خرج علينا متحدث عن المؤسسة العسكرية قائلاً ما معناه: إن المؤسسة لن تنحاز لأي طرف سياسي كان أو ديني وأن النية مبيتة لتسليم البلاد في المدة المحددة إلي السلطة الشرعية، الأمر الذي أثلج صدورنا وهو ما نتصوره من جيشنا العظيم.. ولكن واللاكنات كثر، هذه الأيام يخرج إلينا متحدث عن الإخوان يقول: لقد مضي العهد الذي يقول لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة.. أي فصل الدين عن السياسة وهو أحد مطالب شباب يناير، إلا إذا كان الإخوان قد أخذهم الغرور والزهو وركبوا الثورة ليحققوا أغراضهم ونندهش من التصريحات والبيانات المضادة لكل ما يتعلق بالمطبخ الداخلي للإخوان.. ولا أتصور أن هذه المتاهات هي حقاً ما يدور بالكواليس الإخوانية.. كما لا أتصور أنهم يظنون أننا بلهاء أو سذج لنصدق كل هذه المناورات وهي لا تتعدي بالونات اختبار، قد يتصور البعض أن قولي هذا هو شجب لكيان الإخوان!! فأهلاً بهم سواء جماعة أو حزب فنحن جميعاً مصريون طالما كنا نعيش ونعشق تراب وماء وسماء مصرنا.. والأمر كذلك فلا عتاب أن يتخذ الأقباط ذات المنهج وكونوا حزباً أو جماعة الإخوان الأقباط ولتذهب مصر إلي الجحيم.. لا ثم ألف لا.. لن تصبح مصر تحت أقدام عنصرية مزمومة أو إناث غلبهن الوجود فباعوا دينهم مقابل لحظات حب سواء كانوا مسلمات أو قبطيات.. وبالمناسبة دعونا نتأمل في موقف له دلالته وهو اختيار فضيلة الشيخ رفيق حبيب »مازحاً كما يسميه البعض« نائباً لرئيس حزب الإخوان الجديد.. إنها خطوة جريئة قوبلت بالشجب من الأقباط ولكنني أقول إن مرحلة الألف ميل تبدأ بخطوة إذا ما صفت القلوب.. أهلاً بالحزب الإخواني »العدالة والحرية« راجياً أن يكون الفعل كالمعني وتوجهها المدني بمرجعية دينية وهو أمر يحمل التضاد وهنا نريد شرحاً لهذا الازدواج، لهذا نريد حزباً مدنياً يحمل في طياته المواطنة الكاملة.. اتركوا الأديان للديان. ولا أتصور لمن يراقب الأحداث ويحللها أن يتجاهل حقيقة أخري لها دلالتها وهي ثورة الأقباط النفسية وخروجهم من تحت عباءة الكنيسة ليثبتوا حقوقهم المهضومة علي مدي أكثر من نصف قرن بين مصر العربية أو الإسلامية، أو الانفتاحية أو العنصرية الكريهة زاعقين كفي وأن فرية الأغلبية والأقلية لم يعد لها كيان عندهم، ففي الأوطان الديمقراطية يكفي أن يكون هناك فرد واحد مختلف إلا وأعطاه الدستور كل حقوقه، فما بالك بعدد الأقباط الذي يساوي ثلاث دول شرق أوسطية.. ولعل المثل الأمريكي قد حطم هذه الفرية وإذ بالرئيس أوباما له خلفيات إسلامية وأفريقية. أعود إلي الحديث عن مستقبل مصر وهو ليس في أخطر مراحله بل في أشد لحظات خطورته والكل يلعب علي أوتار الأنانية.. عندما نادينا ونادي شباب يناير بأن الترتيب السليم نحو مستقبل آمن هو البداية بوضع دستور للبلاد بأسلوب حضاري حديث تفادياً للصدامات اللفظية التي قد يحتويها ويصدر الدستور عن جماعة متميزة ونفوسهم خالية من العنصرية والتعصب وأن الجميع سواسية.. إن أول العثرات التي ستواجه الشعب هو الخطأ في اختيار واضعي الدستور وثاني المطبات هو إجراء استفتاء حقيقي وليس متلوناً كما جاء الاستفتاء الأخير وما عابه والذي أجج النفوس إلي درجة الاحتقان، ويلي هذه الخطوة الأولي انتخاب الرئيس من أب وأم مصريين بغض النظر عن دينه أوجنسه.. أي رئيس شرعي يستند إلي دستور شرعي ليطلب في المرحلة الأخيرة إجراء انتخابات تمثل جميع طوائف الشعب.. أما دون ذلك فأخشي أن أقول إنه نوع من التجييش للتيارات الإسلامية، الأمر المخالف لما وعدت به المؤسسة العسكرية لأن اختلاف تسلسل الشرعية كما ذكرت سوف يجر البلاد إلي الخراب لأنه عدم الحرص علي إجراء الأمور بالترتيب الذي ذكرته وإجراء الانتخابات في هذا الجو المتقيح والمشدود أعصابه والمتحفز سوف تكون انتخابات بلون الدم وقد سادت البلطجة وشراء الأصوات، لقد عاني الإخوان وأي رأي مخالف للنظام الأمرين، بدءاً من كتم الأصوات إلي الإقصاء كما لم يسلم الأقباط أيضاً من التهميش وحرق ديارهم وقتل أولادهم وعدم عقاب الفاعلين، مما أحسوا بأنهم مواطنون من درجة أدني وهم اليوم يريدون إزاحة هذا الوضع المشين لأن هذا الوطن لنا جميعاً وقد باركه الله »مبارك شعبي مصر« لينعم بهذه البركة جميع القاطنين علي هذه الأرض، وأقول لإخواني من الإخوان والتيار الإسلامي: إن الأمر اليوم بيدكم في أن تجعلوا من مصر جنة العالم علي الأرض، كما يمكن بأفكاركم وتشبثكم بأطر عفي عليها الزمان وبعنصرية محتوتة أن تجروا البلاد ليس فقط إلي خراب بل إلي تقسيم فعلي.. لقد عانينا جميعاً منذ قيام الانقلاب العسكري عام 52 وكان الشعب كله مهمشاً ومطحوناً تجري عليه تجارب »الجين بيج« حيوانات التجارب المعملية وعاشت مصر في أحلك أيامها وإن عاني المسلمون مثقال ذرة فقد عاني الأقباط مثال ذرتين. فلننعم معاً بما أعطاه لنا الله، إن مصر رغماً عن استنزاف أصولها ما زالت غنية وأول غناها هو شعبها وإيمانها بإله واحد.. أقول لكل مواطن يحب مصر أهلاً بك لتعيش معنا في أمان في بوتقة الحب والحرية والعدالة والانتماء.