فنجان واحد من القهوة.. يفسر لك سر عنوستك، ويفك عقدتك، ويخبرك بمواصفات عريسك القادم.. كل ده مقابل 5جنيهات.. يابلاش هكذا أخبرتني جارتي التي تصغرني ب7 سنوات في جلسة سمر بيني وبينها أعربت من خلالها عن انزعاجها الشديد لعنوستي التي لا ترى لها أي مبرر، واتهمتني فيها بالتكاسل والتقصير في حق نفسي، مؤكدة أن جميع الفتيات يذهبن إلى المشايخ ويدفعن مئات الجنيهات للحصول على أحجبة لا تفارق صدورهن تجلب لهن الحظ والعريس في آن واحد.. ذهبت معها بدافع الفضول.. ودفعت الكشف..وشربت الفنجان .. ومازلت في الانتظار... حجاب الجلبة اعتبرت جارتي الصغيرة حاملة المؤهل المتوسط والتي تمت خطبتها أكثر من خمس مرات، أن خطبتها عدة مرات ميزة انفردت بها على بنات جيلها ،أو بمعنى أدق على بنات العمارة، بفضل تردد أمها على "أم هاني"، وأن حجاب "الجلبة" التي أعطتها إياه سره باتع .. فهو لم يجلب لها عريس واحد بل لقد أفلح في جلب لها العديد من العرسان ، صحيح أن أى منهم لم يُتم زواجه بها لكن مش مهم.. مرة تخيب ومرة تصيب على حد قولها..! لم تكتف جارتي التي لم تتخط العشرين بلومي فقط.. بل شرعت تكيل الاتهامات لأمي أيضا لسكوتها على هذا الوضع دون أن تحرك ساكنا، مستشهدة بأم ياسمين التي تقطن في العمارة المقابلة، والتي تعتبرها أما مثالية لم يهدأ لها بال إلا عندما ذهبت بابنتها إلى شيخ كبير أعطاها حجاب الجلبة اياه في مقابل 300 جنيه فقط، وهو الوحيد الذي صدق معها وأفلح في تزويجها رغم ترددها على الكثيرين من قبله.. تابعت حديثها : " انت لازم تيجي معايا لأم هاني.. والله مش هأذيكي بس نشوف ايه السبب .. انت مش ناقصك حاجة.. جمال وتعليم ووظيفة كمان، طيب بلاش المشايخ اللي بتقولي عليهم دجالين.. دي واحدة هتفتح لك الفنجان وتقول لك ع اللي فيكي، والله دي جوزت معظم صاحباتي.. ومش هنقول لحد يا ستي الموضوع هيبقى سر يعني، والله البنات كلها بتعمل كدة يعني هيتجوزوا ازاي في أيامنا الهباب دي!" وافقت بعد إلحاح شديد من جارتي الصغيرة في السن والكبيرة في خبرة التردد على الدجالين والعرافات، وبعد أن كنت مستاءة من حديثها ومن الفكرة برمتها أبديت استعدادي للذهاب.. ليس للحصول على عريس كما تظن هي ولكن لمعرفة ما يدور داخل دهاليز هذا العالم بعد أن أثارت فضولي الصحفي. دجالة "مودرن" تقطن ( أ.أ ) ببناية عريقة في أحد شوارع وسط البلد، لا ترتدي ملابس الدجالين المعروفة.. ولا تطلق البخور المعتاد في منزلها، فهي سيدة صالون بحق .. تصفف شعرها على أحدث موضة، وترتدى أغلى الثياب، ورائحة عطرها ينم عن ذوق رفيع. استقبلتنا في شقتها الأنيقه ،المفروشة على أحدث طراز، مبتسمة مرحبة بزيارتنا، وفور دخولنا أخبرتها صديقتي بأنني صحفية وأننى وافقت على الحضور بعد محاولات مضنية ، فقالت لي : "مش عيب نسعى يا حبيبتي.. وبعدين أنا بعمل الخدمة دي لوجه الله.. وانت مش الصحفية الوحيدة اللي بتجيني.. أنا قريبة جوزي صحفية ومصورة في وكالة أنباء عالمية ( لا داعي لذكر اسمها)، وكل ما يحصل لها مشكلة في الشغل بتيجي لي علشان أقرا لها الفنجان، والحمد لله كل مرة المشكلة بتتحل على إيدى.. وكل الترقيات اللى نالتها في شغلها كانت بسببي بعد ما حخلصتها من العكوسات اللي كان زمايلها بيعملوها لها عند الدجالين والعياذ بالله..! ولأني أعرف هذه الزميلة وكنت قد قابلتها في حفل تنصيب ملكة جمال العرب العام الماضى واستقليت معها نفس التاكسي.. سألتها على الفور: بس دي كبيرة في السن طب ليه ما جوزتيهاش لحد دلوقت لما هي زبونه عندك؟ فاجأها السؤال لكنها أجابت وهي تحاول أن تبدو متماسكة : هي دماغها صعبة.. مش راضية تسمع كلامي وتعمل اللي بقولها عليه عشان تتجوز، رغم ان عمرها 42 سنة . استطردت محاولة استفزازها: " عندها حق طبعا.. دي بنت شربات ومثقفة جدا استحالة ترضى بكده، وأكيد هي مقتنعة بعدم جوازها، وبعدين يعني مفيش حد مثقف وبيشتغل في مهنتنا دي يؤمن بفتح الفنجان والمندل". فضحكت ساخرة وقالت : مين ده!! كل الناس بتفتح الفنجان مثقفين وجهلة، وكل البنات وأمهاتهم هيموتوا ع الجواز وبيعملوا كل اللي بطلبه منهم، والعريس بييجي في بحر 15 يوم.. مبيتأخرش أبداً، الحمد لله أنا مجوزة نص بنات البلد . ابتسمت ابتسامة صفراء حتى استفزها أكثر وقلت في سخرية: يمكن، الله أعلم ! استشاطت غيظا.. وقامت من فورها واتصلت بالصحفية قائلة لها : "ازيك يا سوسو انت عارفة مين عندي، صحفية صغيرة قابلتك السنة اللي فاتت (وحكت لها مقابلتنا)، ثم أعطتني الهاتف وقالت لي سلّمي عليها". لم أصدق أذني عندما سمعت صوتها.. ولم يعد عندي شك أن المثقفات أيضاً يبحثنّ عن العرسان ويصنعن مستقبلهنّ المهني في قلب الفنجان.. كما أكدت لي الدجالة "المودرن" . المقابلة انتهت انتقلت (أ .أ ) إلى الحديث عني بسرعة بعد أن لاحظت دهشتي.. وطلبت مني في لهجة يشوبها الانتصار شرب قهوتي لتبدأ في قراءة فنجاني.. بعد أن نظرت مليا في الفنجان أخبرتني أنه في حياتي حالياً 4 ورقات ، ثم قالت إنها أوراق حكومية أسعى لتخليصها ( والحقيقة عكس ذلك تماماً). لم أبد اهتمام فانتقلت على الفور تتحدث عن العريس المرتقب وأخذت تسألني على أسماء عديدة لرجال أعرفهم جميعاً ليس لأن العرافة "المودرن" خطيرة وتقرأ الطالع كما تزعم، وإنما نظراً لاتساع شبكة معارفي بحكم العمل.. وكانت أسئلتها التي تصلح لكل فتاة وكل حالة: - مين الأبيضاني الرفيع الطويل اللي تعرفيه - ده حد زميلي - ومين عادل - أعرف أكتر من واحد اسمهم عادل حددي لي - فقالت في لهجة آمرة: قولي لي مين عادل - أعرف منهم 3، أولهم خالي والاتنين الباقيين رؤسائي في شغلي - الراجل ده بيحبك قوي وبيدعي لك على طول هكذا لم توضح إجابتها إن كان عادل خالي أو أحد رؤسائي هو المقصود ..! وسرعان ما تذكرت أستاذى عادل القاضي ،رحمة الله عليه، عندما كان يمزح معي ويقول " ايه أخبارك الشخصية ؟" ثم يتبع سؤاله دائما بدعاء، فقلت بداخلي " الله يرحمه ويحسن إليه"، وهززت رأسي بالموافقة رغم اقتناعي بأن المنجمين كذابين ولو صدقوا . وكان السؤال التالي عن حسام، فأجبتها بأنه أخو صديقتي، وأعترف بأنها لمّاحة واستطاعت قراءة عدم اهتمامي بالاسم من ردي، فالفراسة أهم ما يميز العرّافين لذا ينجحون في الإيحاء للبعض بصحة ما يقولون ، بعدها سألتني عن شخص يدعى "سيد" ، فسألتها ماذا تري أمامها بالنسبة له دون أن أخبرها شيئا عنه لا لشيء إلا لأني وببساطة لا أعرف أحدا بهذا الاسم، لكنها تهربت من سؤالي وسألتني عن "علي " ، فكررت نفس السؤال ماذا به وماذا ترين بخصوصه؟ أجابتني : "خلي بالك منه ده واد فرفور بتاع كلام وبس.. بيغني على البنات.. من الآخر متثقيش فيه خالص". حقاً كنت أعرف رجلاً أُجلّه وأقدّره اسمه "علي".. لكنه رجل كبير السن والمقام وليس واد صغير كما تزعم، والجميع يشهد له بالاحترام والتدين، وكان أحد رؤسائي في عملي القديم . وبعد استعراض قائمة الأسماء المبجلة سألتها في لهفة مصطنعة :أيهم العريس ؟ عندها اتكئت في اطمئنان وقالت في أسلوب لا يخلو من تشويق أنني سوف أتزوج رجلاً مختلفاً عن السابقين، مؤكدة أنه لن يكون من العائلة، وأنني أعرفه وتحدثت معه من قبل واسمه على اسم الرسول ، محمود أو محمد أو مصطفى، وأنه يعمل بالسعودية وسوف يعود قريباً ليتزوجني ، فقاطعتها قائلة : " بس أنا معرفش حد شغال في السعودية من الأساس" .. فارتبكت قليلا وقالت في مراوغة: "هو مش مقيم هناك بالضبط .. ده في مأمورية شغل ، وكمان مش في السعودية ده في الإمارات أو دبي أو البحرين ، راجعي نفسك كدة وانت هتعرفيه.. انتوا اتكلمتوا مع بعض قبل كده بس أكيد انتي ناسياه. وعندما لاحظت بذكائها الحاد أنني لا أعرف أحدا بهذه المواصفات أنهت المقابلة قائلة: أنا كده خلصت كلامي.. مش عايزة تسأليني على حاجة عايزة تعرفيها تاني ؟ شكرتها وأعطيتها الجنيهات الخمسة ،السعر الرسمي المتفق عليه، ومن يجود بأكثر لا مانع وأكثر الله من خيراته كما تقول. قبل أن أغادر منزلها أكدت أن أعود إليها في الأسبوع المقبل ومعي سلسلة فضة مكتوب عليها آية الكرسي كي تقرأ عليها قرآنا بطريقة مختلفة لا يعرف أسرارها أحد سواها، ثم أرتديها لتحصنني بها، وأن أكون على وضوء لأصلي أمامها ركعتي قضاء حاجة حتى يقف الله بجواري ويتم لي موضوع العريس على خير، لأن هناك كما تزعم امرأة حقودة ،في عمر أمي، كلفت من يعمل لي عملا سفليا بوقف حالي عن الزواج، وهذه السلسلة هي التي ستحميني والقراءة التي ستتلوها ستنهي كربي وتفك عقدتي وتزيل عني لقب عانس في أول عشرة أيام في الشهر العربي التالي لذي الحجة .. الحل عند الأسيس أخبرت جارتي الصغيرة بأن هذه المرأة ما هي إلا دجالة .. وأن كل كلامها غير حقيقي، ولم أوافقها عليه إلا حرجاً لأننا بمنزلها، فردت في تحد : " وانت ايش فهمك ، تعرفي انها جوّزت بنت محامي فقيرة جداً لعريس مستواه المادي مرتاح وأخدها بشنطة هدومها " فقلت : يا شيخة ؟! بطلي فشر فقالت : تعالي نزور أمها وهي تحكي لك بنفسها..هي مش بعيد دي في نفس الشارع بتاعنا. وافقت لأقف على تفاصيل القصة.. وهناك وجدتها امرأة بسيطة جدا حكت قصة زواج ابنتها دون خجل أو مواربة قائلة :البنت فضلت لحد سن ال30 من غير ولا عريس يدخل البيت، وبعد ما رحت لام هاني ونفذت اللي قالت عليه بالحرف الواحد، قالت لنا ان في عريس هيدخل البيت وان عنده عيب بسيط ولازم نقبل بيه وإلا الخدم " الجان" هيزعلوا من رفضنا ، وبعد أسبوع المحامي اللي شغالة عنده بنتي اتقدم لها، بس المشكلة انه كان متجوز وكان لازم نرفضه للسبب ده . ورجعنا لها تاني واحنا مرعوبين من الأسياد.. وبعد ما تأسفنا لها واستسمحناها بشرتنا بعريس تاني ، وفعلا اتقدم لها مهندس كان شافها قدام المحكمة، وأهله مستواهم عالي جدا وعنده شقة تمليك وعربية وجاب لها شبكة غالية جدا واتجوزها بشنطة هدومها . فقلت لها : " يا طنط انت بتاكلي من الكلام ده ..لو كان كلامها صح كانت أذت بنتك لما رفضتوا المحامي زي ما قالت لك.." ردت الأم ببساطة : " خلاص بلاش ام هاني روحي للأسيس اللي منى راحت له". قاطعتها : أسيس ؟!! قالت : "أيوة أسيس.. منى برضه مستواها زيك كده.. هي بتشتغل سكرتيرة ومعاها بكالريوس تجارة، بس كبيرة شوية عندها 30 سنة بالظبط ومفيش ولا عريس دخل البيت عندهم ولا اتقدم لها ، وراحت لأسيس في الزاوية الحمرا واداها مية مصلية تستحمى بيها وترشها في البيت ، وبعد أسبوعين اتخطبت ولبست الشبكة كمان". طيب بلاش منى ..عارفة الأستاذة نهاد المحامية اللى في أول الشارع .. اسأليها أهي دي مش بس اتجوزت عند المشايخ ..دي كمان بتخليهم يحلوا لها كل مشاكلها مع زوجها .. كل ما يضايقها أو تحصل لها مشكلة معاه تروح لشيخ مبروك ،لو عايزة اجيب لك اسمه وعنوانه منها، وهو بحق ربنا بيعمل لها حجاب يخليه زي العجينة في إيديها وهي على كده بقي لها سنين من ساعة ما تجوزت وعمرها ما غضبت ببركة سيدنا الشيخ.. ولو عايزة تتأكدي عندك سعاد المدرسة .. وسها الدكتورة في الشقة اللى قصادها و....و....و.... تركتها وانصرفت قبل أن تنهي حكاياتها التي بدت لى وكأنها لن تنتهي أبدا.. ليتأكد لي أن الفناجين أصبحت الحل السحري لحل أزمة عنوسة الألفية الثالثة!