محلل سورى: الانضمام للجامعة العربية أمر شكلى.. ودور مصر ساهم بقوة فى التقارب العربى لسوريا يأتى العيد حينما تبتسم الأطفال وتتزين بملابس جديدة، تنتظر الصباح بلهفة المشتاق للحظة سعيدة وسط تكبيرات وتهليل فرحا بقدومه، وتفوح رائحة الكعك جدران المنازل الدافئة، لكن يظل الوضع هنا مختلفا, التكبيرات التى اعتادوا عليها تلك التى تتردد لحظات القصف، الملابس تأتى من المساعدات والجمعيات الخيرية بعد غياب أب عن رعاية أبنائه ففقدوا فرحة اصطحابهم لشرائها والتدلل على رب الأسرة، تبدلت رائحة الكعك برائحة الخوف والغبار الذى يملأ الهواء، العيد هو الجدران التى تضم أسرة كاملة بل هنا أصبح لبقايا أسر كل فرد فيها يحلم أن يأتى العيد الحقيقى بإزاحة الستار عن مسلسل الرعب الذى عاشوه طيلة 12 عاماً من الحرب والرصاص وأخيرا الزلزال, هؤلاء يريدون سماع صواريخ العيد المبتهجة لا صواريخ الدمار التى تقتل بعضهم وتشرد الآخر. كل عام خلال السنوات الماضية يمارس سكان المخيمات واللاجئون السوريون فى مختلف المناطق الفرحة على استحياء فى محاولة لتعويض أطفالهم عن الحياة الغائبة المفقودة فى انتظار ما لا يأتى بعد، فى انتظار العودة إلى الديار إلى عائلاتهم لتوزيع المعمول السورى الشهير وزيارة بعضهم البعض بالمنازل رافعى الرأس على أرضهم فى حماية وطنهم لا حماية قطع من القماش قد تطيح بفعل الهواء، للصلاة فى ساحات المساجد لا للصلاة على قتلاهم من ضحايا الحرب, تملأ عيونهم الحسرة على أطفالم الذين لم يعرفوا معنى العيد يوما، السوريون الذين عاشوا كل عيد فى محاولة لنسيان 350 ألفاً و209 قتلى خلال 10 سنوات بحسب تقرير للأمم المتحدة فى يونيو الماضى. ازداد الأمر سوءا بفعل زلزال سورياوتركيا الذى وقع أوائل فبراير الماضى ليعمق الجراح ويهدم المنازل الذى زادت المهجرين والمشردين من الشعب السورى الذى عانى كثيرا ففقدوا ذويهم بنحو 7 آلاف بخلاف العائدين من تركيا لينضموا إلى مكنوبى الحرب والزلزال فلم تمنحهم فرصة اللجوء لتركيا الحياة التى بحثوا عنها هناك. لم يكن الشعب السورى القاطن على أرضه حتى الآن أحسن حظا فهؤلاء يعيشون بالكاد وسط تضخم اقتصادى غير مسبوق، اعلنوا فى ظله تخليهم عن مظاهر العيد، فلا شراء لملابس الأطفال ولا داعى حتى للمأكل الذى تعدى ثمنه آلاف الليرات ليصابوا بحالة من الانكسار.. فلم يأتهم العيد بعد. تأتى تلك الأوجاع وسط حالة من الأمل يلوح فى الأفق بالحديث عن عودة سوريا إلى أحضان الدول العربية، فمن وسط محنة الزلزال كان هناك منحة التقارب السورى العربى، حتى أصبحت عودة دمشق إلى الجامعة العربية قريبة وقد تكون الشهر المقبل خلال القمة المنعقدة فى الرياض، وربما يكون هناك انفراجة لسوريا بعد سنوات من القطيعة لتخفيف الضغط الشعبى على سوريا. ففى ظل الأحداث المتصاعدة بعد الزلزال الذى ادى إلى خسائر مقدرة ب5 مليارات دولار، مدت الدول العربية يد العون لسوريا حيث فتحت لأول مرة منذ 2011 بوابة الاتصالات بين الرئيس السورى بشار الأسد وزعماء الدول العربية على رأسها مصر والأردن والبحرين وغيرهم، فضلا عن الزيارات الدبلوماسية من مصر والأردن، بجانب الإعلان عن فتح السفارات بين كل من سوريا وتونس والسعودية أيضاً لاستئناف تقديم الخدمات القنصلية، بخلاف استقبال مصر لوزير الخارجية السورى والسعودية والجزائر والبحرين. واعتبر المراقبون أن هذا التغير السياسى جاء مفاجئا للأسد، فيما رجح المحللون أن هذا الأمر يتم الترتيب له منذ 3 سنوات لإعادة سوريا إلى محيطها العربى بعد الفشل فى تسويه الأوضاع بسوريا وتمسك الرئيس بالحكم. ونتيجة لحالة القمع التى شهدتها سوريا اضطرت الدول العربية فى 2011 لتعليق عضويتها بالجامعة العربية ودعت الدول لسحب سفرائها والتزم الجميع بالأمر، فى ظل ذلك تحالفت إيران مع النظام السورى والتى تعد خصما لدول عربية على رأسها السعودية، حتى تلاشى الأمر قريبا بإعلان الرياض وطهران بعودة العلاقات مما يساعد فى رسم جديد للعلاقات العربية وفى مصلحة دمشق الباحثة عن العودة. وبالنظر إلى مميزات تلك العودة نرى أنها تحمل المزيد من النفع الاقتصادى فى ظل التخلص من الميليشيات المتحكمة فى حقول النفط ودخول سوريا إلى مجموعة الدول التى يتم اكتشاف الغاز بها، بعد الانخفاض الذى ضرب ذلك القطاع بنحو 80% فى الفترة بين 2010 و2022 بحسب تقرير البنك الدولى الصادر مطلع العام الجارى. أما عن الصعاب التى تواجهها سوريا تكمن فى محاولات الولاياتالمتحدةالأمريكية عرقلة العودة العربية لسوريا والتى حال إتمامها ستسجل صفعة جديدة للسياسة الأمريكية فى منطقة الشرق الأوسط نظرا لرفض الولاياتالمتحدة عودة العلاقات الإقليمية مع إيران فى ظل التعنت الإيرانى حول برنامجها النووى ومع سوريا التى تشن الولاياتالمتحدة على ارضها قصفا عسكريا متكررا ضد الحرس الثورى الإيرانى ولكن قد يتراجع فى ظل الضغط العربى فى محاولة لإظهار المرونة، وتظل هذه الأسئلة معلقة وستجيب عنها الأيام القادمة، فى ظل تأجيل تلك القرارات بشكل حاسم لما بعد العيد، فهل تحمل نهايته بداية جديدة لشعب مكلوم باحث عن عيدية حقيقية؟ يرى يعرب خيربك المحلل السياسى السورى أنه منذ وقوع الحرب على سوريا والعيد يمر على أهلها تذكره برحمة الله ويعيد إيقاظ الضغط الاجتماعى والاقتصادى الكبير التى يعيشها المواطنون، مما ينعكس على الجانب المعيشى والأمني ووسائل الحياة كلها بأبسط أشكالها، لذلك هى ظروف قاسية للغاية زادتها أزمة كورونا والحصارالاقتصادي, فضلا عن سرقة النفط فى الشرق السورى واحتلال تركيا لشرق سوريا، ثم جاء الزلزال ليضع مزيد من المآسى ويزيد المشردين الذين فقدوا منازلهم واضطروا للعيش فى مراكز مؤقتة مما فرق العائلات عن بعضها ويأتى العيد ليعمق مشاعر البعد عن الأهل وهو ما يشكل صعوبة وخاصة أن هناك حاجة للتبضع ويشعر المواطن بالعجز فى تلك المناسبات. وأضاف المحلل السورى «بالنسبة للوضع السياسى والتقارب السورى العربى بدأ الأمر بالعلاقة مع الإمارات، ثم جاءت زيارة وزير الخارجية المصرى سامح شكرى لسوريا فى أعقاب زلزال فبراير المدمر وما حملتها من معانٍ كبيرة على الجانب العاطفى والاجتماعى وليس السياسى، وخاصة مع حجم مصر بالنسبة للدول العربية ورغم الحديث عن العلاقة بدول عربية أخرى لكن يبقى لمصر أهمية كبرى نظرا لحجم قوة مصر وتأثيرالمركزية المصرية فى الواقع العربى وهذا كله كان له إضافة لهذه الانفتاحات على سوريا. أما عن الحديث عن انضمام سوريا للجامعة العربية أوضح «خيربك» أنه لا يوجد تعويل على العودة للجامعة العربية ولكن التعويل يظل على عودة العلاقات العربية، وهناك اهتمام كبير بتلك الخطوات أما الجامعة فهى قضية شكلية أكثر منها قضية يمكن الاستفادة منها. وبشأن استفادة المواطن السورى من كل الإرهاصات الواقعه حاليا حول سوريا قال: «هناك نقاط كثيرة تؤكد أن هناك تحسنات ستشهدها سوريا وهناك عودة للحركة يدل على ذلك الزيارة الصينية لسوريا وهى عودة للحركة بشكل ملفت بما يؤكد بانفتاح كبير ليس فقط من الجانب العربى وهذا يوفر فرصا كبيرة للسوريين إلا أن استمرار سيطرة أمريكا على النفط واستمرار التهديد الإسرائيلى يهدد بوقوع حرب فى المنطقة وهو ما يخيف رؤوس الأموال الكبيرة من أى مشروع يحقق آثاراً إيجابية للمواطن السورى وهو ما يعرقل الانفتاح الملموس على أرض الواقع.