تعجبت سناء عندما سمعت ابنتها الصغيرة تقول لها بصوت مرتفع بعدما رفضت أن تجلسها على الكمبيوتر.." مامي أنا عندي ميل لازم أبعته، وكمان عايزة أقعد على الفيس بوك شوية".. أسقط في يد سناء ونظرت لإبنتها التي مازالت تتعلم كيف تنطق الكلام.. كيف لها أن تعرف وتنطق وتقول كلاما لازال الكثيرون من الآباء والأمهات لا يعرفون عنه شيئا. أما "حلا" وعمرها ثلاث سنوات ونصف فهي بالفعل لها حساب على موقع الفيس بوك، وهي تستطيع الدخول عليه وحدها لتقوم بمشاهدة الصور وغيرها من الألعاب والفيديوهات التي تجدها على هذا الموقع الشهير .. فقد علمتها أختها الكبيرة كيف تفعل ذلك وكيف تختار اسمها بعناية من على الكيبورد، وتنجح في الدخول بالفعل. ماما..عندي شغل "سلمى" أيضا وعمرها ثلاث سنوات طلبت من والدتها أن تبتاع لها "لاب" كما تعودت أن تنطقه ، فتحكي والدتها قائلة: ابنتي سلمى دائما تطلب مني أن أترك لها جهاز الكمبيوتر الموجود بالمنزل وأنا أكون مشغولة فلا أستطيع ان أجلسها عليه.. وعندما أقول لها لدي عمل لابد أن أنجزه ترد قائلة وأنا كمان ياماما عندي شغل مستعجل، عايزة أكلم "صفاء" وأبعت لها ميل ضرورى، وصفاء هذه صديقتها التي تحبها كثيرا.. ولما وجدت "سلمى" أن والدتها لا تتركها تجلس على الجهاز توصلت للحل وحدها.. حيث طلبت من والدتها أن تشتري لها جهاز "لاب توب" مثل الذي يحمله والدها. أما "مالك"وعمره أربع سنوات ونصف فقد أدمن الجلوس على الكمبيوتر والدخول على مواقع النت واختيار ما يحتاجه، مما أرهق والدته التي غالبا ما يدخل معها في مفاوضات عندما تطالبه بالنهوض عن الجهاز بعد الوقت المسموح له به والذي سبق وقاما بالاتفاق عليه سويا قائلا لها: "كمان" خمس دقايق.. وتقول والدته: أن الخمس دقائق تلك لا تنتهي أبدا.. إلا بعد شجار طويل. كل هذه القصص تتكرر في بيوتنا جميعا، فالكثير من الأطفال أقل من أربع سنوات أصبحوا يعرفون ماذا يعني الكمبيوتر، وما هي المواقع التي يفضلون الدخول عليها مثل "اليوتيوب" و"الفيس بوك".. فتلك المواقع أصبحت سهلة النطق على ألسنتهم نتيجة سماعها من الأهل ورؤيتهم وهم يدخلون عيها.. ولكن هل هذه الممارسات وتلك الثقافة مفيدة لأبنائنا الصغار أم لا؟ هذا ما تجيب عليه أميرة بدران ،المستشارة الاجتماعية والأخصائية النفسية، فتقول: عندما نربي أبناءنا تربية سليمة لابد أن نساعد الطفل على التعبير عما بداخله، ونتركه يفعل ما يريده بشرط توفر الرقابة اللازمة والكافية والواعية التي تتعامل مع هذا الطفل، مع وضع خصائص المرحلة السنية له في الاعتبار، فنستطيع مثلا أن نوجهه بطريقة سليمة يتقبلها وتؤثر فيه، فالتربية تعني ترسيخ القيم والمبادىء، والطفل فيما بعد هو من يتصرف وفقا لذلك مع المتابعة الناضجة من قبل الأهل. فروق فردية أما قصة الفيس بوك والدخول على النت تشير بدران إلى أن ذلك لابد أن يكون وفقا لما يعرف علميا "بالفروق الفردية"، وأن الأطفال بشكل عام ورغم وجود خصائص لكل مرحلة عمرية يتفقون في خطوطها العريضة، إلا أن هناك فروقا فردية تفرض تعاملا وتواصلا معينا يخص طفل عن آخر، وهذا يحتاج لتركيز من الأهل لاكتشافه والتعامل معه بشكل مناسب، مستشهدة في ذلك بالطفل المصري الذي لم يتم عامه الثالث عشر وحصل على بكالوريوس في الهندسة. وطبقا لذلك علينا مراعاة الفروق الفردية وأن "نعي" خصائص كل مرحلة لنتعامل معها بشكل جيد، لأن التواصل الاجتماعي في هذا العمر لن يكون ذا أبعاد اجتماعية مؤثرة كتكوين علاقات بشكل حقيقي، وأن الطفل الصغير يمكنه التواصل بشكل مختلف عن طريق الاشتراك في جروب يمارس لعبة مفيدة، أو فوازير أو غيره مما يناسب عمره، وأن تكون له بمثابة "بروفة" جيدة لبناء علاقات والتفاعل معها بتفاصيلها مع وجود "متابعة" ناضجة من الأهل. وتكمل: أتصور أنه في وجود تلك المتابعة كشرط أساسي سيكون تأثيرها جيد على الطفل، وأول تلك التأثيرات هي قوة "التواصل" بينه وبين أهله لأنه سيكون هناك موضوعات للمناقشة والحوار بينه وبينهم فيزداد القرب والترابط ومد جذور الثقة والصداقة التي يحتاجها كل طفل في حياته مع والديه كلما مر به العمر. وتستطرد بدران أنه كذلك سيتعلم بدرجة ما معنى الالتزام نحو علاقة، والتعامل معها في أوقات مرحها وأوقات "خناقاتها"، كذلك سيزيد من قدراته الإدراكيه وسرعة البديهة وحسن التصرف بمرور الوقت، وتجعله ينتبه ويدرك "وجود" العالم الخارجي لأنه في هذه السن يكون قد بدأ منذ فترة إدراك وجود هذا العالم حيث كان لا يدرك إلا عالمه فقط، ويرى كل آخر امتداداَ له، فيتواصل أسرع مع العالم الخارجي وبشكل أكثر تفاعلية.