لماذا يصبح دخول شابة مسلمة واحدة لكنيسة هنا أو هناك مفجراً للغضب الجماعي ومثيراً للمواجهات الطائفية، ومسبباً لصدامات تخلف قتلي وجرحي وناراً لا تهدأ في قلب الوطن.. الغريب هنا أن تلك النار اشتعلت في الوقت الذي تدخل فيه مئات المسلمات يومياً لكنائس وأديرة في محافظات مختلفة وعلي مرأي ومسمع من الجميع دون أن يثير ذلك حساسية أحد علي الإطلاق من الجانبين؟.. ولكن ما الذي حدث لجناحي الوطن في الآونة الأخيرة. الواقع يؤكد أن دخول مسلمة للكنائس لا يصبح مثيراً للصدام والغضب لدي طوائف بعينها في مصر الآن، إلا عندما يتعلق هذا الدخول بشائعة تغيير العقيدة.. بينما يصبح تردد مئات المسلمات علي كهنة وقساوسة ورهبان في كنائس وأديرة مختلفة أسوة بمئات المسيحيات أيضاً لطلب علاج أو تحصيل بركة أو ضمان عريس، أمراً مقبولاً من الجميع ولا يثير أدني معارضة. فهل اتفق المصريون أقباطاً ومسلمين علي الوحدة الوطنية في الجهل والتخلف، واختلفوا علي الإيمان بحرية الاعتقاد وسلامة الوطن في هذه الظروف الصعبة. »الوفد الأسبوعي« راحت تراقب الجانب الآخر من خطوط التماس بين المسلمين والأقباط، لتنقل صورة أخري من كنائس »المشاركة« في دير الأب سمعان وغيره، والتي بدت علي النقيض تماماً في الهدوء والسلام من كنائس إمبابة وأطفيح. ذهبنا في اليوم الأول إلي دير الأب سمعان بمنطقة الزرايب التابعة لحي منشية ناصر وبمجرد الدخول من البوابة سألت أحد أفراد أمن الدير عن الأب سمعان وقبل أن يجيبني طلب مني إبراز تحقيق الشخصية وعندما أعطيته البطاقة ظهر تغير كبير علي وجهه عندما عرف أني مسلمة.. قال لي: »الأب سمعان اعتذر النهاردة ومش هيقدر ييجي. قلت له أنا محتاجة أتكلم معاه جداً لأني مريضة وعايزاه يعالجني ولا أنتم مش بتسمحوا بدخول مسلمين.. رجوته بأن حالتي صعبة وأنني جئت من مكان بعيد فسمح لي بالدخول بعدما أخذ مني بطاقتي الشخصية وقال لي هتاخديها لما تخرجي وأعطاني بطاقة مكتوباً عليها رقم 3. الدير من الداخل قطعة أثرية غاية في الروعة والجمال في حضن جبل المقطم، حيث تظهر النقوش والرسومات البارزة في قلب الصخور، كما توجد به عدة كنائس، بالإضافة إلي قاعتين تتسعان لمئات الأشخاص يلقي فيهما الأب سمعان دروسه ومحاضراته. تجولت في المكان لبعض الوقت إلي أن وصل سمعان ودخل الكنيسة وظل بالداخل وقتاً طويلاً للصلاة.. ثم بدأ الناس في التوافد بأعداد ضخمة من مسلمين ومسيحيين طمعاً في أخذ البركة من الأب سمعان وطلباً للشفاء من الأمراض والمس الشيطاني والسحر. ذهبت مع بعضهم ممن بدت عليهم عوارض المرض النفسي، إلي مكان مخصص للعلاج يطلقون عليه مكان صلاة المرضي ثم حضر لنا اثنان من القساوسة وأخذ الناس في الانحناء أمامهم لتقبيل أيديهم، فراحا يتمتمان بترانيم وطلاسم غير مفهومة، ثم قام كل قسيس بفتح زجاجة مياه وأخذ يرش علينا منها وعندما سألت عن مصدر هذه المياه أجابتني إحدي الفتيات »الميه دي مصلية وفيها الشفا كله«، والمياه »المصلية« في عرف هؤلاء هي المباركة التي تحمل سر الشفاء. لم يستمر هذا المشهد سوي عدة دقائق، حاولت بعدها أن أتحدث إلي أحد القساوسة.. طلبت منه أن يساعدني في حل مشكلتي، فقال »اتكلمي أنا سامعك«، قلت: أنا مريضة من سنين يا أبونا ولابسني جان ونفسي أتعالج منه ثم نظر إلي زجاجة المياه بيدي وتساءل »دي بتاعتك«؟ قلت »أيوه« فأخذها مني وبدأ يقرأ عليها ترانيم لم أفهمها ثم رش وجهي بالماء وأعطاني الزجاجة وقال »اشربي واستحمي منها وممكن تطبخي منها كمان وبعد كده هتخفي علي طول وبلاش تروحي لدجالين علشان هما اللي عاملين فيكي كده«.. ثم قام بوضع الصليب علي جبهتي وأخذ يقرأ نفس الترانيم السابقة وشكرته، وأثناء خروجي استوقفتني فتاتان وقالتا »إحنا شايفينك موجودة هنا من بدري أوي »قلت« أصلي تعبانة وجيت النهاردة أقابل أبونا علشان يصلي عليَّ« فنصحتني إحداهما قائلة: عايزة تخفي قلت لها طبعاً قالت لي اذهبي إلي كنيسة الأنبا بيشوي الموجودة ببورسعيد هتلاقي صورة العذرا مريم اللي بتنزل زيت خدي شوية زيت وحطيهم علي كوب ميه واشربيه هتشفي من جميع الأمراض اللي في الدنيا لأن الزيت اللي بينزل منها ده زيت رباني ولو ما قدرتيش تسافري بورسعيد ممكن تروحي الكنيسة المرقسية بشارع كلوت بك يوم الجمعة، سألتها عن السبب، ردت »علشان تقابلي أبونا مكاري ده أشهر من نار علي علم والناس بتجيله من كل محافظات مصر سواء مسلمين أو مسيحيين ومن أول جلسة بيجيب نتيجة كويسة وهتخفي علي طول، بس لازم تروحي بدري من الساعة 2 الظهر وتستنيه لحد ما ييجي ويبدأ الصلاة الساعة 7 أو 8 وحاولي تروحي الجمعة الجاية لأنه هيسافر بعدها أمريكا ومش هييجي غير بعد 3 شهور. ساقني الفضول إلي تلك الكنيسة لأشاهد وأرصد ما يدور بداخلها.. وبالفعل توجهت في اليوم التالي إلي الكاتدرائية القديمة في كلوت بك لأشاهد ما لا يصدقه عقل. دخلت من بوابة الكنيسة فوجدت طابورين أحدهما للرجال والآخر للسيدات مشيت في صف السيدات حتي وقفت أمام عدد من الفتيات للتفتيش وعلي الجهة المقابلة لنا كان هناك شبان يفتشون الرجال أيضا.. سألت عن سبب هذا الاجراء قلن لي مجرد تأمين. الوافدون المسلمون هنا أكثر من المسيحيين، دخلت معهم الي الساحة الداخلية للكنيسة فوجدت أعدادا كبيرة في انتظار قدوم الأب مكاري ولفت انتباهي وجود حشد ممن جاءوا من عدة محافظات مختلفة في مصر ليتلقوا العلاج علي يد الأب مكاري وكان من الواضح أن شهرته في مجال الدجل والشعوذة وصلت الي كل مكان في مصر وإلي المسلمين قبل المسيحيين ووجدت بابين للكنيسة واحد لدخول السيدات والباب الآخر لدخول الرجال. لفت انتباهي أيضا وجود مجموعة من السيدات يفترشن الأرض في انتظار دورهن في الدخول الي الكنيسة كما لاحظت وجود فتاة بصحبة سيدة مسنة تعدت الثمانين من عمرها قالت لي انها أحضرت والدتها لكي تتعالج من أمراض الشيخوخة. اقتربت من سيدة تجلس علي كرسي بلاستيك وتحمل طفلها علي يديها عرفت انها مسلمة لأنها محجبة سألتها: ما أخبار العلاج هنا؟ سألتني انت مسلمة قلت أيوة قالت أبونا مكاري بيعالج كويس وأنا جاية من الهرم مع عمتي لأنها تعبانة ولفينا بها علي كل الشيوخ وصرفنا أكثر من 01 آلاف جنيه ومفيش نتيجة واللي دلنا علي المكان ده صاحب السوبر ماركت اللي تحت بيتنا ثم نصحتني قائلة: علشان تدخلي جوة الكنيسة لازم تروحي الأول تاخدي ورقة من البواب وتكتبي فيها اسمك وشكوتك وهيدخلوها للأب مكاري وأول ما ييجي عليك الدور هينادي عليه ويبدأ العلاج. تركتها وذهبت الي صف من السيدات أمام باب الكنيسة الداخلي ولفت نظري وجود فتاة لا يتعدي سنها 22 عاما اقتربت منها وسألتها: جيتي هنا قبل كده؟ ردت: طبعا وطريقة علاج أبونا مكاري مضمونة.. سألتها عن مشكلتها؟ أجابت بنات عمتي عملوا لي عمل يفرقوا بيني وبين خطيبي ازاي من وجهة نظرهم اتجوز دكتور وهما لأ. وتضيف: وفعلا نجحوا في التفريق بيني وبينه وتركني علي طول ولم يكتفوا بذلك بل عملوا أعمالا كمان لاخواتي الشباب علشان ما يتجوزوش بنات غيرهم وحاولنا نفك الأعمال وجبنا شيوخ وفعلا فكوا العمل لكن بيرجعوا يجددوه تاني بقالنا علي الحال ده ثلاث سنوات وكل ما يأتي عريس لي يطفش لغاية ما واحدة مسيحية صاحبتي نصحتني بالمجيء الي هنا لحل مشكلتي، وعندما سألتها عن طريقة العلاج قالت: الأب مكاري بيجيب مية قاري عليها بيسموها مية مصلية ويرشنا بها مرة واحدة وبعد كده ينادي علي اسم اسم من الورق اللي معاه ويقرأ علي جبينه. سألتها يقرأ إيه؟ قالت: ما أعرفش مش بفهم الكلام اللي بيقوله وتواصل الفتاة، ومن حوالي ساعتين كان في زغاريد داخل الكنيسة لأنه عالج حد وخرج منه الجن اللي كان لابسه وأهله كانوا مبسوطين وفرحانين ولو عايزة تشوفي ازاي بيعالج روحي المكتبة التابعة للكنيسة موجود فيها سي دي يوضح علاج بعض الحالات. وذهبت الي ثلاث سيدات يرتدين عباءات سوداء وقلت أنا أول مرة آجي هنا ومش عارفة اتصرف ازاي سألتني إحداهن السؤال المعتاد: انتي مسلمة؟ أجبت نعم، قالت: ماتخافيش انا أحضر هنا كل يوم جمعة وكنت تعبانة جدا زي ما انتي شايفة دلوقتي خفيت وبقيت كويسة. أثناء تجولي لاحظت فتاة مسلمة تجلس علي سور رخام وبجوارها سيدة مسيحية تقرأ لها كلاما غير مفهوم حتي فقدت الوعي، قبل أن يلاحظها أحد أفراد أمن الكنيسة ويذهب مسرعا تجاه السيدة وإذ به يعنفها قائلا: إيه اللي انت بتعمليه ده مين اللي سامحلك بكده انتي مش من القساوسة علشان تعملي جده انتي عايزة تودينا في داهية.. ثم جاءت شقيقتها مسرعة وأخذت تعنفها حتي قام الأمن بطردهما خارج الكنيسة وعندما أفاقت الفتاة سألتها عما حدث قالت ما أعرفش، هي كانت قاعدة جنبي ولما عرفت اني تعبانة وجاية من أسوان علشان أتعالج قرأت حاجات غامضة افتكرت انها بتشتغل هنا وبعدها لم أشعر بحاجة لحد ما فقت. التقطت سيدة أخري طرف الحديث وقالت: الست دي مسيحية انجيلية مش أرثوذكس وكانت بتزود لها السحر، وقبل أن ألتقط أنفاسي وأستوعب ما يحدث سمعت صوت مشاجرة كبيرة عرفت أن أحد المرضي تعرض لحالة تشنج وهياج وأخذ في تكسير باب الكنيسة ولم يوقفه غير مجموعة من الرجال أسقطوه علي الأرض وقاموا بتقييده ربع ساعة حتي هدأ وزعم أحد المرافقين له بأنه ملبوس من جني. بعد ذلك خرج لنا أحد أفراد أمن الكنيسة وقال: مفيش حد تاني هيدخل النهارده لأن الكنيسة مليانة علي آخرها، ومش هتقدر تستوعب أكثر من كده مما أدي الي اصابة الناس بحالة غضب شديدة وكادوا ينقضون علي الرجل، في حين اشتبكت معه إحدي السيدات وقالت له انت مجرد خادم هنا مش من حقك تمنعنا من دخول الكنيسة احنا لازم ندخل النهارده لو ما دخلناش هنرتكب جناية.. فسارعت لمغادرة المكان قبل أن أكون شاهدة علي جناية في دار عبادة حولها المستغلون لآلام الناس في مصر الي بيت للدجل والشعوذة وممارسة النصب والفوضي.