نجانا الله، سبحانه وتعالى، من برامج التوك شو وشرورها، بعد أن سلسل نجومها ونجماتها وكفانا من شرورهم فى شهر رمضان، كما سلسل الشياطين المردة.. ولم نكد نرتاح يومًا أو بعض يوم حتى ابتلينا بحروب من نوع آخر هى حروب الأكل والشرب.. بعد أن حولنا رمضان من شهر للصيام إلى شهر للطعام. وحرب الطعام تبدأ من الزيت حتى تصل إلى الألماظ.. والمصيبة أن مصر لا تنتج لا هذا ولا ذاك.. كله مستورد.. ونبدأ بالزيت. كانت مصر - حتى سنوات قليلة - تعرف أنواعًا محدودة من الزيوت.. أولها الزيت الطيب، نقصد زيت الزيتون.. وكانت مصر تستورده من الجيران إذا عز الانتاج المحلى من سيوة وسيناء.. ثم زيت السمسم، أى السيرج الذى يأخذ اسمه من «السرجة» حيث يعصر السمسم ومن هذه السرجة جاءتنا واحدة من العائلات هى «السرجانى» التى تركت صناعة عصير السمسم والسرجة وانطلقت إلى عالم المجوهرات.. وعرفت مصر الزيت الحار الذى صنعه المصرى من بذور الكتان وإن كان يفضل تناوله شتاءً بسبب طاقته العالية.. ومع توسع زراعة القطن من أيام محمد على وحتى حفيده الخديو إسماعيل عرفت مصر «الزيت المخصوص» أو الفرنساوى الذى يأتى من عصر بذرة القطن.. وكانت مصر تكتفى بهذه الأنواع.. وكان الله بالسر عليما. إلى أن ابتلينا بتجار يتاجرون فى كل شئ.. ويستوردون كل شئ وأهملنا كل هذه الزيوت المحلية - الممتازة - وجلبوا لنا الآن زيت دوار الشمس.. وزيت الذرة.. وزيت النخيل.. وزيت الشلجم، يعنى اللفت!! والشاطر منهم من يقدم لنا خلطة من هذه الأنواع.. فهذا «للقلى فقط».. وهذا لغيره، وهذا يصلح لكل الاستخدامات.. وأهملنا السيرج والحار والطيب.. ونسينا الفرنساوى.. وياليتنا كنا نزرع البذور الجديدة لتحل محل القديمة.. ولكن كله.. مستورد!! والرابح هو التاجر والخاسر هو صحة الإنسان. ومن الزيوت ندخل إلى توابعها.. فالمصرى قديما عرف السمن البلدى وعرف الزبدة حتى عرف ما يتبقى من تسييحها وهو «المورتة» التى اتخذها غموسًا ولكن التجار الشطار كما هجموا على ثلاجات أوروبا وأمريكا يسحبون منها اللحوم والفراخ المجمدة.. يهجمون الآن على جبال الزبد المتراكمة هناك بسبب تزايد الثروة الحيوانية.. وأخذ التجار يجلبون لنا «تلالاً» من هذه الزبد وهات يا تسييح.. ومع شوية اضافات قدموا لنا هذا الألماظ الجديد وهو سم فى العسل، والله العظيم كانت السمنة الهولندى أفضل، على الأقل فهى من انتاج نباتى وليس حيوانيا.. إلى أن انتهى عصر علبة السمنة الهولندى التى غزت كل بيت وكان المصرى يتقاتل عليها أمام المجمعات الاستهلاكية!! وفتحنا أبوابنا لهذا الألماظ ويا سلام يا ست هالة ويا ست ماجدة لو كانت مصر تنتج المواد الأساسية التى يصنعون منها هذه الشحوم أو الدهون لزوم الطواجن والفطير المشلتت وبرام الأرز المعمر!! ولكن كله مستورد. وما دام المصرى يكبس معدته بكل هذه الزيوت والدهون والشحوم التى «تليس» على القلب وتسد المعدة.. فإنه يحتاج إلى ما يعالج ذلك.. هنا نجد حرب المياه الغازية والعصائر الصناعية البودرة اللى بطعم البرتقال.. وفى شهر الطعام يصلح الكلام مع شرب هذا وذاك.. ولا نجد فى أمريكا نفسها - وهى بلد انتاج هذه المياه الغازية - هذا الحجم الهائل من الإعلان عن هذه المياه الغازية حتى أصبحنا أكبر دولة مستهلكة لهذه المشروبات.. وتستغل هذه الشركات طيبة قلب المصريين فتربط بين زيادة الاستهلاك وتقديم الخيرات لفقراء المسلمين.. يا سلام على الشفقة والحنية والقلب الخفيف!! اللهم إلا إذا كانت هذه الإعلانات كشفت لنا عن خفة دم ورشاقة الفنانة الصاعدة التى أحببناها فى مسلسلها الرائع مع المبدع يحيى الفخرانى عاشقة التاريخ.. وردة الكتب.. الموس كما كان يصفها أخوها الأصغر!! وما دمنا فى شهر رمضان.. وبما أنه شهر البر والخير ومساعدة الفقير.. نجد جمعيات البر والإحسان تصعد إلى السطح.. وكأن الخير لا يصلح ولا يجوز إلا في.. رمضان!! من التبرع لهذا المستشفى العظيم للأورام فى القاهرة وأسوان إلى «البقر العشر» ليعيش على خيرها العديد من البشر إلى جميع الملابس المستعملة وإعادة تأهيلها وتوزيعها على المحتاجين.. وهى كلها أعمال خير عظيمة، كم نتمنى أن تستمر طوال العام، وليس فقط فى شهر الصيام، ولكننى اتساءل: ألا يعرف المصرى الخير وفعل الخير إلا فى هذا الشهر فقط!! وشر البلية ما يضحك.. إذ وسط كل هذه الحروب المعلنة والتى «اتخرق» عيون كل المصريين المتسمرين أمام أجهزة التليفزيون تطل علينا عمارات شاهقة.. وسط حدائق غناء.. وجداول مياه جارية أو راكدة لا أحد يعرف.. نقصد تلك الشقق وكأننا فى بيفرلى هيلز ضاحية هوليوود الشهيرة فى مدينة لوس إنجليس.. حتى - يا عينى - أن الأسرة سوف تستغنى عن سائقها العجوز الذى يقوم بتوصيل الأولاد إلى المدارس وهنا - ويا قلب مصمم الإعلان الطيب - يقترح تطوير عمل السائق ليعمل طباخًا بدلاً من أن تستغنى عنه الأسرة. ونترك أعلى أماكن فى القاهرة حيث هذه الشقق الفاخرة لننطق إلى الساحل الشمالى وإلى ساحل البحر الأحمر حيث حلم أى مصرى أن يحصل على فيلا أو شاليه أو شقة ترى البحر أو على أمتار من البحر.. فهل يجد المصرى الآن ما يأكله.. حتى يدبر ثمن هذه الشقة أم أن هذه الشاليهات أقيمت لفئة معينة من المصريين هم الذين يعملون فى الدول البترولية.. فعلا «هم» يبكي.. وهم «يضحك» ولكن من يضحك على من.. أما نحن فنعرف من يبكى علينا!! وحتى مسلسلات هذا العام «أونطة» وضحك على الدقون.. هذه نؤجل الحديث عنها إلى أن «تستوى بعض الشئ.. ونعرف هل هذه الأعمال «تساوى» كل الضجة التى أثيرت حولها. ولكن - وما دمنا وسط حروب معلنة هنا وهناك - فلا يمكن أن ننسى حرب شركات المحمول.. وكلها تسرق عملاء بعضها بالإغراءات المتعددة واعترف أن حرب سرقة العملاء معترف بها بين المتنافسين.. ولكن أعترف أن الإعلانات الأخيرة ممتازة وجيدة وإن كان كلها يقوم على سرقة العملاء!! والمصيبة أن منتجًا واحدًا فقط مما يسيطر على اعلاناتنا ليس انتاجا مصريا خالصًا.. من الزيت والسمنة إلى المياه الغازية إلى بودرة البرتقال إلى شركات المحمول.. وكأننا نعلن عن أشياء لا ننتجها.. وإن كنا فقط أول مستهلكيها.. ويا حسرتى على مصر ومستقبل مصر بعد أن سيطر عليها التجار والمستوردون.