انتقدت دراسة حديثة للمركز المصرى للدراسات الاقتصادية ضعف أداء هيئة التنمية الصناعية وعدم قدرتها على إزالة معوقات الاستثمار الصناعى فى مصر ما يسبب تراجعاً كبيراً فى الاستثمار. واتفق خبراء صناعيون مع الدراسة فى وجود خلل كبير فى علاقة الهيئة بالجهات الأخرى وفى أسلوب إدارتها، فضلاً عن تأخر تشكيل مجلس إدارة للهيئة رغم صدور قانون لها منذ 2018 حتى الآن. إلى جانب افتقاد المعايير الفنية لاختيار قادة الهيئة ومركزية القرار وضعف مشاركة الإدارات فى اتخاذ القرار. وأضافت الدراسة أن هناك ضعفاً واضحاً فى التواصل الداخلى والخارجى للهيئة، إلى جانب عدم اكتمال رقمنتها، ما يتسبب فى ضياع حقوق المستثمرين. ورصدت الدراسة عدداً من المشكلات التى تمثلت فى تعدد اللجان داخل الهيئة، ووجود متابعة سنوية حتى فى حالة التراخيص بالإخطار مفتوح المدة، ووجود معيار معيب لدى الهيئة غير متعارف عليه لتمييز المشروعات الصغيرة والمتوسطة وفقاً لمساحة الأرض (500م2)، وهو يتعارض مع تعريفات المشروعات الصغيرة والمتوسطة فى الجهات الأخرى، بجانب غموض بعض مواد قانون التراخيص ما يؤدى إلى اختلاف التفسيرات وعدم توازن اللجان وضياع حقوق المستثمر. فضلاً عن تعدد الجهات المنوط بها وضع الضوابط الفنية والمالية للتقدم بطلب حصول على أرض، والتعامل مع الأرض كسلعة، بجانب الفجوة بين القانون واللائحة التنفيذية، ووجود فجوة بين القانون والإجراءات المعلنة وأرض الواقع سواء ما يتعلق بالتراخيص أوعدم توافر الأراضى، وصعوبة تخصيص الأراضى الصناعية من خلال الخريطة الاستثمارية. وقالت دراسة المركز المصرى إن تجارب الدول الصناعية المتقدمة مع قضية الاستثمار الصناعى تفوم على عدم وجود جهة مركزية للتنمية الصناعية حيث يعامل النشاط الصناعى مثل أى نشاط استثمارى آخر، وتستكمل إجراءاته المحدودة من خلال المحليات بسهولة ويسر. كما أن هناك اتفاقاً بين تجارب الدول على تعزيز الصناعة ووضعها كأولوية أولى ولا تتربح الدول من أى إجراءات تخص الصناعة وتكتفى بالعائد الضريبى الذى يدفعه المصنعون من أرباحهم. وخلصت إلى أن تحقيق تغيير فعلى فى الأداء يتطلب عدداً من المبادئ الحاكمة فى التعامل مع المنظومة أهمها التركيز على حل جذور المشكلة وليس عرضها وإلا لن تؤتى أى من الحوافز التى تعلنها الحكومة أى نتيجة، مع ضرورة تفضيل حاسم لمصلحة الصناعة فوق مصالح هيئات بعينها متسببة حالياً فى معظم مشاكل المصنعين خارج حدود الهيئة، بالإضافة إلى تبنى المفهوم السليم للتنمية الصناعية وليس الرقابى. وشددت الدراسة على ضرورة تبنى التغييرات المطلوبة جميعاً وليس فرادى وبشكل مستدام، وغير مرتبط بشخص المسئول حتى تتحقق نتائج سريعة ومستدامة، وأهمية الاستفادة من تجارب الدول الأخرى الناجحة التى اجتمع فيها جميعاً سهولة الإجراءات ووضع المصلحة العامة للصناعة قبل مصالح المؤسسات من تحقيق ربحية أو تحكم فى الإجراءات. وطالبت الدراسة بالفصل الصريح بين دور المنظم والرقابى للصناعة ودور تقديم الخدمة بمقابل، ففى جمعهما تضارب للمصالح، مع ضرورة عودة دور «التنمية الصناعية» للهيئة وليس فقط دور رقابى وتقديم التراخيص والسجل الصناعى، ووقف الاستثناءات فى التعامل وتبنى الرقمنة إلى أقصى درجة ممكنة. وانتهت الدراسة إلى مجموعة من المقترحات للخطة الإصلاحية لمنظومة التنمية الصناعية على المدى الفورى والقصير والمتوسط والأطول، فعلى المدى الفورى خلال فترة أقل من 3 شهور دعت إلى تفعيل القانون الموجود بالفعل والقضاء على التعقيدات المرتبط باستخراج أو تجديد السجل الصناعى، وإعادة تقييم التكاليف المعيارية بشكل عادل يتناسب مع تكلفة الخدمة من خلال خبراء خارجيين وتحت إشراف رئاسة الوزراء واتحاد الصناعات، والتعامل مع شكاوى المستثمرين من خلال منظومة مؤسسية رقمية بعيداً عن الجهود الفردية. وعلى المدى القصير من 3 شهور إلى عام، دعت الدراسة إلى التخلص من كل التعقيدات المرتبطة بالاختلالات بين القانون واللائحة التنفيذية، ومراجعة الهيكل الإدارى للهيئة، وإلغاء اللجان غير الضرورية، وإعادة تقييم القوى البشرية العاملة فى الهيئة وعدد المستشارين وتخصصاتهم وفقاً لرؤية جديدة للهيئة تضع أولوية لاحتياجات الصناعة بعيداً عن الربحية. وطالبت الدراسة بتوحيد جهات تخصيص الأراضى بشكل كامل بما فى ذلك الجهات السيادية حتى يتسنى تحويل المنظومة كلها وبشكل كامل إلى النظام الرقمى مثل دولة الإمارات والسعودية. وأكدت الدراسة أهمية تحول الوضع القائم من تعامل المستثمر مع جهات مختلفة ومتعددة بنفسه، إلى التعامل بين المستثمر والجهات المختلفة بوساطة هيئة التنمية الصناعية كمرحلة أولى، وفى المرحلة الثانية تتعامل الهيئة مع الجهات المختلفة بدلاً من المستثمر وفقاً للعقد الشامل، الذى اقترحته الدراسة، وهو يحتوى على كل المواصفات المطلوبة من بناء ومعايير بيئية ودفاع مدنى المرتبطة بهذه الصناعة بعينها ولهذا الحجم من المصانع، وبتوقيع المستثمر على العقد يكون ملتزماً بتنفيذ كل ما فيه ولا يحق لأى جهة تغيير الشروط ولكن لها حق زيارة المصانع للتأكد من الالتزام ببنود العقد الشامل. من جانبه طالب طارق توفيق وكيل اتحاد الصناعات المصرية، بتفعيل مكاتب الاعتماد التى نص عليها قانون تيسير إجراءات التراخيص الصناعية الصادر عام 2017 الذى لم يفعل حتى الآن، وعودة دور المطور الصناعى، حيث لم يتم طرح أراضٍ على المطورين منذ سنوات، داعياً إلى وجود استراتيجية صناعية واستهداف الصناعات المغذية التى لها عائد اقتصادى وميزة تنافسية، لافتاً إلى أن الاستراتيجية والسياسة الصناعية مفقودة فى مصر ويتم العمل بشكل عشوائى، ملقياً اللوم على الوزارة وأولى وليس الهيئة بمفردها. وطالب نادر عبدالهادى، عضو مجلس إدارة اتحاد جمعيات التنمية الاقتصادية، بأن يكون سعر الأرض مساوياً لقيمة الترفيه ولا يتم بيعها بأسعار مبالغ فيها، مشيراً إلى عدم ملاءمة نظام المطور العقارى للمشروعات الصغيرة. وانتقد ارتفاع الرسوم الخاصة بالدفاع المدنى التى تصل إلى مليون جنيه على أقل تقدير لشبكة الحريق، حيث تعانى منطقة مرغم للصناعات الصغيرة فى الإسكندرية من هذه المشكلات فى حين أن مساحات المصانع صغيرة جداً. وقال محمد شكرى، رئيس مجلس إدارة شركة مصر للمستحضرات الغذائية ميفاد، إن قانون تيسير إجراءات التراخيص الصناعية الصادر عام 2017 تم التوافق حول رؤيته على مدار عامين قبل صدوره، وتم العمل على لائحته التنفيذية وتوقيع بروتوكولات مع الجهات المختلفة، ولم يُطبق منه شىء منذ عام 2018، وعدنا لأسوأ ما كنا عليه بما يمثل إهداراً تاماً للقانون، مطالباً بالعودة إلى تنفيذ القانون ولائحته وفلسفة عودة الهيئة إلى دور التنمية الصناعية وليس الرقابة. وشددت الدكتورة عبلة عبداللطيف، المدير التنفيذى ومدير البحوث بالمركز، على ضرورة حل جذور المشكلة وليس عرضها، مشيرة إلى أن كل الجهود الحالية تتعامل مع مظاهر المشكلة وليس جذورها، وأى حوافز سيتم عملها غير مجدية دون حل المشاكل من جذورها، مؤكدة أن التربح من الأرض وكون الدولة أصبحت تاجر أراضٍ هو أمر كارثى، فلابد أن تكون الصناعة أولوية وتبنى المفهوم السليم للتنمية الصناعية. وأكدت عبداللطيف أن الحل ليس فى هيئة التنمية الصناعية وحدها، ولكن فى المنظومة بأكملها، فكثير من جهات المنظومة تعانى مشكلات مثل هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، لافتة إلى أن الأصل فى التراخيص أن تكون فى المحليات ولكن هذا يتطلب قانوناً للمحليات وتفعيل اللامركزية ولكن هذا غير موجود حتى الآن، وبالتالى حرصت الدراسة على وضع حلول حتى للأوضاع السيئة القائمة حالياً.