تعالوا بنا ولو قليلاً نبتعد عن السياسة وهموم السياسة.. وعن عك البوليتيكا ورجال البوليتيكا.. خصوصاً بعد أن أصبح عندنا 90 مليون زعيم سياسي، يدعون العلم بفنون ومهارات البوليتيكا.. ولعن الله هذه البوليتيكا وصناع البوليتيكا.. أو من يدعونها!! نقول ذلك لأن آفة مصر الآن هي في تعدد من يدعي الزعامة ويسعي حتي لشن الحرب علي.. إثيوبيا!! وتعالوا «نغوص» في أعماق الشخصية المصرية فنقول إن كثيراً من المصريين تركوا مهنتهم الأصلية.. وحرفهم التي عرفوا بها واشتهروا من ورائها.. وهؤلاء منهم من ويزال يحتفظ باسم عائلته الأصلي.. حتي ولو كان لقبه ولقب العائلة هو الجحش.. أو الحرامي.. حتي البغل!! ولا يجد أحدهم حرجاً في أن يحتفظ بهذا الاسم.. الأصيل!! وعندما كانت غالبية المصريين ينتسبون إلي حرفهم وأشغالهم وجدنا عائلات: البواب والحداد والجزار والنجار والفوال والزيات والسرجاني والخشاب والفران والفقي والصياد والجمال والصراف والصواف والكحكي والحلواني والفطايري والسقا والمزين والبستاني والجنايني والطوبجي والرزاز والخضري ولكن كل هذه العائلات بلا استثناء مازالوا يحتفظون بأسماء عائلاتهم.. رغم أنهم امتهنوا مهناً أخري.. أي غيروا نشاطهم واتجهوا لمهن أخري.. بحكم تغير المهن والأعمال من قرن إلي آخر.. مثلاً نجد الحداد ترك مهنة أجداده وهم الذين عملوا بالحدادة ولذلك اشتهروا بها.. ونسي هؤلاء «الكور» الذي ينفخ في نيران الفرن ليزداد اشتعالاً .. ونجده الآن مساعداً لرئيس الجمهورية.. فهل ينفخ الآن في «كور السياسة» ليزيدها اشتعالاً من موقعه الجديد والمؤثر في مطبخ صنع الأحداث.. أم أن رئاسة الجمهورية لم تعد تصنع قراراً وانتقل منها صنع القرارات إلي المقطم حيث مكتب المرشد العام للإخوان المسلمين؟! وهذا السرجاني.. أي صاحب السرجة أو عامل السرجة.. والسرجة هي مكان عصير السمسم لنحصل علي زيت السيرج الذي كنا نستخدمه زمان في طعامنا، أكثر من أي زيت غيره.. وكانت مصر زاخرة بالعديد من «السرج» التي كنا نشتري منها بجانب زيت السيرج الطحينة والكسبة، أما الطحينة فيعرفها كل المصريين.. ولكنهم يجهلون الآن هذه «الكسبة» وهي ما يتبقي من السمسم بعد عصره وكنا نستخدمها «غموساً» للخبز، فهي غنية بآلياف السمسم وبقايا الزيت وكنا نحملها في ورق الكرنب لأنه غير مسامي حتي لا تتلوث ملابسنا بزيت الكسبة.. أي ما بقي من السمسم!! المهم أن السرجاني ترك هذه المهنة التي كانت تعتمد علي «حجر الرحايا» لعملية العصير وكانت تديرها الحمير والبغال.. واتجهوا من الأجيال الحديثة إلي مهنة غنية وثرية.. وهي أغني مهنة الآن.. ونقصد بها تجارة الذهب والمجوهرات.. والماس أيضاً.. وسبحان مغير الأحوال!! وأيضاً الزيات.. أي بائع الزيت.. ولكن من هذه الأسرة نجد الآن الأدباء والصحفيين .. بل ورجال السياسة، اذ نعرف الدكتور محمد حسن الزيات الذي كان وزيراً للخارجية ونائباً لرئيس الوزراء أيام الرئيس الشهيد أنور السادات، وأيضاً أحمد حسن الزيات الذي أسس ورأس تحرير أكبر مجلة ثقافية في مصر هي الرسالة، وقال لي الشيخ سعد العبد الله الصباح أمير الكويت السابق إنهم كانوا ينتظرونها عندما كانت تصل إليهم بالبحر من.. البحرين.. وتوقفت للأسف في منتصف الخمسينيات، وحاول يوسف السباعي إعادة إصدارها بعد سنوات قليلة باسم الرسالة الجديدة.. ومنهم الفقي الذي كان من رجال الدين والتعليم.. وقارئاً للقرآن الكريم.. وأصبح أحفاد هذه الأسرة منهم السياسي والسفير ومالك الأراضي الزراعية.. أما قنديل، فقد «ضلمها» ولم يعد قنديلاً ينير لنا الطريق والبيوت.. بعد أن أغمض العين عن النيل.. الذي يضيع الآن في عهده، عهد الدكتور هشام قنديل.. وهكذا نعود - دون أن ندري - إلي السياسة والكلام في السياسة.. ولعن الله السياسة والساسة .. وكل من يسوس أمورنا الآن.. آمين.. يارب العالمين..