من العسير القبول بالنفي المصري الرسمي، بأن موضوع «حلايب» لم يطرح علي مائدة الحوار أثناء الزيارة القصيرة التي قام بها الرئيس «محمد مرسي» للسودان في الرابع من شهر إبريل الجاري، واستغرقت 48 ساعة، فهناك إشارات تؤكد أن الموضوع قد أثير، ربما لا يكون أهمها التصريح الذي نسب إلي مساعد الرئيس السوداني «موسي محمد موسي، وقال فيه إن الرئاسة السودانية تلقت وعدا قاطعا من الرئيس المصري بإعادة مثلث «حلايب» إلي الحالة التي كان فيها قبل العام 1995. فالمفهوم بداهة أن السياسة المصرية في عهد الرئيس «محمد مرسي» ستعتمد بشكل أساسي علي الدول التي تساند المشروع الذي تتبناه جماعة الإخوان المسلمين، وأن أنظارها ستتجه بطبيعة الحال إلي الكتلة الإسلامية في المنطقة فتذهب شرقا نحو غزة، وجنوبا نحو السودان، بالإضافة إلي قطر وتركيا وإيران وباكستان، وبالتالي فلن تكون هناك مشاكل حدودية بين البلدين، ففي ظل الحكم الإسلامي، لا يوجد شيء يسمي الدولة الوطنية، لان الدين يصبح آنذاك هو الوطن، وفي ظل الدولة الإسلامية يتم إحياء فكرة «العثمانلية»، حين كان المصريون يوصفون بأنهم رعية عثمانلية، إذ لم تعرف مصر الجنسية المصرية إلا في عام 1914 حين تم إعلان الحماية البريطانية علي مصر، ولم يصدر أول قانون للجنسية، سوي في عام 1926. طرح موضوع حلايب أثناء الزيارة في السياق الذي يدعم أوضاع النظامين غير المستقرة في القاهرةوالخرطوم، والمشاكل السياسية والاقتصادية التي تواجهما، والتصريحات التي نسبت إلي الرئيس مرسي قوله إن حلايب وشلاتين ستكون منطقة حرة بين البلدين ومنطقة للتكامل بينهما، تمنح مزيدا من التأكيدات أن القضية كانت مثار بحث بين الرئيسين المصري والسوداني، وقد يكون لدي الإدارة المصرية توجه لا يرغب في جعل هذه المشكلة الموروثة من العهد الاستعماري محلا للنزاع بين البلدين، خاصة بعد التطورات التي لحقت بملف المياه في دول حوض النيل، بعد أن وقعت دولة جنوب السودان علي اتفاقية «عنتيبي» التي تتحفظ عليها الإدارتان المصرية والسودانية، لانها تطالب بإعادة النظر في اتفاقيات المياه الموقعة بين القاهرةوالخرطوم، بما سينتهي بخفض حصص المياه لكلتا الدولتين، فضلا عن رفض الخرطوم معارضة سد النهضة الأثيوبي الذي يؤكد خبراء الري المصري أنه سيؤثر بالسلب علي حصة مصر من المياه، فيما السودان سوف يحصل علي حصة من إمدادات الطاقة التي سيوفرها بناء هذا السد. كل الشواهد تدل علي أن تطورا مهما قد حدث في ملف «حلايب» يحاط بالتكتم والسرية، ويخضع كما هي العادة هذه الأيام، لتضارب في التصريحات الرسمية التي تسعي لتهدئة الخواطر، ونفي المخاطر، فيما التصريحات الواردة من الخرطوم تفعل عكس ذلك تماما. ومنطقة المثلث التي تضم «حلايب» و«أبورماد» و«شلاتين» تقع علي البحر الأحمر، وتبلغ مساحتها نحو 580 كيلو مترا مربعا، وضعتها اتفاقية رسم الحدود بين البلدين التي وقعت عام 1899 في عهد الاحتلال البريطاني، ضمن الأراضي المصرية. وفي عام 1902 عادت بريطانيا وجعلتها تابعة للإدارة السودانية، وهو ما اعتبرته الحكومات السودانية المتعاقبة، حقاً تاريخياً للسودان في إدارة المثلث بمنطق «الحيازة بالتقادم»، وما قالت أن مصر لم تعترض علي هذا المنطق حتي استقلال السودان عام 1956. وفي أول انتخابات سودانية تجري بعد الاستقلال في عام 1958، أدرجت الحكومة السودانية المثلث ضمن الدوائر الانتخابية السودانية، وهو ما اعتبرته مصر «عبدالناصر» مخالفا لاتفاقية عام 1899، فقدمت شكوي للأمم المتحدة تثبت فيها تبعية حلايب للحدود المصرية، وأجرت في المثلث الاستفتاء علي الوحدة بين مصر وسوريا وأرسلت قوات للإشراف عليه، فما كان من الطرف السوداني سوي إرسال قوات مماثلة مما هدد بنشوب حرب بين البلدين، وهو ما تجنبه عبدالناصر بسحب القوات المصرية من المنطقة. وفي عام 1992 كانت العلاقات المصرية - السودانية في أسوأ حالاتها، إذ يتهم كل طرف الآخر بدعم معارضيه وتوجه القاهرة أصابع الاتهام لحكم الانقاذ بدعم المعارضة الجهادية المسلحة التي كانت تخوض آنذاك حربا ملحة ضد الحكومة وضد المجتمع، وفي هذا التوقيت أعطي نظام الإنقاذ حق التنقيب عن البترول (في مياه البحر الأحمر) التي تواجه مثلث حلايب، لشركة كندية، فاعترضت الحكومة المصرية، مما أوقف المشروع وأدي إلي انسحاب الشركة الكندية من مواصلته. وفي أعقاب المحاولة الفاشلة لاغتيال الرئيس السابق «حسني مبارك» في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا في صيف عام 1995 ازدادت العلاقات بين البلدين سوءا، خاصة بعد أن تم توجيه إصبع الاتهام إلي نظام «عمر البشير» بالضلوع في ارتكابها، ونشرت الحكومة المصرية قوات الجيش في المثلث، وقامت بعمليات استثمارية وتنموية به. وفي الوقت الذي نجحت فيه الإدارة المصرية في إجراء الانتخابات التشريعية التي جرت عام 2011 في مثلث حلايب، عجزت الحكومة السودانية عن فعل ذلك حين أدرجت حلايب في الدوائر الانتخابية أثناء انتخابات البرلمان السوداني عام 2010. وشأن كل الحكومات الفاشلة، فإن مشاكل الحدود مع مصر، يطرحها نظام الإنقاذ هربا من مشاكله الداخلية، وبحثا عن نصر في غير محله، كما فعل ذلك غيره من الحكومات السابقة. وتطرح بعض القوي السياسية السودانية عدة اقتراحات لإنهاء هذا النزاع الحدودي المزمن، بينها اللجوء إلي التحكيم الدولي، أو إجراء استفتاء بين أهالي المثلث كي يختاروا البلد الذي يرغبون في الانضمام إليه، أو تحويل المثلث إلي منطقة تكامل اقتصادي بين البلدين. ولكي لا يتحول موضوع «حلايب» إلي صراع بين البلدين، فهناك ضرورة أن يكون لدي السياسة المصرية رؤية وطنية مشتركة حول هذه القضية، تنطلق من أسس واضحة، في القلب منها الحفاظ على سيادة مصر على كل أراضيها، طبقاً للحدود الدولية المعترف بها، وضمان خصوصية العلاقة التاريخية التي تربط بين الشعبين المصري والسوداني، والتي نشأت منذ شاركت مصر في اكتشاف منابع النيل، مروراً بفتح السودان، في ظل مشاعر وآمال وطنية رفعتها عدة أجيال، تدعو للوحدة بين البلدين انتهت بالقرار السوداني بالاستقلال عام 1956. ومن بين تلك الأسس أيضاً، حاجة الشعبين للتعاون الاقتصادي، فالبلدان يشتركان في نهر النيل، ويشكلان معا دولتي المصب من بين دول حوض النهر، وهناك مشاكل مشتركة في ملف المياه تحتاج إلى التعاون المشترك بين البلدين، فضلاً عن الآمال الواسعة التي يمكن أن يحققها التعاون المثمر في مجالات التعمير والاستثمار الزراعي بين الطرفين، حيث يعد السودان بوابة مصر إلى افريقيا، وتعد مصر بوابة السودان للعالم العربي وللقارة الآسيوية. وفي هذا السياق هناك ضرورة للدعوة إلى حوار وطني مصري عن علاقات مصر بالسودان، وفي القلب منه تحويل قضية حلايب الى مجال للمنافع المشتركة للشعبين ونزع كل الذرائع لجعلها محلا للصراع.