذا كان هذا هو الأسلوب الذي لجأ اليه الشعب المصري مابين يوم 13 نوفمبر 1918 وهو يوم أن طالب زعماء الشعب باستقلال الوطن ويوم 9 مارس 1919 الذي اندلعت فيه الثورة بالفعل اعتراضاً علي اعتقال زعمائه ونفيهم خارج البلاد.. ** وقد ظل هذا الأسلوب الحصول علي توكيلات الشعب ليصبح لهؤلاء الزعماء السلطة للحديث باسم الشعب أمام قوات الاحتلال.. وأيضاً أمام القوي الخارجية.. نقول ظل اسلوب جمع التوقيعات مستمراً حتي عندما أرسلت بريطانيا وزير مستعمراتها لورد ميلنر لكي يستطلع الأمور.. فرفض الشعب كله الحديث معه وكانت إجابته كلما سأل اللورد ميلنر عن أمر كان يأتيه اجابة الشعب: اسأل سعد زغلول.. وكان هذا هو أساس هذه الثورة الشعبية العظيمة، التي هي كانت أعظم تمرد يعرفه شعب مصر.. وهو نفس هدف واسلوب حركة جمع التوقيعات الحالية.. حركة تمرد.. ** ونجحت حركة تمرد الكبري «ثورة 19» في تغيير كل شيء.. وتم اجبار الملك فؤاد علي إصدار الدستور الذي عرف باسم دستور 23 وعرفت مصر أول انتخابات برلمانية حقيقية جرت في يناير 1924. وصدر أول قانون حقيقي ينظم هذه الانتخابات ويحدد شروطها.. كما أجبرت هذه الثورة دولة الاحتلال علي اعلان استقلال مصر المعروف باسم تصريح 28 فبراير 1922 وبه أصبحت مصر دولة مستقلة وإن تم ذلك رغم وجود التحفظات الأربعة المعروفة. ** وواصل حزب الوفد الذي قاد ثورة 19 هذه أي كل هذا التمرد سياسته ونضاله ما بين عامي 1919 و1951 أي إلي أن أعلن النحاس باشا رئيس حكومة مصر الوفدية إلغاء معاهدة 1936.. وأطلق العنان أمام الشعب للعمل العسكري الفدائي في منطقة القناة حتي تستكمل حركة التمرد هذه كل أهدافها.. ومهدت الطريق أمام ثورة يوليو لكي توقع معاهدة الجلاء عام 1954 وهو الجلاء الذي تحقق بالكامل يوم 18 يونية 1956. ** وهنا يجب أن نستمع لما قاله المهاتما غاندي زعيم الهند الأكبر عندما وصف ثورة 19 هذه بأنها الثورة التي تعلمت منها الهند طريقة النضال الحقيقية التي نجحت الهند بها في الحصول علي استقلالها عام 1947. وهذا أعظم ما قيل في ثورة 19 أي حركة التمرد المصرية العظيمة.. حقاً كانت حركة تمرد ثورة 19 هي اللبنة الأولي التي أعطت مصر الفرصة لكي تصبح أكبر دولة عصرية ديمقراطية في المنطقة رغم كل محاولات تقليم أظافر هذه الثورة.. ** نعم كانت ثورة 19 هي أكبر تمرد حقيقي ضد كل القوي التي كانت تحكم وتتحكم في كل شيء في البلاد. وهذا يعطينا الأمل في أن تنجح حركة تمرد الحالية في تحقيق هدف الشعب الآن في اسقاط نظام يرفضه الشعب.. لأنه بكل بساطة نظام فشل في تحقيق الحد الأدني الذي يحلم به الشعب.. ** وهذا هو ما سيحدث يوم 30 يونية الحالي.