في إطار الاحتفال بمئوية كلية الفنون الجميلة، افتتح د. أحمد نوار رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة ، ود. حمدي عبد الله الدورة الأولى لمؤتمر فناني مصر التشكيليين في الأقاليم، بمركز التعليم المدني، تحت رعاية الفنان فاروق حسني وزير الثقافة المصري.
تضمنت الدورة الأولى للمؤتمر مجموعة من الفعاليات الثقافية والفنية تمثلت في ست جلسات بحثية نوقشت خلالها 25 ورقة بحثية، وأقيمت مائدتين مستديرتين فضلاً عن جلستي الافتتاح والختام لإعلان التوصيات.
بدأ المؤتمر بافتتاح معرضي للفنون التشكيلية والكتب، كما قدمت فرقة قصر ثقافة الغوري للموسيقى العربية عرضاً غنائياً .
وقال د. نوار أن إقامة معرض للمكرمين فرصة للتعرف على رموز الفن في هذه الأقاليم، كما أن هناك بعداً آخر هو تعاظم الإصدارات الخاصة للفن التشكيلي في الهيئة خلال هذه الفترة، وإضافة سلسلة جديدة تحمل عنوان "المتاحف الفنية والقومية والأثرية" التي يرأس تحريرها الفنان عصمت داوستاشي.
بينما أكد د. حمدى عبد الله أمين عام المؤتمر أن هذه الدورة ستكون المؤسسة لمؤتمرات تعقد بشكل سنوي على غرار مؤتمر أدباء مصر والمؤتمر العلمي للمسرح.
وقال د. يحيى عبده عميد كلية الفنون الجميلة بجامعة حلوان: أن "تزامن انعقاد المؤتمر مع احتفال كلية الفنون الجميلة بمئويتها هذا العام، وإقامة المعرض الذي شهدناه في المؤتمر كل هذا يتنبأ بمستقبل كبير لأصحابه، وأن مصر لن تعدم الإبداع الفني".
وفي المؤتمر الصحفي ، أجاب د. نوار على طلب وجود قاعات عرض للفنون التشكيلية بقصور الثقافة ، قائلا : بالفعل الكثير منها يفتقد للشكل الملائم للعمل الثقافي ، باستثناء قصر سوهاج الذي اشاد به وزير الثقافة خلال افتتاحه ، اما عن عدم تفعيل مواقع الهيئة على شبكة الإنترنت ، فقال عنه د. نوار : "أن الهيئة لها ستة مواقع إلكترونية، ثلاثة منها مفعلة بالفعل قبل رئاستي للهيئة، وثلاثة آخرين أنشئوا بعدها، وأنه سيحول للتحقيق المقصرين بأداء مهامهم ، أما بخصوص ضمان استمرار هذا المؤتمر وإمكانية انتقاله للمحافظات الأخرى في دوراته القادمة على غرار مؤتمر الأدباء، فهذا يتوقف على رئيس الهيئة القادم ومدى وعيه بأهميته الثقافية ودوره في الإضافة للمؤتمر".
ورداً على المطالبة بإنشاء معارض وورش فنية لفن الجرافيك أجاب د. نوار: أنه سوف يصدر قراراً لإنشاء خمس ورش لفن الجرافيك بواقع ورشة في كل إقليم من الأقاليم الثقافية؛ مؤكدا أن مشروع ذاكرة الوطن خصصت له أماكن في جميع محافظات مصر.
وحول الاستفسار عن إمكانية الاستعانة بالجامعات لإقامة معارض للفنون التشكيلية بداخل الكليات قال: "أن هناك بروتوكولات قد وقعت مع بعض الجامعات، ونحن نطالب رؤساء الجامعات بتفعيل الأنشطة الثقافية لأنها تعتبر منفذاً جديدا لنشر الثقافة، وعلى الكليات المتخصصة في الفنون التشكيلية أن تنشئ متاحف بها، وأن يتضمن منهج كلية الفنون تاريخ الفن المصري التشكيلي الحديث منذ نشأته.
وفي نهاية الاحتفال كرم د. نوار خمسة من الفنانين التشكيليين اثنين من الراحلين وهم: محمود بقشيش، وبخيت فراج، ومن المعاصرين : بدوي سعفان، وعلي عاشور، ومصطفى بط.
وقد أصدرت الهيئة أربعة كتب هي مجمل الأنشطة خلال الأيام الأربعة للمؤتمر، تضمنت كتابا للأبحاث، وكتاب المكرمون، وذاكرة المؤتمر، وموسوعة الفنون التشكيلية في مائة عام.
المائدة المستديرة
جانب من المؤتمر عقدت في اليوم الأول من المؤتمر مائدة مستديرة ناقشت بحث الدكتور عبد الناصر محمود طه بعنوان "التراث الفني بين إشكالية الهوية وقضايا التحريف"، الذي أثار العديد من الإشكاليات حول موضوع البحث واختلف الكثير حوله، وقد أدار الجلسة الفنان د. رضا عبد الرحمن، وحضر عدد من الفنانين.
أشار الدكتور عبد الناصر محمود طه في بحثه إلى أن كتاب "فجر الضمير" لمؤلفه هنري بريستد متحيزا لدور اليهود في الحضارة المصرية القديمة، حيث شاركوا في بنائها، كما ظهر ذلك في لوحات الفنانين، وأن المشكلة في أن الدراما أو السينما قد أخذت عن هذه المغالطات بإدخال العناصر الهندية أو الآشورية داخل لوحاتهم عن الحضارة المصرية القديمة، وحدث هذا بالنسبة للحضارة اليونانية والحضارة الإسلامية من خلال رؤية المستشرقين عن الشرق؛ في أن ترسم لوحة للمرأة الشرقية بشكل أوربي.
ثم فتح باب المشاركة فطالب أحد الحضور بعدم قياس الفن بالأشياء الأخرى كالمنتجات الصناعية، وأشار الفنان عباس الطرابيلي في تعقيبه بأن هناك مغالطة أو عدم فهم لكتاب "فجر الضمير" لهنري بريستد، فهو في مقدمة الكتاب ينصف الحضارة المصرية كما لم ينصفها أحد، فهو يرجع فكرة الضمير إلى المصري القديم وخاصة الحكيم "إمينوبي" الذي علم البشرية معنى الضمير.
أكد الفنان والناقد محمد كمال إلى أن البحث حسن النية، ويسعى لتسليط الضوء على مفهوم الهوية التي دائماً ما تطفو على السطح، كما ذكر أن هناك مناطق أهملها البحث عبر تاريخ الفن، وقد أوصى الحاضرون بضرورة خضوع البحث للفحص قبل النشر، وإعادة قراءة حركة الإستشراق برؤية غير متشائمة.
فنانون لم يكتشفوا بعد
وفي اليوم الثاني من الملتقى أقيمت جلسة ناقشت أبحاث المحور الأول من محاور المؤتمر بعنوان "إعادة قراءة مسيرة الفنون التشكيلية في مصر"، حيث تقدم الفنان إبراهيم حنيطر ببحث عن "فنانين لم يكتشفوا بعد "، وتحدث عن فن الكاريكاتير في أنه سريع التأثير والإنتاج والتنوع والوصول للمتلقي أكثر من أي فنون أخرى.
وفي الجلسة الثانية من فعاليات اليوم الثاني بالمؤتمر، طرح الباحث أيمن حامد قراءة لبحثه "إعداد الناقد التشكيلي بين الواقع والمأمول" وبحث د. خالد البغدادى "النقد المصري وقضايا الفن"، وقدم الجلسة د. إبراهيم غزالة وقد أكد د. خالد البغدادى في بحثه أنه لا يوجد في مصر ما يمكن أن نطلق عليه حركة نقدية مصرية ولكنها اجتهادات فردية ذاتية وليست حركة لها خصائص وآليات.
اقتصاديات الفن التشكيلي
وفي اليوم الثالث للمؤتمر دار نقاش حول موضوع المحور الثاني للمؤتمر تحت عنوان " اقتصاديات الفن التشكيلي"، حيث تحدث ماجد يوسف عن إشكالية الحداثة والمعاصرة والتجديد والتراث.
وأشارت الباحثة سوزان عبد الواحد في بحثها بعنوان "الحرف التقليدية بين التطور والحفاظ على الموروث الشعبي" أن الحرف التقليدية لها سماتها التي ترجع أهميتها إلى جذورها التاريخية، وطالبت بالنظر للتخطيط للحرف التقليدية.
صورة من المائدة المستديرة وأكد د. عمر عبد الرحمن في بحثه تحت عنوان "إشكالية الفن في عصر المعلوماتية" أن الفنان في عصر المعلومات يفترض أن يكون ضمير أمته، يعبر عن الفكر السائد في المجتمع، وأشار إلى أن الحوار الحضاري للفن والثقافة هو أهم الإشكاليات ، د. إسماعيل عبد المجيد دياب أكد في كلمته "الفن التشكيلي وجمهوره" على ضرورة حضور الصورة في كتب الأطفال بنسبة تتجاوز الكلمة.
وقالت رشا صبحي "التربية المتحفية وتنمية التذوق" أن الأطفال – وخاصة ذوى الإعاقات الذهنية – محرومون من زيارة المتاحف والمناطق الأثرية، هذا بالرغم من أهمية الرؤية البصرية في التربية.
الفن والجمهور
وفي ذلك اليوم دارت أيضا مناقشة عامة حول "كيفية الارتقاء بالذوق الفني في مصر" خاصة بعد مرور مائة عام على إنشاء كلية الفنون الجميلة، فطرح د. فاروق وهبه عدة تساؤلات: هل هناك وسائل لتوصيل الفن للجمهور؟ وهل نحن في جزر بعيدة عنهم في مناقشات داخل جدران الغرف؟ وكيف نساعد الجمهور في اختيار تفاصيل حياته بفنية؟ .
وطرحت الكاتبة الصحفية نجوى العشري إشكالية المثقفيين والمتعلمين في المجتمع الذين منهم رؤساء تحرير الصحف والمجلات في مصر، يعتبرون الفن التشكيلي شيء مهمل وأن مساحته على الصحف ضئيلة، وأكدت على أن توضيح وظيفة الفن في حياتنا مسئولية وسائل الإعلام، وأن الجمهور مظلوم ولابد أن نصل إليهم بكافة الطرق ومنها وسائل الإعلام.
وطرح د. محمد ماهر إشكالية عدم تدريس الفن والرسم في المدارس واعتباره من المواد الغير أساسية في المناهج الدراسية، بينما أكد الناقد والفنان أيمن حامد أننا نعيش الآن ثقافة الميكروباص في إطار غياب دور المسئولين.
وأشار فاروق مصطفى مدير عام إدارة الفنون التشكيلية بهيئة قصور الثقافة إلى غياب دور نقابة الفنون التشكيلية وهيئة التنسيق الحضاري، كما أكد على قيام بعض المحافظين بدورهم في تجميل محافظاتهم، مثل محافظ أسيوط ودمياط والإسكندرية، وذلك عن طريق الاستعانة بكليات الفنون الجميلة في محافظتهم.
مستقبل الفن التشكيلي
في الجلسة الأولى لليوم الرابع والأخير للمؤتمر التي جاءت تحت عنوان "مستقبل الفنون التشكيلية في مصر"قسم د. عبد القادر مختار الفنون إلى أقسامها المعروفة "جميلة وتطبيقية وشعبية"، وذلك كمدخل للإفادة من هذه الأنواع كل على حده لاختلافها وتعدد بيئاتها، مطالباً بإنشاء مركز لرعاية الفنون الشعبية، وزيادة جهد الهيئة في رعاية الفنون في مصر، وأن هذا المؤتمر يعد تجربة بناءة في هذا الصدد لمخاطبته لكافة الفنانين المصريين، وأوصى بالاستفادة بالجانب الاقتصادي للفن التشكيلي لأنه الفن الوحيد الذي يدر عائداً مادياً على رُعاته والمهتمين به، وخاصة الاهتمام بالحرف والفنون التقليدية في مصر.
أشار د. حمدى عبد الله الأمين العام للمؤتمر في بحثه "الدورات التدريبية في مجال الفن الشعبي" أن دور الهيئة يكاد يوازى دور وزارة الثقافة بأكملها، لما تتسم به مواقعها من الانتشار في كافة أنحاء مصر، وأكد على ضرورة البحث عن المواهب من خلال المتخصصين في العمل الفني.
الطفل بنية المجتمع
كانت الجلسة قبل الختامية للمؤتمر تحت عنوان" تعليم الفنون رؤية مستقبلية"، أكدت فيها د. جاكلين بشرى التي قدمت بحث بعنوان "براعم في بستان البيئة المصرية" على الحقيقة الماثلة لنا جميعاً وهى أن الأطفال هم البنية التي يقوم عليه تطور المجتمع المصري.
وفى بحث د. أحمد عبد الرحمن ود. رقية عبده بعنوان "البعد الجمالي بين التعبير الفني المجسم والحدائق العامة"، فقد نوهت د. رقية بأن هذا المشروع يمثل رؤية مستقبلية للفن المجسم في مصر، حيث يستغل الحدائق العامة للتواصل الفني مع الجماهير.
من لوحات المعرض للفنان أحمد الجنايني أما دراسة الناقد سيد هويدى عن "علاقة الفنون الشعبية بدوافع وذهنية الفنان التشكيلي" فقد أكد أن العمل الشعبي يتماس مع الوجدان بصورة نادرة، وهو على هذا النحو يختلف عن الفن البدائي، ويقترب من الفن الحديث لما يتسم به من تلقائية وتعبيرية، كما أن الفن الشعبي حافل بالرموز والصيغ الفنية المختلفة التي يمكن للفنان الحديث أن يستفيد منها موظفاً لها في أعماله، وطالب في ختام دراسته بمزيد من الاهتمام بالفنون الشعبية والدراسة العلمية لها، وتقديم شهادات نظرية للفنانين المتأثرين بالفن الشعبي، إلى جانب دراسة الأعمال التي استلهمت الفن الشعبي مثل أعمال " محمود مختار – راغب عياد – محمود سعيد – حامد ندا وغيرهم".
ورأى الفنان أحمد الجناينى أن هناك خطأ في التعامل مع الفنان الحديث الذي يستلهم الفن الشعبي بوصفه فناناً شعبياً.
توصيات المؤتمر
اتفق الحاضرون في الجلسة الأخيرة للملتقى على عدة توصيات وهي:
تسليط الضوء على فناني الكاركاتير المجهولين من الأقاليم، وإعداد دليل توثيقي شامل لجميع الفنانين التشكيليين في الأقاليم، والاهتمام بالحرف اليدوية وتنظيم مهرجانات ومعارض طوافة لهذه الحرف، وإقامة متحف للتراث في كل فرع ثقافة.
تفعيل مشروع "زهور النقد" الذي تقدم به الناقد محمد كمال لرئيس الهيئة، والحرص على تنمية المهارات النقدية في الفن التشكيلي من خلال عقد ورش نقدية بقصور الثقافة المختلفة، والاهابة بوسائل الإعلام لتخصيص مساحات مناسبة للفن التشكيلي.
مناشدة مجلة بورتريه التي حققت نجاحاً ملحوظاً في الفترة الأخيرة أن تتيح الفرصة لاكتشاف نقاد جدد، وتقديمهم من خلال صفحاتها إلى الحياة التشكيلية، وضرورة الاهتمام باستلهامات الخط العربي، وتنظيم ورش ومعارض لإبداعات هذا الفن الجميل.
العناية بالأطفال ذوي الاحتياجات في مختلف نشاطات الهيئة وإنشاء ورش عمل لهم، والمطالبة بتدريس مادة عن التربية المتحفية داخل الكليات الفنية، والاهتمام برسوم كتب الأطفال وخاصة في مرحلة الطفولة المبكرة ونشر كتبهم، وكذلك الاهتمام بالإخراج الفني الباهر لكتب الأطفال لتنمية ذائقتهم الفنية، وتشجيعهم فنيا عن طريق تنظيم معارض لرسومهم وإبداعاتهم المختلفة ونشرها، والاعتناء ببحوث تدعيم رسوم الأطفال ورسوم كتب الأطفال.
تأليف جمعيات فنية تعمل على تنمية موارد الهيئة عن طريق تسويق المنتجات الفنية بأسعار رمزية لتشجيع الاقتناء، وتأسيس مرسم مجهز لكل تخصصات الفنون التشكيلية في كل فرع ثقافي يكون مركزاً للمواهب في مجال الإبداع التشكيلي، وإعداد كتاب توثيقي يضم كل فعاليات الدورة الأولى للمؤتمر معه C.D ( قرص مدمج ).
وتعقيباً على هذه التوصيات أفاد د. عبد الوهاب عبد المحسن رئيس الإدارة المركزية للشئون الفنية بالهيئة أن أمانة المؤتمر سوف تشكل من أعضاء النوادى بالأقاليم؛ حتى يتحقق التمثيل الكامل لفناني الأقاليم، وسوف تقام عدة معارض تشكيلية جامعة لأعمال فنانين من القاهرة والأقاليم من مختلف الشرائح؛ للتواصل بين فناني العاصمة والأقاليم.
رأي د. رضا عبد الرحمن أن المؤتمر نجح وحقق كل ما تمناه القائمين عليه، وبمجرد أنه مؤتمر يقام خارج أسوار الجامعة فهذا سبق لم يحدث من قبل، وخصوصا أنه جمع فناني مصر جمعيا، وأنه موجه لمجموعة فنانين مهمشين من فناني الأقاليم، وأشار إلى أن المؤتمر جاء بعد 21 معرض نظمته الهيئة لفناني الأقاليم في جاليري بورترية، وكان هذا المردود الرئيسي للمؤتمر، كما أن التوصيات لم تخرج عن أحلامنا للفن التشكيلي، وقد حضر المؤتمر فنانين لم نتوقع حضورهم بادروا بالمشاركة، كالدكتور يحيي عبده وتضامنه مع المؤتمر، أما عن الأبحاث فكان بعضها دون المستوى، بالرغم من أن هذه الأبحاث شكلت من أجلها لجنة هي التي قامت باختيار الأبحاث المقدمة.
الجدير بالذكر أنه تم تنظيم زيارة إلى معرض منتجات الفخار الثامن بقصر الأمير طاز، الذي أقيم على هامش المؤتمر بالتنسيق مع صندوق التنمية الثقافية، وهو نتائج ملتقى الفخار بدوراته الثمانية الذي يعقد سنويًا بمدينة قنا، وقد ضم المعرض 300 عمل لأكثر من مائة فنان من مختلف محافظات مصر.