هل تعلم أن تكلفة علاج كثير من مرضى سيولة الدم المعروفة باسم «الهيموفيليا» تصل إلى نحو 250 ألف جنيه سنوياً للفرد الواحد وأن هناك نحو 12 ألف مريض فى مصر 58% منهم أطفال معظمهم لا يحصلون على الدواء لتكاليفه العالية. وبرغم أن وزارة الصحة أعلنت أخيراً أنه سيتم زيادة الاعتمادات المالية والعلاجية لمرضى «الهيموفيليا» أو سيولة الدم، إلا أن معاناة المرضى مستمرة، فأعراض المرض مؤلمة ومضاعفاته تشمل النزيف التلقائى بالجسم وأخطرها نزيف المخ الذى يحدث ل 10% من الأطفال المصابين فى السنوات الأولى من العمر، كما يتسبب فى نزيف المفاصل والعضلات ويؤدى إلى تليفها والإعاقة الحركية، فى حين أن الدولة تدعم المرضى بشراء 20 مليون جرعة (فاكتور) بمبلغ 40 مليون جنيه سنوياً، وهى نسبة ضئيلة لا تكفى سوى لعلاج 2000مريض فقط. الدكتور محمود فؤاد، رئيس مركز الحق فى الدواء أوضح أن تكلفة العلاج الوقائى للمريض الواحد فى العام تتراوح مابين 100 و250 ألف جنيه ويبلغ ثمن الحقنة العلاجية الواحدة 1300 جنيه، ولأنه مرض مزمن فإن تحسين حياة المريض يستلزم زيادة ميزانية علاج مرضى الهيموفيليا لإنقاذ الأطفال حديثى الولادة المصابين لتجنب تعرضهم للمضاعفات الخطيرة للمرض. وتظهر سيولة الدم عند الطفل الذكر فى الأيام الأولى مع عملية الختان، وهو مرض وراثى تنقله الأم التى تحمل المرض لطفلها الذكر دون البنات، وهو ناتج عن نقص أحد عوامل التجلط لدم الشخص المصاب بمرض الهيموفيليا بشكل طبيعى، مما يجعله ينزف لمدة أطول عند الاصابة بجروح ويفقد كميات من الدم، لأن التئام الجروح يتم فى سلسلة تبدأ من 1 12 عنصراً وأى نقص يحدث فى أى منها يبطل التجلط الطبيعى، فمرض الهيموفيليا ثلاثة أصناف حسب درجة التجلط الناقص، وهى : هيموفيليا (أ) : ناشئة عن نقص عامل التجلط رقم 8، وهى الأكثر شيوعاً، وهيموفيليا (ب) : ناتجة عن نقص عامل التجلط رقم 9، أما هيموفيليا (ج) : فتنتج عن نقص عامل التجلط رقم 11، وهى أقل الأنواع إصابة، ويرجع السبب فى الاصابة بالهيموفيليا إلى اضطرابات فى الجينات المسئولة عن تصنيع مواد التجلط فى الدم، سواء من الاضطراب فى الجينات الموروثة من أحد الوالدين، أو حدوث طفرات جينية فى أثناء تكوين مراحل التجلط للطفل. ويوضح الدكتور أنس الذهبى استشارى أمراض الأطفال وأمراض الدم أن الطفل عندما يصاب بجرح أو كدمة، تنقبض الأوعية الدموية حتى يتم إيقاف النزيف. هناك خلايا صغيرة وهى الصفائح الدموية، تعمل كسدادة لسد الثقب فى الجرح المصاب. ثم تنشط البروتينات الخاصة بالتجلط، وتنتج أليافاً تقوى عمل الصفائح، وتكون كتلة دموية توقف النزيف فى الجرح، ويبدأ الجسم بناء وتعويض الخلايا التالفة. فالطفل يعانى نزيفاً فى المفاصل من سن 10 شهور، عندما يبدأ الطفل بالتحرك بمفرده. ويمكن تشخيص مرض الهيموفيليا عن طريق قياس عامل التجلط فى دماء المريض عن طريق التحاليل التى تكشف عن وجود الجين المسبب للمرض، وهو الأكثر دقة وقد يستعمل هذا النوع من التحاليل للكشف عن إصابة الجنين بالمرض وهو مازال داخل رحم أمه، ومضاعفات المرض تحدث نتيجة تكرار حوادث النزيف بالمفاصل، فيحدث تكلس بالمفصل وعدم القدرة على الحركة وإعاقة المريض .إضافة لحدوث النزيف المتكرر فى الأماكن المختلفة للجسم. وكذلك الإصابة بالأمراض المختلفة التى تنتقل عن طريق نقل الدم ومشتقاته. منها الإيدز وفيروس (سى). وأشار إلى أن الدم يتعرض لأكثر من مرحلة من الفحص ومايتم إعطاؤه لمريض الهيموفيليا يتعرض إلى مرحلة واحدة مما رفع احتمالات إصابته بفيروسات خطيرة تصل الى 80% بين المرضى خاصة من يعتمدون على مكونات الدم الطبيعى، ورغم أن هناك مشتقات البلازما والمتوافرة حاليا فى مصر آمنة بنسبة كبيرة نتيجة التخلص من الفيروسات عن طريق التعقيم الحرارى والكيميائى وهى مستوردة من الخارج إلا أنه لا يستفيد منها سوى 10% فقط من مرضى الهيموفيليا بسبب ضعف الموارد المادية لعلاجهم، ولتكلفتها العالية جداً، فالمرضى فى مصر يحصلون على 15% فقط من الحد الأدنى المسموح به عالميا لعلاجهم، حيث يحتاج مريض الهيموفيليا إلى نقل بلازما أو مشتقاتها بما يعادل أكثر من 10 آلاف وحدة طوال عمره. فمشتقات البلازما يحتاج منها المصاب 1000 سنتيمتر فى المتوسط لوقف النزف، ويتعرض مريض الهيموفيليا للنزف المتكرر بمتوسط مرة شهرياً، وفى كل مرة يصاب فيها بالنزف يحتاج إلى العلاج لمدة أربعة أيام والراحة التامة بالفراش لمدة تصل إلى أسبوع بما يعنى أن الطفل قد يتغيب عن الدراسة 12 أسبوعاً على الأقل سنوياً، ويتأثر فى التحصيل الدراسى ولا يمارس حياته الطبيعية فى المجتمع. فضلاً عن المعاناة والتوتر والضعف الحركى والعقلى والآلام المزمنة المبرحة مع عذاب أسرته. الدكتورة آمال البشلاوى أستاذ أمراض الأطفال وأمراض الدم تؤكد أن إصابات الهيموفيليا تقسم حسب شدة المرض الى 3 درجات الأولى : وهى الخفيفة ويكون فيها معامل التجلط فوق 5% والدرجة المتوسطة والتى يكون فيها معامل التجلط موجوداً بنسبة تتراوح مابين 1 و5% وهناك الدرجة الشديدة ويكون نسبة معامل التجلط أقل من 1% وهذا النوع الأخير يمثل أكثر من 85% من عدد المرضى المشخصين فى مصر حيث يتعرض هذا المريض للنزف فى أى مكان من الجسم بصورة تلقائية أو عند أى إصابات طفيفة مما يجعل حياته عرضة لخطورة شديدة وبخاصة إذا أصيب فى الأماكن الخطيرة مثل نزيف المخ أو النزيف الشديد من الجهاز الهضمى الأكثر شيوعاً، واصابة هؤلاء المرضى بنزيف متكرر فى المفاصل والعضلات يؤدى إلى إلتهاب مزمن بالمفاصل ومع الوقت وتكرار النزيف يحدث تدمير تدريجى للمفصل، ومع ذلك فإن مستحدثات العلاج والوقاية ظهرت أخيراً من خلال حقنة (فاكتور 8 وفاكتور 9) حسب المرض المشخص، ويحصل المريض على حقنتين أسبوعياً مدى الحياة وهى حقن وقائية طويلة المفعول ويبلغ سعر الاثنين أسبوعياً 500 جنيه، أما الحقن العلاجية بعد الاصابة بالنزيف فسعرها نحو 1300 جنيه (هيمو A أو هيمو B) وحسب حالة المريض وإصابته وجسمه، وتضطر الدولة للتعامل مع بنوك الدم بالقطاع الخاص فى توفير مشتقات البلازما العلاجية، وعند حجز المريض بالمستشفى فى حالة الاصابة يتكلف مابين 10 20 ألف جنيه، لذلك فإن المستشفيات المعالجة بالدولة تحتاج لمبالغ كبيرة لسد احتياجات هذه الأعداد الكبيرة المكلفة وبالتبرعات سواء من داخل مصر أو خارجها. وقالت : إن هناك التزاماً من وزارة الصحة بتوفير علاج المرضى بالهيموفيليا بجميع المستشفيات العامة، ومستشفيات التأمين وهناك ضرورة لتوفير العلاج على نفقة الدولة لكل مريض «هيموفيليا» ليس له تأمين صحى، دون قيد أو شرط، وتوفير أطباء متخصصين فى أمراض الدم، أو تأهيل أطباء الباطنة لهذا المرض بجميع مستشفيات الجمهورية، وفتح أقسام بجميع المستشفيات لمرضى الهيموفيليا، فهناك نوعان منه العلاج المصرى والمستورد، وسعر المصرى 80 جنيها والمستورد كان يتم استيراده من فرنسا، وألمانيا، وأمريكا بسعر 250 جنيها. ومما يتطلب ضرورة استحداث علاجات جديدة إذ أن 90% من مرضى الهيموفيليا فى مصر مصابون بفيروس «C»، فيشترى المريض أكثر من عبوة شهرياً وحسب وزن الجسم، وحجم الاصابة. وأضافت أن هناك ضرورة فى الولادة القيصرية للسيدات التى لديهن المرض مع تأجيل الطهارة للذكور، ويجب إجراء الفحوصات الخاصة بالتجلط وتحاليل التشخيص الجينى وتدريب الأمهات على التعامل مع الأبناء المرضى بالهيموفيليا.ويجب أن تعلم الأم أن هناك أدوية ممنوعة وأن ترتب غرفة الابن المصاب بطريقة تحميه من السقوط حتى لا يتعرض للنزيف، وأن تحتفظ بدواء معاملات التجلط فى ثلاجة المنزل، حيث تبين ان نسبة الشفاء تصل الى 98% إذا بدأ العلاج خلال 30 دقيقة من الاصابة ويحتاج المريض فى هذه الحالة الى جرعة علاج واحدة فقط، أما فى حالة بدء العلاج متأخراً فتصل نسبة الشفاء إلى 50% وفى هذه الحالة يحتاج المريض من 3 الى 4 جرعات كل 12 ساعة. وتزداد الخطورة فى السن الصغيرة. وأوضحت أن مايقرب من 80% من هؤلاء المرضى يصابون بدرجات متفاوتة بالتلف والإعاقة فى أحد مفاصل الجسم أو فى عدد من هذه المفاصل ويعانون آلاماً شديدة نتيجة النزيف والتغيب عن الدراسة والتوقف عنها، أو القيام بأقل حركة أو نشاط، فيحتاجون إلى عمليات جراحية، حيث تصل تكلفة إيقاف نزيف بسيط الى نحو 20 ألف جنيه لإيقاف نوبة واحدة، بينما مادة التجلط فى المستشفيات أو التأمين الصحى لا توجد بكميات كافية فيتحول الأطفال إلى معاقين، كما أن أطفال مرض الهيموفيليا يحتاجون رعاية ومراكز علاج شامل للأسنان والمفاصل والعظام وعلاجا نفسيا .