بين مهرجان «كان» والسينما المصرية مشوار طويل.. وثمة تأريخ لواقعنا السياسى والاجتماعى من خلاله. فالسينما المصرية لم تشارك به بعد العدوان الثلاثى سنة 56 وبعد هزيمة 67.. وأشهر اعتراض سياسى فنى ضد الصهيونية مترجم بعلقة ساخنة من تحية كاريوكا لسوزان هيوارد.. وأول احتفالية بثورة 25 يناير كانت فى مهرجان «كان». السينما المصرية في هذا العام اقتصر تواجدها على عرض فيلم «باب شرقي» إخراج أحمد عاطف فى سوق الفيلم الدولي، يعالج الثورة السورية حيث يتناول حياة بعض الناشطين السوريين الذين لجأوا إلى القاهرة، ومعاناتهم مع التهجير، ويرفع الفيلم شعار «لا تصبح الحرب حرباً، إلا أن يقتل الأخ أخا».. وعرض أيضا فيلم «قصة حب على الفيس بوك» إخراج محيي الدين قندور، وهو أول فيلم يمثله الفنان الشاب محمد كريم علي هامش مهرجان كان السينمائي.. وفى عام 2011 كانت مصر ضيف شرف مهرجان «كان» حيث تعد أول دولة ضيف على المهرجان في تقليد جديد تم إتباعه سنوياً، وعرض فيلم 18 يوماً الذى تناول المظاهرات التي شهدتها مصر حتى تنحي الرئيس السابق حسنى مبارك، للمخرجين شريف عرفة وكاملة أبو ذكرى ويسري نصر الله ومريم أبوعوف ومروان حامد ومحمد على وخالد مرعي وشريف البنداري وأحمد عبدالله وأحمد علاء. وهى أفلام تم تنفيذها في وقت قصير وبميزانية ضئيلة، وللأسف طغى على المهرجان خلافات الفنانين وانسحاب عمرو واكد اعتراضا على وجود المخرج شريف عرفة الذي أخرج الحوار الذي أجراه الإعلامي عماد الدين أديب مع مبارك قبل انتخابات الرئاسة في 2005 الأخيرة، وأيضا المخرج مروان حامد الذي أخرج الحملة الدعائية للحزب الوطني، وعرض خلال المهرجان فيلمان طويلان أحدهما في قسم «كلاسيكيات مهرجان كان» وهو نسخة حديثة من فيلم «البوسطجي» لحسين كمال إنتاج عام 1968، والثاني هو فيلم «صرخة نملة» لسامح عبدالعزيز وبطولة عمرو عبدالجليل من إنتاج عام 2011، وهو عمل ضعيف للغاية وكان يحمل اسم «الحقنا يا ريس»!. وتمت كتابته قبل الثورة وتم تصوير أكثر من 95% من مشاهده قبل الثورة ولكن تم إلغاء بعض المشاهد وإضافة أخري متعلقة بالثورة. وفى 2012 شاركت مصر بفيلم «بعد الموقعة» ورغم وجود ملاحظات سلبية عليه إلا أنه كان أول فيلم يتناول الثورة بشكل مباشر. وحاول يسري نصر الله إيجاد حقيقة ما حدث في موقعة الجمل. الطريف أنه فى بداية الألفية الجديدة كانت هناك أفلام مصرية تشارك فى سوق المهرجان أو على هامشه وكان يتبعها ماكينة إعلام ضخمة لا تتوقف عن الدعاية للفيلم، مثل ما حدث مع (ليلة البيبي دول)المشارك فيه مجموعة كبيرة من النجوم الكبار ولكنه كان صدمة فنية كبرى. أما «عمارة يعقوبيان» للمخرج مروان حامد فعرض في سوق مهرجان كان السينمائي التاسع والخمسين ونال استحسان النقاد العرب والأجانب. وتاريخ السينما المصرية مع كان بدأ بعرض «دنيا» إخراج محمد كريم عام 1946، واختير يوسف وهبي عضواً في لجنة التحكيم. وفي عام 1949 كان «البيت الكبير» إخراج أحمد كامل مرسي عن علاقة الزوجة بالحماة في بيت واحد، وعرض فيلم «مغامرات عنتر وعبلة» إخراج صلاح أبوسيف وفى عام 1952، «ليلة غرام» إخراج أحمد بدرخان وظهر فيه أسلوب بدرخان الرومانسي و«ابن النيل» إخراج يوسف شاهين. في الخمسينيات، شاركت مصر في مسابقات مهرجان «كان» بفيلم «الوحش» إخراج صلاح أبوسيف وكان نجيب محفوظ كاتبًا للقصة السينمائية لأول مرة وللسيناريو مع أبو سيف، وهو عن قضية «الخط». الذى كانت جرائمه قد شغلت الرأي العام في أوائل الخمسينيات. اعتمد السيناريو كالعادة اعتمادًا أساسيًا على الخطوط الرئيسية للوقائع الحقيقية.. وشارك «صراع في الوادي» إخراج شاهين عام 1954، حيث أدخل اللقطات الواسعة فى مشاهد تصوير المطاردة في معبد الكرنك واستخدم الضوء استخداما لم تعهده السينما المصرية من قبل. و«حياة أو موت» إخراج كمال الشيخ عام 1955، عندما أعيد عرض الفيلم ضمن تظاهرة خاصة في «معهد العالم العربي» في باريس في ربيع العام 1991، شكل مفاجأة حقيقية، للجمهور الفرنسي.ويعتبر الفيلم أحد تحف السينما المصرية على مدى تاريخها، ثم جاء «شباب امرأة» إخراج أبوسيف 1956. بطولة النجمة الراحلة تحية كاريوكا وشكري سرحان وعبدالوارث عسر وشادية وسراج منير وقصة أمين يوسف غراب وسيناريو صلاح أبوسيف مخرج الفيلم وتحية كاريوكا بطلة الفيلم ذهبت إلي «كان» لحضور المهرجان مرتدية الملاية اللف, وحدث في حفل عشاء.. ضم نجوم الفيلم ونجوما من المهرجان من بينهم سوزان هيوارد الشهيرة ودار حوار عن العرب والإسرائيليين فتطاولت هيوارد علي العرب.. فاندفعت تحية كاريوكا تجاهها وضربتها بالحذاء. فى عام 1964 عرض «الليلة الأخيرة» إخراج كمال الشيخ عام 1964، و«الحرام» إخراج هنري بركات عام 1965،عن قصة يوسف إدريس ثم «الأرض» إخراج شاهين عام 1968، يعد فيلم «الأرض» من أروع الأفلام في ذاكرة السينما لأنه يتحدث عن حقيقة مهمة في حياة الإنسان وهي أرضه وهويته وحقه المشروع في الدفاع عنهما. عن رواية الكاتب المصري عبد الرحمن الشرقاوي، بطولة محمود المليجي, عزت العلايلي, يحيى شاهين ونجوى ابراهيم. ويعتبر أحد أهم أفلام السينما المصرية.وفي احتفالية مئوية السينما المصرية عام 1996 تم تصنيفه في المركز الثاني ضمن أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية تم ترشيح الفيلم لنيل جائزة السعفة الذهبية لمهرجان «كان» السينمائي. وأبرز مشاهد الفيلم مشهد الختام بسقوط أبو سويلم «محمود المليجي» وسحله على وجهه وتشبثه بالأرض ممسكاً عيدان القطن وامتزاج دمائه بالأرض ليرويها مع موسيقى على إسماعيل وترديد عبارة «الأرض لو عطشانة نرويها بدمانا». وعرض «العصفور» إخراج شاهين في «نصف شهر المخرجين» عام 1973، وكان ممنوعاً من العرض في مصر حتى 1975. وبحث يوسف شاهين في فيلمه عن أسباب الهزيمة.. وأصبحت «بهية» رمزا للوطنية ورمزا لمصر لتجسد في نهاية الفيلم بصرختها «لأ، ح نحارب لأ، ح نحارب» رغبة الشعب المصري في النضال. فهذا الفيلم كان تسجيلا مهما لعودة صوت الشعب. ولأن يوسف شاهين له تواجد خاص فى كان منذ ابن النيل فقد حصل على الجائزة التذكارية لليوبيل الذهبي للمهرجان عام 1997 عن مجموع أعماله. التى تواجدت فى كان «الوداع يا بونابرت» عام 1985، «اليوم السادس» 1987 و«إسكندرية كمان وكمان» 1990 «المصير» عام 1997، و«الآخر» 1999، و«إسكندرية.. نيويورك» عام 2000. وعرض لمحمد خان «عودة مواطن» في «نظرة خاصة» 1987، مع السيناريست عاصم توفيق، ويقدمان إدانة لأفراد الطبقة المتوسطة ومثقفيها كما يدينان ظروف المجتمع وتحولاته و«عودة مواطن» فيلم متكامل من الناحية الدرامية، حيث يقدم لنا شخصيات مرسومة بعمق ومدروسة بعناية و«في نصف شهر المخرجين» عرض فيلم «الحب فوق هضبة الهرم» إخراج عاطف الطيب عام 1985، عن مشاكل الشباب المصري في الثمانينيات، وبالتحديد شباب الطبقة المتوسطة، الذين يعيشون أزمات هذا العصر.. و«سرقات صيفية» إخراج يسري نصرالله 1988، الذي بشر بميلاد مخرج جديد ذي رؤية سينمائية فكرية واجتماعية واعية، وعرض في افتتاح تظاهرة نصف شهر المخرجين في مهرجان «كان» الدولي 1988.