قفزة في سعر الدولار اليوم 5-6-2024.. تخطى هذا الرقم    اليوم العالمي للبيئة.. إطلاق برنامج «شجرة باسمك» داخل محطات القطار الكهربائي الخفيف    خالد قاسم: الحكومة دشنت 5123 مشروعا ببرنامح التنمية المحلية بصعيد مصر    المحكمة العليا بإسرائيل تناقش إغلاق معسكر الاعتقال الصحراوي    ميقاتي يطمئن على العاملين بالسفارة الأمريكية في لبنان    تصاعد التوتر في الضفة الغربية وقطاع غزة: اقتحامات وقصف متبادل    آخر الكواليس من معسكر المنتخب الوطني قبل مواجهة بوركينا فاسو بتصفيات المونديال    تشكيل تونس المتوقع لمواجهة غينيا الاستوائية    الكشف عن موعد افتتاح الملعب الجديد للمصري البورسعيدي    حمادة طلبة: الزمالك يحتاج صفقات سوبر.. وأرفض محاسبة جوميز بالقطعة    محافظ الفيوم يوجه بإلغاء الأسواق بجميع الطرق المؤدية للجان امتحانات الثانوية العامة    عاجل:- بالاسم ورقم الجلوس.. احصل علي نتيجة الشهادة الاعدادية محافظة الأقصر للفصل الدراسي الثاني 2023/2024    ما هو السن الشرعي للأضحية وهل يجوز بالتضحية بالتي لم تبلغ السن المحدد؟    خبير دولي: جهود مصر لدعم القضية الفلسطينية لم تنقطع لحظة واحدة    فيديو.. مسئولة بوزارة الزراعة: تخفيض أسعار اللحوم في منافذنا بنسبة 40%    استقالة مساعد وزير التموين بعد تردد اسمه لتولي الوزارة    «القومية للأنفاق» تعلن موعد الانتهاء من تنفيذ الخط الرابع للمترو    البابا تواضروس ل"الشاهد": بعض الأقباط طلبوا الهجرة أيام حكم مرسي    وزير الري: جاري الإنتهاء من تجهيز مركز التنبؤ بالفيضان    مستشار وزير التعليم العالى: ننشئ جامعات أهلية وتكنولوجية متكاملة    التعليم توجه تعليمات لطلاب الثانوية العامة قبل بدء الامتحانات الأسبوع المقبل    معلومات الوزراء: التقارير المزيفة تنتشر أسرع 10 مرات من نظيرتها الحقيقية    إزالة آثار عقار ميت غمر المنهار.. و5 ضحايا بينهم اثنين من المارة    بعد مغرب غد الخميس.. دار الإفتاء تستطلع هلال شهر ذى الحجة لعام 1445    النائب طارق عبد العزيز ل"قصواء الخلالي": الرئيس السيسى ركز على مواصلة مسار الإصلاح الاقتصادى    المخرج عمر هلال: فيلم«فوي فوي فوي» تم كتابته في 3 سنوات    البرلمان العربي يثمن مصادقة البرلمان السلوفيني على قرار الاعتراف بدولة فلسطين    السعودية ومصر تعلنان موعد غرة ذي الحجة وعيد الأضحى 2024 غدا    وزير الصحة يطلق رسميا المرحلة الثانية لمبادرة الكشف المبكر عن الأورام السرطانية ب9 محافظات    الوادي الجديد: انطلاق أعمال القافلة الطبية المجانية في قرى عثمان بن عفان بالفرافرة    الرقابة الصحية: الرؤية المتكاملة للرئيس السيسي في الإصلاح الصحي محورها الأساسي تحقيق جودة الحياة للمواطن المصري    مصطفى الفقي: وزير التموين من أكفأ الوزراء في حكومة مدبولي    تعرف على أسعار التصالح في مخالفات البناء وفقا للقانون    "لوموند": الهند تدخل حقبة من عدم الاستقرار السياسي بعد الانتخابات التشريعية    مجلس النواب الأمريكى يوافق على تشريع جديد يعاقب المحكمة الجنائية الدولية    اليوم.. الحكم على أحد المتهمين بقتل عميل بنك مصر لسرقته بالعمرانية    أسعار اللحوم الحمراء اليوم 5 يونيو 2024    العرضي المسرحي الأرتيست كامل العدد لليلة الثالثة على التوالي    انطلاق فعاليات الاجتماع الفني لتطوير البنية التحتية للطاقة النووية في مصر بفيينا    5 نصائح من «الصحة» ل«الحجاج».. اتبعوها للوقاية من العدوى    طريقة عمل شاورما اللحمة، أكلة سريعة ومغذية    تعرف على عقوبة أفشة في الأهلي.. وموقفه من العودة للتدريبات    «معدومي الضمير وضموا لاعبين مبيعرفوش يباصوا».. ميدو يهاجم مسؤولين سابقين في الإسماعيلي    منها الحيض.. مركز الأزهر للفتوى يوضح جميع أحكام المرأة فى الحج    "قومي المرأة" بالمنيا يناقش طرق التعاون المشترك مع الأجهزة التنفيذية    تعادل إيطاليا مع تركيا في مباراة ودية استعدادًا ليورو 2024    النائبة مها عبد الناصر تطالب بمحاسبة وزراء الحكومة كل 3 أشهر    «الأهلي» يرد على عبدالله السعيد: لم نحزن على رحيلك    عربية بورش وظهور لافت ل طليقة شاكوش، مشاهد جديدة من احتفال حمو بيكا بعيد ميلاد زوجته    الإفتاء تحذر المصريين من ظاهرة خطيرة قبل عيد الأضحى: لا تفعلوا ذلك    وفد «الجهاد الإسلامي» الفلسطينية يصل القاهرة لاستعراض الأوضاع الحالية في غزة    إبراهيم عيسى: المواطن يشعر بأن الحكومة الجديدة ستكون توأم للمستقيلة    «شديد السخونة».. الأرصاد تحذر من حالة الطقس اليوم وتكشف موعد انخفاض درجات الحرارة    علماء الأزهر: صكوك الأضاحي لها قيمة كبيرة في تعظيم ثوابها والحفاظ على البيئة    البابا تواضروس يكشف كواليس لقائه الأول مع الرئيس السيسي    البابا تواضروس ل"الشاهد": بعض الأقباط طلبوا الهجرة أيام حكم مرسي    حظك اليوم| الاربعاء 5 يونيو لمواليد برج الميزان    حظك اليوم| الاربعاء 5 يونيو لمواليد برج العقرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فى الذكرى 59 لثورة يوليو: مصر.. بين 3 ثورات فى مائة عام
نشر في أكتوبر يوم 24 - 07 - 2011

أحسب أن احتفال مصر اليوم بالذكرى التاسعة والخمسين لثورة 23 يوليو سيكون الاحتفال الأخير، إذ لم يبق من تلك الثورة على أرض الواقع ما يستوجب الاحتفال بها بعد أن أحيلت إلى التقاعد فعليا بفعل ثورة 25 يناير وقبل أن تستكمل عامها الستين وحيث باتت فى ذمة التاريخ، بل إن ثورة يوليو فى واقع الأمر كانت قد انتهت عمليا ونظريا منذ أربعة عقود وبعد ثمانية عشر عاما فقط من قيامها وتحديدا منذ رحيل قائدها جمال عبدالناصر ومجىء أنور السادات خلفا له.
وبمجىء السادات إلى الحكم فإن وهج ثورة يوليو بدأ فى الانحسار تدريجيا حتى انطفأ تماما حين استبدل بشرعيتها شرعية جديدة لنظام حكمه استمدها من نصر أكتوبر عام 1973، رغم أن شرعية يوليو ظلت دائما فى الخلفية حتى فى نظام حسنى مبارك (القادم من شرعية أكتوبر) باعتبارها الأصل التاريخى والسند السياسى لكليهما، ورغم أن الاثنين - السادات ومبارك - أفرغا يوليو تماما من مضمونها وأهدرا مكتسباتها، ولم يبق منها سوى التاريخ والاحتفال «الفولكلورى» والعطلة الرسمية فى يوم 23 يوليو من كل عام.
ومع الذكرى التاسعة والخمسين لثورة يوليو والتى تأتى فى خضم ثورة 25 يناير الفتية المتوهجة وبعد ستة أشهر من قيامها، فإنه لا مفر من المقارنة بين الثورتين الأهم والأكبر فى تاريخ مصر الحديث وفقاً لما أحدثته الأولى من تغييرات وتحولات جذرية فى المجتمع المصرى.. سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، ووفقاً لما أحدثته الثانية بإسقاطها نظاما فاسدا مستبدا ولما هو متوقع أن تنجزه مستقبلاً وبعد انتهاء المرحلة الانتقالية الحالية.
غير أن دواعى الموضوعية والأمانة الوطنية تقتضى عدم إغفال ثورة 1919 بقيادة سعد زغلول باعتبار أنها أولى الثورات فى التاريخ الحديث وثالثة ثلاث ثورات مصرية فى أقل من قرن واحد من الزمن.
لقد كانت «ثورة 19» ضد الاحتلال البريطانى أول ثورة شعبية حقيقية فى التاريخ المصرى المكتوب، وكانت مصدر إلهام لثورة الشعب الهندى ضد الاحتلال البريطانى أيضاً باعتراف زعيمها المهاتما غاندى، إلا أن تلك الثورة رغم حصول مصر على استقلالها المنقوص لم تستكمل نجاحها ولم تحقق هدفها بجلاء قوات بريطانيا الكامل عن مصر، إذ ظلت فى منطقة قناة السويس حتى قيام ثورة يوليو وتوقيع اتفاقية الجلاء عام 1954 وجلاء آخر جندى بريطانى بعد عامين فى 1956.
وفى نفس الوقت فإن ثورة 1919 لم يكن من بين أهدافها إحداث تغييرات وتحولات ثورية جذرية فى المجتمع.. اجتماعيا واقتصاديا، إذ اختزلت أهدافها ومطالبها فى الاستقلال عن بريطانيا وإنهاء احتلالها لمصر، رغم نُبل وضرورة هذا الهدف وأهمية ذلك المطلب.
الأمر الآخر هو أن «ثورة 19» فى بدايتها افتقدت الرؤية القومية العربية ولم تمد بصرها خارج مصر إلى مجالها الحيوى فى محيطها العربى وظلت أسيرة لهدفها الأساسى ومطلبها الوحيد.. الاستقلال وجلاء الاحتلال، وإن كانت قد تداركت ذلك الخطأ فى سنوات لاحقة، حيث قادت حكومة الوفد برئاسة مصطفى النحاس خليفة سعد زغلول مفاوضات تأسيس جامعة الدول العربية.
***
أما ثورة 23 يوليو 1952، فإنها فى حقيقة الأمر لم تكن فى بدايتها ثورة بالمعنى الحقيقى للثورة، بل كانت وبكل المقاييس والمعايير انقلابا عسكريا ضد نظام الحكم الملكى وما تبقى من احتلال بريطانى، وهو الانقلاب الذى أسماه قادته «حركة الجيش المباركة»، وقامت به مجموعة من ضباط الجيش باسم تنظيم الضباط الأحرار من رتبة «الكولونيل» وهى الفئة القادرة تقليديا على صناعة الانقلابات العسكرية فى العالم.
حركة الجيش المباركة هذه قدمت نفسها للشعب المصرى وبرّرت انقلابها وحسبما جاء فى بيانها الأول برغبة هؤلاء الضباط فى تطهير الجيش والبلاد من الرشوة والفساد وفساد الحكم، إلا أن السهولة التى استولى بها قادة الانقلاب على السلطة إضافة إلى ما اعتبروه فساد الحياة السياسية والحزبية شجّعتهم على المضى قدما فى الاستحواذ على الحكم وتقديم أوراق اعتمادهم إلى الشعب من خلال ما أسموها مبادئ الثورة الستة والتى تبلورت حول إقامة الديمقراطية والحياة النيابية والعدالة الاجتماعية.
وبحصول «حركة الجيش» على تأييد جموع المصريين والتفافهم حول أهدافها ومبادئها تحوّل الانقلاب العسكرى إلى ثورة استمدت شرعيتها الثورية من التأييد الشعبى المطلق فى ذلك الوقت.
ليس التأييد الشعبى فقط هو الذى أضفى صفة الثورة على الانقلاب، بل إن حركة الجيش صارت بالفعل ثورة حقيقية بالنظر إلى ما أحدثته من تغيير وتحول جذرى، إذ أعادت رسم الخريطة الاجتماعية والطبقية فى مصر بما حققته من عدالة اجتماعية وبانحيازها إلى الطبقات الفقيرة والمعدمة وعلى النحو الذى أسفر عن تقليل للفوارق بين طبقات المجتمع، واقتصاديا نجحت ثورة يوليو فى تحقيق معدلات تنمية قياسية وفى بناء قلعة صناعية متمثلة فى آلاف المصانع ومن ثم خلق فرص عمل لأبناء الشعب وعلى النحو الذى قضى نهائيا على ظاهرة البطالة.
أما على الصعيد الخارجى، فإنه يحسب لثورة يوليو وزعيمها جمال عبدالناصر مساندتها لحركات التحرر الوطنى ليس فى العالم العربى فحسب وإنما فى قارات أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، وحيث صارت «يوليو» مصدر إلهام لشعوب العالم الثالث الساعية إلى الاستقلال فى حقبة الستينات، وهو الأمر الذى كان من شأنه تنامى الدور المصرى الإقليمى وتعظيم المكانة المصرية فى العالم كله.
غير أن الانكسار الذى تعرضت له مصر وثورة يوليو بهزيمة يونيه 1967 وبعد فشل تجربة الوحدة مع سوريا.. كان أحد أهم عوامل إخفاقها، بينما كانت غيبة الديمقراطية السياسية والاعتماد على التنظيم السياسى الوحيد (الاتحاد القومى ثم الاتحاد الاشتراكى) فى سياق حكم شمولى هى - السبب الحقيقى فى انتهاء الثورة بنهاية حقبة عبدالناصر ورحيله، وإذ بدا مؤكدا وبالضرورة أن العدالة الاجتماعية وحدها ليست بديلاً عن الديمقراطية والتى تعد وبحق الضمانة الحقيقية لاستمرار أية ثورة واستمرار مكتسباتها، وهو الأمر الذى أغفله عبدالناصر معتمدا على ما أسماها الأستاذ محمد حسنين هيكل عراب الحقبة الناصرية ب «ديمقراطية الموافقة».. معتبراً أن الشعب المصرى منح عبدالناصر تفويضاً كاملاً!
وإذا كان من الممكن أن يحسب للسادات توجهه لإضفاء مسحة ديمقراطية على نظام حكمه ليتمايز بها على عبدالناصر بإعادة الأحزاب مرة أخرى، فإن هذا التوجه لم يكن فى حقيقة الأمر سوى ديمقراطية «ديكورية» شكلية خاصة بعد أن نزل بنفسه إلى الساحة الحزبية بتأسيسه ورئاسته للحزب الوطنى الذى ظل مهيمنا ومحتكرا للسلطة طوال خمس وثلاثين سنة منها ثلاثون سنة تحت رئاسة حسنى مبارك.
ثم إن السادات ولاعتبارات وأسباب تتعلق بتوجهاته السياسية الخاصة قد اتجه بنظام حكمه إلى يمين ثورة يوليو مع بدء مرحلة الانفتاح الاقتصادى الذى وصفه الكاتب الصحفى الراحل أحمد بهاء الدين ب «السداح مداح» وحيث تراجعت أو تآكلت العدالة الاجتماعية إلا قليلا، وحيث بدا واضحا أنه لا العدالة الاجتماعية بحسب الحقبة الناصرية قد استمرت ولا الديمقراطية السياسية حسبما روّج لها السادات قد تحققت!
***
أما فترة حكم حسنى مبارك التى امتدت لثلاثين سنة فقد أعادت مصر إلى الوراء كثيرا.. إلى ما قبل 1952 وحيث عادت أوضاع مصر السياسية والاقتصادية والاجتماعية إلى أبشع مما كانت عليه قبل الثورة التى لم يبق منها إلا خطابه الإنشائى السنوى.. متشدقا بمبادئها وأهدافها التى وأدها بحكمه الفاسد الاستبدادى.
ولذا فإن نظام مبارك الفاسد كان دافعا ومحركا لا بديل عنه لاندلاع ثورة 25 يناير التى صنعها شعب مصر بمختلف فئاته واتجاهاته والتى أطلق شرارتها الأولى شباب مصر الواعى المثقف من أبناء الطبقة المتوسطة مما أضفى عليها بُعدا وطنيا نبيلا، إذ لم تكن ثورة الفقراء والجياع حسبما كانت تشير التوقعات فى أواخر عهد مبارك.
***
إذا كانت ثورة يوليو انقلابا عسكريا أيده الشعب، فإن ثورة 25 يناير.. ثورة شعب أيدها الجيش وانحاز لها وضمن نجاحها وتعهد بتسليم السلطة والحكم إلى الشرعية المدنية المنتخبة التى يرتضيها الشعب.
إن ثورة يناير وحدها من بين الثورات الثلاث التى شهدتها مصر فى أقل من قرن هى التى تستحق وصف الثورة الشعبية إذ لم تكن لها قيادة ولم يكن وراءها تنظيم أو جماعة سياسية، وذلك سر قوتها وضمان نجاحها.. سبيلاً إلى إقامة دولة القانون والعدالة الاجتماعية والديمقراطية السياسية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.