أمراض مميتة يختفى أصحابها عن أنظار الساحة الإعلانية التى تتكدس فى شهر رمضان، ففى الوقت الذى تزدحم فيه قنوات التليفزيون بإعلانات التبرعات وحجز الكمباوندات ومختلف السلع الاستهلاكية نجد أن هناك آلاف المرضى يموتون كل يوم بعيداً عن الأضواء، فالمستشفيات التى يعالجون فيها لا تقوى ميزانيتها على تحمل تكلفة الإعلانات، وبالتالى فهم يموتون فى الظل بدون أن يسمع أنينهم أحداً. الجذام... نظرة المجتمع أشد ألماً من المرض نفسه مرض يؤثر على الجلد الخارجى مما قد يؤدى إلى تشوهه، وقد يصل الأمر إلى بتر بعض أعضاء الجسد، ولكن قبل التحسس من شدة المرض والتنويه عن صعوبة الألم، يجب توجيه الأنظار إلى استحالة التعايش النفسى مع هذا المرض، بسبب نظرة المجتمع المنفرة لهؤلاء المرضى. وحكى لنا الدكتور كريم كرم، عضو نقابة الصيادلة، عن معاناة يعيشها المرضى بمستشفى الجذام ويقول: «يعيشون موتى على قيد الحياة والحكومة آخر من يعلم، فبرغم مساحة المستشفى الشاسعة والتى تبلغ 12 ألف فدان بمنطقة أبوزعبل بالقليوبية، فإنها أصبحت فى طى النسيان، فالجميع يفر من المرضى الذين يصل عددهم إلى 808 مرضى، حتى أصبحوا منفيين بعيداً عن الحياة، لافتًا إلى أن هذا المرض تسببه بكتيريا بطيئة التكاثر، ويؤثر على الجلد والأعصاب والغشاء المخاطى للقناة التنفسية العلوية والعينين، وهو غير شديد العدوى، ولكنه ينتقل عبر رذاذ الأنف والفم أثناء المخالطة. وأضاف أن نزلاء هذا المستشفى يقضون عمرهم بالكامل بمعزل عن الحياة داخلها لدرجة أن من يموت يدفن بالمقابر التابعة لها، ويتزوجون من بعضهم البعض، وينتقلون إلى «عزبة الصفيح» التى اتخذوها سكنًا لهم بعيدًا عن زحام الحياة وأعين الناس الرافضة لوجودهم. وأكد «كرم» أن المرضى يعيشون على تبرعات الأهالى القريبين منهم، ولذلك فالطعام غير كاف، وهناك نقص دائم فى الأدوية بالإضافة إلى نقص أعداد الأطباء المعالجين، فلا يوجد اهتمام مادى أومعنوى، ولذلك يطالب كرم المجتمع المدنى ووزارة الصحة بتوجيه أنظارهم أو جزء من تبرعاتهم لذلك المستشفى. وأكد أن الإصابة بالجذام قد تكون لها تداعيات خطيرة فى حالة إهمال العلاج، مثل العمى وتشوه الوجه والعقم والفشل الكلوى وضمور العضلات وتلف الأنف والأعصاب الطرفية وغياب الإحساس بالألم، وتساقط الأطراف فى المراحل الأخيرة، لذلك لا بد من مساعدة هؤلاء المرضى بدلاً من تركهم لهذا الوحش المفترس. السمكية.. قشور جافة تحجب الرؤية عن المجتمع!! «قشور جافة تغطى سطح الجلد، تمنح البشرة شكلاً شبيهاً بجلد السمكة، فهو اضطراب جلدى تتراكم فيه خلايا الجلد الميتة فى قشور سميكة، وهناك قشور ملونة بالأبيض أو الرمادى أو البنى أو قشور قاتمة اللون»، هذا هو مرض السمكية الذى ما زال يبحث المصابون به عمن يتبنى حالاتهم. وتحكى لنا إيمان سليمان، مدربة تنمية بشرية وباحثة دكتوراة فى كلية الدراسات العليا والبحوث البيئية جامعة عين شمس، وعضو لجنة شؤون البيئة بالمجلس الأفريقى لحقوق الانسان، معاناة ابنتها مع هذا المرض النادر، قائلة: طفلتى ذات ال10 أعوام ولدت بمرض السمكية، حيث ظهر على جسدها احمرار وقشور مسببة التهاباً شديداً، وتزداد الأعراض فى فصل الشتاء، وهذا المرض لا يوجد له أى علاج حتى الآن، لأنه مرض جينى يعتمد على المرطبات فقط ولكنها غالية الثمن، حيث يتم دهن الجسم يوميًّا بكمية كبيرة من الكريمات، لذا يعتبر هذا المرض عائقاً لدى معظم الأسر، لارتفاع أسعار العبوات التى يجب دهن الجسم بها يوميًّا. وتابعت «سليمان»، تظهر القشور فى الكوع والرجل، كما تمنع التعرق، وأضافت هذا المرض ليس معدياً، فهو مرض وراثى يأتى نتيجة زواج الأقارب، وأحياناً تصاحبه أمراض، مثل السرطان أو الغدة الدرقية أو فيروس نقص المناعة المكتسب، لافتة إلى أنه لا يوجد علاج نهائى له حتى الآن، حيث يتمركز علاج مرض قشر السمك على تزييت الجلد بهدف التخلص من طبقة القشرة السميكة، أو من خلال استخدام المراهم والكريمات التى تحتوى على 10% يوريا (البولينا) بهدف ترطيب الجلد وإخفاء القشور بشكل مستمر ومنتظم، أو باستخدام الأدوية الفموية التى تحتوى على مواد ريتينالية كمادة فعالة. وأكدت الدكتورة إيمان أن أهم المشاكل التى تواجه مرضى السمكية أو قشر السمك هى المشاكل النفسية أكثر من الآلام العضوية، فبرغم الألم الشديد للحكة وتيبس الجلد والتحسس الشديد وانشقاق الجلد، فإن جميعها لا تساوى شيئًا بجانب الألم النفسى، الناتج عن نظرة المجتمع فهم يعتبرونهم من المشوهين، لذا يصبح المريض غير قادر على مواجهة المجتمع بسبب التنمر والسخرية التى يتعرض لها. أما عن أسباب ابتعاد هذا المرض عن الساحات الإعلانية، فأشارت إلى أن المجتمع يعتبره مرضاً مزمناً وليس مرض حياة أو موت، رغم أن تكلفة علاجه عالية جداً تصل إلى 4آلاف جنيه فى الشهر وهذه التكلفة لا تقدر عليها الكثير من الأسر، لذا لا بد أن توعية الجميع للتبرع لهؤلاء المرضى. مرضى الهيموفيليا فى انتظار البلازما مرض يصيب الدم، يواجه المصابون به الموت كل يوم، ومع ذلك لا يعرف أحد عنهم شيئاً، هؤلاء هم مرضى الهيموفيليا أو نقص عوامل التجلط فى الدم، الذين يصل أنينهم لعنان السماء ولكن أهل الأرض لا يسمعون. محمد أبوحجر، أحد هؤلاء المرضى، أكد أن مرضه عبارة عن نقص فى أحد عوامل التجلط فى الدم، وهو مرض وراثى غير معدٍ، وينتج عن خلل جينى، ويحتاج إلى البلازما باستمرار، وتشكل البلازما ذات اللون الأصفر نحو 55% من الدم وتؤدى العديد من الوظائف الرئيسية فى الجسم، مثل نقل بروتينات التخثر والمناعة والمعادن والفيتامينات، كما تدخل بلازما الدم أيضاً فى صناعة الأدوية، حيث إنها تلعب دوراً محورياً فى تصنيع أدوية علاج نقص المناعة الخلقى، وتساعد فى شفاء العديد من الأمراض المزمنة. وتابع «أبوحجر» أن مرض «الهيموفيليا» ينتج عنه نقص فى مستوى عامل التجلط الثامن «هيموفيليا أ» أو عامل التجلط التاسع «هيموفيليا ب» ما يؤدى إلى زيادة احتمالية حدوث نزف، وقد يتعرض المريض لحدوث نزيف المفاصل وهى العلامة المميزة للهيموفيليا وقد يحدث بسبب الإصابات أو بدون سبب إذا كان المرض شديداً، بالإضافة إلى النزف العضلى وتورم العضو المصاب، كما أنه يمكن أن يحدث نزيف متكرر فى مفصل معين ما قد يؤدى إلى تلف المفصل. وأكد أن هناك العديد من المشاكل التى تواجه مرضى الهيموفيليا، منها أن العلاج على نفقة الدولة يكون بمدة معينة، وعدد مستلزمات طبية معينة لا تكفى المريض، كما أنه يوجد أنواع من الأدوية لا يوفرها التأمين الصحى، ولذلك يطالب محمد بإنشاء جمعيات مدنية لرعاية هؤلاء المرضى وحملات إعلانية لتبنى حالاتهم، مشيراً إلى أنه توجد جمعية واحدة لرعايتهم ولكنها لا تستطيع التكفل بكافة حالات المرضى، منوهًا إلى أهمية نشر الوعى عن هذا المرض وكيفية التعايش معه للمرضى وأسرهم ومقدمى الرعاية الصحية وجميع أفراد المجتمع. العظم الزجاجى.. البحث عن علاج «مرض العظام الزجاجية أو العظم الزجاجى» واحد من الأمراض النادرة فى مصر، وهو مرض وراثى فى الجين المسئول عن تكوين الكولاجين مما يتسبب فى نقص كتلة العظم، ويعانى منه عدد كبير من الأطفال وأسرهم وجميعهم فى انتظار من ينظر إليهم. وتحدثت أمانى سيد عن إبنها البالغ من العمر 8 سنوات، والمصاب بهذا المرض مؤكدة أن ابنها يعانى من عظامه الهشة التى تنكسر بسهولة لأى سبب بسيط، وأحياناً تنكسر بدون سبب، وهناك أنواع أو درجات مختلفة للمرض، ولا يوجد له علاج شافٍ حتى الآن، وأضافت أن العلاج يتركز فى محاولة منع الكسور أوعلاجها، ولكن هناك مصابين يحتاجون لعمليات غرس أسياخ معدنية فى العظام، مطالبة بتوجيه الدعم المادى لأسر هؤلاء الأطفال، وفتح جميعات لاستقبال حالاتهم والتكفل بعلاجهم، وجمع تبرعات للمساعدة فى شفائهم. وأكدت أن بعض المصابين يحتاجون لدواء اسمه الزوميتا وسعره مرتفع جداً، لذلك يتكفل به متبرعين لأن التأمين لا يوفره، مشيرة إلى أن هناك مرضى ينتظرن شهوراً طويلة لحين توفر متبرعين لشرا الدواء. وأشارت إلى أن دور التأمين الصحى يقتصر على إجراء العمليات الجراحية، وهى تتم بالدور لافتة إلى أن ابنها يحتاج ل 6 عمليات، وحسب دوره فأنه سيجرى أول عملية بعد عامين، فضلًا عن دفع الأسرة جزء من التكلفة والتى تتراوح بين 40 إلى 60 ألف جنيه، يتحمل منها التأمين 35 ألفاً وتتحمل الأسرة الباقى الذى يصل إلى 25 ألف جنيه، موضحة أن الانتظار يعتبر أكبر مشكلة تواجه الأسر إذ إنه يتسبب فى حدوث تشوهات إذا لم تتم العملية فى أسرع وقت. فيما ناشد أسامة حسين كشك، المقيم فى مدينة إدكو محافظة البحيرة، وزارة الصحة، علاج ابنه محمود، البالغ من العمر 10 سنوات، الذى يعانى من مرض «العظم الزجاجى»، قائلًا: «منذ مولده وهو يعانى من ليونة فى المفاصل وانحناء وتقوس فى العمود الفقرى وانحناء وتقوس الساقين وقصر القامة وضعف العضلات ورقة الجلد وتحوله للون الأزرق بسبب الكدمات الصغيرة، بالإضافة إلى أعراض أخرى مثل زيادة التعرق وعدم تحمل الحرارة وميل بياض العين إلى اللون الأزرق أو الرصاصى. وتابع الأب: أحمد يحتاج للعلاج على نفقة الدولة لأن علاجه غالى جدا، ولا استطيع توفير تكاليفه، قائلاً: «نفسى أشوف ابنى بيلعب زى باقى الأطفال». وناشد الوزارة توفير كرسى متحرك لعدم قدرته على الحركة، بالإضافة إلى محاولة إنهاء البطاقة المتكاملة لتوفير عربة للمعاقين له. هيربس.. عدوى تدوم طول العمر خالد فتحى، الحاصل على الدكتوراه فى علم الأمراض والأحياء الدقيقة، والباحث بمعهد بحوث أمراض النباتات بمركز البحوث الزراعية بالجيزة، أكد أن فيروس هيربس عبارة عن نوعين: الأول عبارة عن تقرحات فى اللسان والفم وبعض الأجزاء فى الوجه، والثانى هو التناسلى وعلاجه هو تخفيف نوبات الألم فى منطقة الاصابة وعن طريق الدهان الموضعى لتخفيف الم الحكه والهرش، مشيراً إلى أن العدوى تستمر طوال العمر. وتابع «فتحى»: بعد العدوى الأولية، يظل الفيروس كامنًا فى جسم الإنسان ويمكن أن ينشط عدة مرات سنويًا، بل إنه يمكن أن ينتقل للآخرين حتى لو لم تكن هناك قرح ظاهرة، موضحاً أنه لا يوجد علاج وقائى لمرض هربس، ولكن يمكن أن تخفف الأدوية من الأعراض وتقلل من خطر نقل العدوى للآخرين. وأكد أن هذا الفيروس قد يصيب المعدة مسبباً القرح، والتى تتكون عند تمزق البثور أو نزفها، وقد تسبب القروح ألمًا عند التبول، وخلال التفشى لأول مرة، قد يعانى المريض أعراضاً تشبه الإنفلونزا أوأعراضاً مثل تضخم الغدد الليمفاوية فى الفخذين والصداع وآلام فى العضلات والحمى، وقد تنتشر العدوى عن طريق لمس قرحة ثم فرك أو خدش منطقة أخرى من الجسم بما فى ذلك العينين. وأوضح أن هذا المرض قد ينتقل بسهولة من شخص لآخر من خلال ملامسة الجلد الرطب، أو من خلال ملامسة مناطق أخرى من الجلد أو العينين، ولا يمكن لأى شخص أن يصاب بفيروس الهربس البسيط عن طريق لمس شيء أو سطح مثل حوض الغسيل أو المنشفة. وقد يصاب الرجال والنساء بتقرحات على الأرداف والفخذين، والشرج، والفم، كما يمكن انتقال العدوى لحديثى الولادة، حيث يمكن أن يتعرض الأطفال الرضع الذين وُلِدوا لأمهات تعرضن للإصابة بالمرض خلال عملية الولادة، وقد يؤدى هذا المرض إلى تلف فى الدماغ أو الإصابة بالعمى أو وفاة الطفل حديث الولادة، وفى حالات نادرة، يؤدى فيروس الهربس البسيط إلى التهاب الأغشية والسائل الدماغى الشوكى المحيط بالدماغ والنخاع الشوكى. مساندتهم واجب وأوضحت الدكتورة ريهام أحمد عبدالرحمن، باحثة فى الإرشاد النفسى والتربوى بجامعة القاهرة أن التبرع لهذه الفئات ضرورة، قائلة: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (وَاللهُ فى عَوْنِ العبد ما كانَ العبد فى عَوْنِ أَخِيهِ)»، أعراض المرض وإن كانت مؤلمة لجسد المريض ونفسيته ولكن يوجد ما هو أشد إيلاماً منها.. ألا وهو التجاهل والنبذ لأصحاب الأمراض المستعصية كمرضى البهاق، والتصلب، والجذام تلك الأمراض التى تجعل المريض يشعر بأنه أصبح غير مرغوب فيه من المجتمع مما يؤثر على صحته النفسية. وطالبت بضرورة إنشاء مراكز للتعافى من تلك الأمراض وإمدادها بكل سبل الإعاشة والراحة، مشيرة إلى أهمية تأهيل المرضى للمشاركة الفعالة فى المجتمع وتدريبهم على ممارسة الأعمال المناسبة لهم بحيث يمكنهم العيش والكسب وإعالة أنفسهم وأسرهم، فضلًا عن نشر كافة المعلومات الصحيحة عن المرض، وطريقة التعامل الصحيح مع المرضى، مشيرة إلى أهمية دور وسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدنى لرفع الوعى المجتمعى بهدف تقبل هؤلاء المرضى واستيعابهم. وأضافت قائلة: من ضمن الأمراض التى لا يتم إلقاء الضوء عليها: البهاق والسمكية والهيموفيليا، فهى أمراض غير معدية، وبالتالى لا يوجد أى سبب لتجنب المصابين بها، وقد أثبتت الأبحاث والدراسات النفسية أن خطر الإصابة بالأمراض النفسية كالتوتر والقلق والاكتئاب يزداد لدى مرضى الجذام وبعض الأمراض الجلدية المستعصية نتيجة للنبذ وعدم تقبل المريض لمظهره، أو التعرض للتنمر من قبل الآخرين، وبالتالى فيجب على الأسرة والمجتمع تقديم الدعم والمساندة النفسية اللازمة لهم لأنهم جزء أصيل من المجتمع، وذلك من خلال الحرص على تقديم الدعم النفسى والمعنوى لهم، بالإضافة إلى دور الأسرة فى الاحتواء النفسى للمريض ومساعدته على تقبل مرضه والتعايش معه، ولا ننسى دور مؤسسات الدولة فى تقديم الدعم المعنوى والإرشاد من قبل المتخصصين، ومساعدة المرضى فى عدم الانغلاق على أنفسهم حتى لا تزداد حالتهم سوءاً، واهتمام الإعلام بتقديم كافة أشكال التوعية ضد التنمر بجانب الاهتمام بتقديم أعمال درامية تناقش مشكلات أصحاب الأمراض المستعصية النفسية والأسرية وكيفية معالجتها، كما ينبغى على الدولة والمجتمع توفير سبل الرعاية الصحية والنفسية والاجتماعية والمادية لهؤلاء المرضى وذلك من خلال التبرع لبناء المستشفيات وتوفير الأدوية وفرص العمل التى تضمن لهم الدمج الحقيقى فى المجتمع.