هل من الممكن أن نقدم معلومات وقيماً ثقافية للأطفال دون استخدام الوسائل والحيل الفنية المختلفة؟ وهل يستسيغ الطفل ويستوعب خاصة فى سنين عمره المبكرة الثقافة الجادة فى أشكالها الجافة عن طريق التلقين والإلقاء فقط؟ إن الفن هو الطريق السليم والوصفة السحرية لتقديم ثقافة تؤثر فى الطفل وتعيش معه وتتغلغل فى وجدانه وتصبح جزءاً من مكونات شخصيته الأساسية. وبشكل خاص كتاب الطفل وهو الذي يعتمد على الكلمة المكتوبة, لا نستطيع أن نقدمه للأطفال الصغار حروف وكلمات فقط, دون الإخراج والرسوم الفنية المصاحبة. فما أجمل كتب الأطفال حين تتجاور فيها وتتمازج الحروف والكلمات معا الرسوم المعبرة والموحية حينئذ يقترن الفن والإبداع فى أرقى صوره ويصبح المعنى مكتملا والحكايات محبوكة، فالكتاب والكتابة عنوان الثقافة والفكر فى أسمى صوره والفن التشكيلى هو الفن الخالص والتشكيل الذي قد يبدو صامتا ولكنه يدخل فى علاقة جدلية على صفحات الكتاب البيضاء يتحاور مع الكلمات بالخطوط والألوان والمساحات الفارغة من أجل تأكيد وتعميق الفكرة التى يطرحها الكاتب وحينئذ تتعاظم الفائدة ويصل المعنى فى أجمل وأصفى صورة للطفل المتلقى. إن الفنون هى المصدر الأول لثقافة الطفل والتعرف على موروثه الثقافى فالطفل ومنذ ولادته وأثناء مراحل نموه المختلفة تستقبله أمه بالأغانى والأهازيج الشعبية المتوارثة والتى تكون عادة مقترنة بالحياة اليومية فهى تغنى له وهى تطعمه وتهننه للنوم وعند مساعدته فى خطواته الأولى ثم بعد ذلك تؤثر الوسائط الأخري من مسرح وسينما أن مسرح الطفل والبرامج التليفزيونية لتنمية الوعى الوطنى والإنسانى وتنمية الإحساس بالجمال والرقى فى الذوق الذي نتطلع إليه جميعا. وأيضا دور العبادة والأماكن الأثرية العظيمة والتى هى فى أصلها وجوهرها فنون أبدعها الإنسان فى فترات معينة لتؤدي أغراضاً خاصة سواء دينية أو اجتماعية..لها دلالتها الثقافية المؤثرة جدا والتى تنمو مع الأطفال بشكل طبيعى وتلقائى فحينما يذهب الطفل ليصلى فى المسجد وتلتقى عيناه ووجدانه بالعمارة والفنون الإسلامية القديمة ويشعر بجلال المسجد تتسلل إلى نفسه على مر السنين تلك الثقافة البصرية الإسلامية والتى تشعره دون محاضرات أو كلمات زاعقة أو كبيرة عن انتمائه لهذه الحضارة الإسلامية وأن الإسلام دين وحضارة لم يخاصم أبدا الفنون وأن الطفل المصري المسلم الذي يقطن بجانب كنيسة أو يدخلها لحضور زواج إحدي صديقات أمه ويدرس فى مناهج التاريخ أيضا الحقبة المصرية القبطية وأنها مرحلة مهمة من تاريخ الوطن يعرف ويتعلم أن فى الوطن مواطنين مختلفين فى الديانة ولكنهم مصريون مثله لهم نفس الحقوق والواجبات وأن الحضارة الفرعونية التى ننتمى إليها جميعا حضارة عظيمة يحترمها ويقدرها العالم، وأنها حضارتنا الأم التى يجب أن نفخر بها. لقد آن الأوان أن تبتعد المناهج الدراسية عن المباشرة والحفظ, وتستخدم وسائل أخري أكثر تأثيرا ونفعا للأطفال.. مثل ورش العمل وهى وسيلة جامعة لوسائل البحث والتفكير والمشاركة بالفنون والتفاعل بين الأطفال والمدرسين. وأن تحتوي المناهج القيم الحديثة التى يجب أن يعرفها أطفالنا منذ الصغر مثل حقوق الإنسان وحقوق الطفل والمواطنة والتسامح وقبول الآخر، فالتعليم السليم هو الوسيلة الوحيدة لتجنب كل المخاطر التى تحيق بالوطن والتى لا تتعارض أبدا مع القيم الإسلامية الأصيلة والرفيعة.