لا يختلف اثنان علي أن عناد الرئيس السابق حسني مبارك وسوء إدارته للبلاد خلال ثورة يناير وتأخره في الاستجابة لمطالب المتظاهرين وراء أسباب سقوطه وتنحيه عن الحكم في 11 فبراير ليتحول تاريخ مصر 360 درجة ويأخذ منحي آخر مختلفاً تماماً عن سابقه. لو خرج الرئيس السابق خلال الفترة من 25 يناير إلي 11 فبراير وأعلن عدم رغبته في خوض الانتخابات، ولو حل مجلس الشعب 2010 المشوب بالبطلان لتزويره، ولو أقال حكومة أحمد نظيف لتحول إلي بطل قومي في نظر المصريين وأقاموا له التماثيل في كل مكان وانصرف الثوار من ميدان التحرير مهللين فرحين. الشيء المثير هنا أن سوء إدارة مبارك للأزمة خلال ثورة يناير يعتبرها الزميل عبدالله كمال رئيس تحرير روزاليوسف الأسبق وعضو مجلس الشوري السابق، مناورة سياسية ممتازة كما جاء في شهادته للإعلامي طوني خليفة في برنامج «أجرأ الكلام» علي قناة «القاهرة والناس» مؤخراً. حقيقة، لقد فوجئت بتحليل «كمال» السياسي لسقوط مبارك خلال ثورة يناير، وبداية يحسب للزميل بغض النظر عن أي اعتبار آخر، ثباته علي مبادئه، وبقاؤه مدافعاً عن «مبارك» حتي اليوم، وعدم تلونه وتحوله مثل كثيرين كانوا من أقرب رجال مبارك، ثم تحولوا إلي مرسي والإخوان في غمضة عين، كما يحسب له اشتراكه في حملة «شفيق» لانتخابات الرئاسة وعدم إعلانه ذلك بشكل رسمي. المثير في شهادة عبدالله كمال شيئان: الأول: إعلانه عدم صحة رواية الدكتور حسام بدراوي، أمين عام الحزب الوطني المنحل حول مطالبته الرئيس السابق مبارك بالتنحي قبل تنحيه الرسمي بثلاثة أو أربعة أيام، بالقصر الجمهوري، ولما كنت متابعاً للحدث أجد أنه لا يمكن إقرار صحة رواية بدراوي - بالتنحي - أو رواية كمال - نفي الواقعة - إلا من خلال ثلاث شخصيات كانت شهوداً للواقعة هم: اللواء عمر سليمان، نائب رئيس الجمهورية السابق، وزكريا عزمي، كبير الياوران برئاسة الجمهورية السابق، وجمال مبارك، وبوفاة سليمان لا يتبقي أمامنا سوي «عزمي» و«جمال»، والأرجح أن يفند الواقعة جمال مبارك فيما بعد، بعد خروجه من السجن باعتباره محور الأحداث والسبب الرئيسي لإشعال الثورة خوفاً من التوريث. النقطة الثانية: هي مناورة مبارك، وهنا أختلف مع الزميل عبدالله كمال لأن المناورة مصطلح عسكري وليس سياسياً، وأزمة إدارة ثورة يناير كانت سياسية في الأساس، حتي مع القبول بمصطلح مناورة، فأنني أعتقد أنها خارج السياق، لأن المناورة عبارة عن خطط وتحركات ناجحة تستهدف إرباك الخصم لهزيمته، وهي تتم في الشق العسكري غالباً، مثل مناورة السادات مع إسرائيل قبل حرب أكتوبر 1973 حتي فوجئت بالحرب بعد أن سرب إليها خبر الحرب بأكثر من موعد عبر أشرف مروان، ومثل مناورات روميل في الحرب العالمية الثانية وانسحابه من العلمين إلي تونس وتكبيده القائد البريطاني مونتجمري خسائر كبيرة فاقت خسائر قواته، فيما عرف بأفضل انسحاب مغطي في التاريخ.. ولكن مناورة مبارك خلال ثورة يناير كما يدعي «كمال» لم تكن مناورة بالمرة، بل كانت سوء إدارة أزمة علي نحو غير مسبوق في التاريخ.. مبارك لم يكن مناوراً أبداً بل كان عنيداً ومتوسط الذكاء وبطىء القرار والحركة، حتي إنه عندما ذهب إلي روسيا في الستينيات للتدريب علي الطائرات «الميج» و«السوخي» أوصي القادة السوفييت بعدم قيادته الطائرة القتالية وأن يكتفي بالتدريب فقط، وهو ما تم فعلاً حيث تولي مدير الكلية الجوية في بلبيس فور عودته إلي مصر، وشهادة «هيكل» و«سعد الدين إبراهيم» تؤكد فعلاً أن عناده أهم أسباب سقوطه، وبالتالي لم يكن مناوراً بالمرة.