دوت صافرات الإنذار في أنحاء متفرقة من إسرائيل، وسط ترقب دائم ورعب من هجمات محتملة بطائرات مسيّرة أو صواريخ باليستية إيرانية، هذا الرعب، الذي بات سمة يومية لحياة الإسرائيليين، ليس إلا حلقة جديدة في سلسلة طويلة من التوترات المستعرة في الشرق الأوسط، حيث ترفض إسرائيل أي مشروع حقيقي للسلام، وتواصل عدوانها على الفلسطينيين، فيما تتسع جبهة الصراع لتشمل إيران وسوريا، ويظل الأمن الإسرائيلي هشًا رغم كل ترسانته العسكرية. الهجوم الإيراني الأخير، مثّل نقطة تحول في معادلة الردع بين طهران وتل أبيب، فبرغم نجاح منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلي - جزئيًا - في اعتراض بعض الأهداف، إلا أن الاختراق الإيرانى للأجواء الإسرائيلية بموجات من الطائرات المسيّرة والصواريخ أثار ذعرًا حقيقيًا داخل المؤسسة الأمنية والسياسية في إسرائيل، وكان اللافت أن الخوف في الشارع الإسرائيلي، لم يكن فقط من الأضرار المادية، بل من فكرة أن إيران، وبعد سنوات من التهديدات، أصبحت قادرة على تنفيذ هجمات فعلية داخل العمق الإسرائيلي. في الوقت نفسه، ورغم الحصار الطويل على قطاع غزة، ما زالت إسرائيل تعانى من كوابيس صواريخ المقاومة الفلسطينية، إذ أثبتت جولات القتال الأخيرة أن فصائل المقاومة ما زالت تملك القدرة على إطلاق مئات الصواريخ فى وقت قصير، وتكبيد إسرائيل خسائر فادحة، لا فقط فى الأرواح والممتلكات، بل فى ثقة الجمهور الإسرائيلي بمنظومته الدفاعية. «الشعور بالخوف أصبح جزءًا من الهوية الإسرائيلية، تتحرك بدافع منه، وتهرب منه إليه، حتى فى فترات الهدوء، نعلم أن الجولة المقبلة قادمة لا محالة، سواء من غزة أو من لبنان أو من إيران»، هذا ما تؤكده الخبيرة الأمنية الإسرائيلية، نوعا شايندلين، والتي تؤكد أنه كلما طالت الحرب على الفلسطينيين، ازدادت وتيرة التهديدات الاستراتيجية. إن إصرار إسرائيل على التعامل مع محيطها بلغة القوة، دون أى انفتاح حقيقى على مبادرات السلام، لا يؤدى فقط إلى تعميق العزلة السياسية، بل يخلق بيئة مثالية لتنامى قوى المقاومة فى غزة وجنوب لبنان وحتى فى الضفة الغربية، كما يغذى هذا النهج العدوانى حالة الغضب المتصاعدة فى طهران ودمشق. ◄ اقرأ أيضًا | ترامب: نرغب في تحقيق نصر كامل لإسرائيل وفى خضم هذه الأوضاع المشتعلة، تبقى مصر واحدة من الأطراف القليلة التى تواصل بذل الجهود لتهدئة الأوضاع، والضغط باتجاه استعادة المسار السياسى، وتفكيك دوائر العنف قبل أن تنفجر المنطقة برمتها، فقد جددت القاهرة، على لسان الرئيس عبد الفتاح السيسي، خلال القمة العربية الأخيرة، موقفها الثابت بأن السلام الحقيقى فى الشرق الأوسط لا يمكن أن يتحقق دون قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدسالشرقية، وشددت مصر فى تحركاتها الدبلوماسية، على التوسط لوقف إطلاق النار بين فصائل المقاومة الفلسطينية وإسرائيل، إضافة إلى محاولات الحد من التصعيد بين طهران وتل أبيب، واستضافت القاهرة عدة جولات من المحادثات غير المباشرة، وسط إشارات من أطراف غربية أن الدور المصرى لا غنى عنه. الواقع أن الشرق الأوسط بات أقرب من أي وقت مضى إلى صدام إقليمى واسع، قد يبدأ بضربة خاطئة أو سوء تقدير من أحد الأطراف، والإسرائيليين، رغم جبروتهم العسكرى، ينامون والقلق يملأ رؤوسهم، لم تعد الجبهة فقط جنوبًا في غزة، بل هناك تهديدات من الشمال فى لبنان، ومن الشرق فى إيران، ومن الداخل عبر العمليات الفردية المُتكررة فى القدس وتل أبيب، ولم يعد بإمكان إسرائيل أن تعيش فى جزيرة آمنة وسط بحر مشتعل، فى ظل رفضها الاعتراف بالحقوق الفلسطينية. وسط هذا المشهد المتشابك، تظل الحقيقة الثابتة أن الأمن الإسرائيلي، الذى تسعى تل أبيب لفرضه بالقوة، لن يتحقق دون عدالة للفلسطينيين، ولا استقرار للمنطقة دون إنهاء الاحتلال، والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطينى المشروعة، إن صواريخ حماس، وهجمات إيران، كلها نتائج متوقعة لسياسات الإقصاء والاحتلال والعدوان المستمر، وقد أثبتت الأحداث أن الحلول العسكرية، مهما طالت، لا تضمن الأمن، فقط لغة العقل والعدالة والمفاوضات يمكن أن ترسى سلامًا حقيقيًا، شاملًا وعادلا، وهو ما دعت إليه مصر مرارًا، وستظل تدعو إليه حتى يتحقق.