«أنا حبيت أفضحه علشان كله يعرفه على حقيقته لأنى مش حابه إن اللى حصلى ده يحصل مع حد تانى... ترقبوا الصور!». اختتمت إحدى مستخدمات الفيس بوك بهذه العبارة تدوينة قصيرة Note لها على الموقع، كتبتها تحت عنوان «حسبى الله ونعم الوكيل» ونشرت بعدها صورا لحبيب سابق هو أيضا من مستخدمى الفيس بوك، سخرت فى الصور منه، ووجهت إليه ما استطاعت من السباب. الحادثة التى أثارت انتباه أصدقاء الفتاة على الفيس بوك وغيرهم ممن قرأوا التدوينة أو شاهدوا الصور، ليست إلا صورة جديدة للانتقام، باستخدام موقع اجتماعى، يبلغ عدد مستخدميه 157 مليون شخص من أنحاء العالم. الفتاة نفسها كتبت على الفيس بوك موجهة الكلام للحبيب السابق: «أعرفك إنى والله أقدر أبهدلك وأسلط عليك ناسى يموتوك من الضرب فى الشارع بس أنا مش هختار كده أنا اخترت إنى أفضحك». رأت فى «انتقام الفيس بوك» وسيلة للانتقام أكثر فاعلية وأقل تكلفة، فاستخدمته لتكون سابقة فى استخدام الفتاة الإنترنت للتشهير بالشاب! منذ ظهور الفيس بوك والزيادة الكبيرة فى أعداد مستخدميه من المصريين (نحو مليون ونصف مستخدم مصرى!) فضلا عن سهولة التعامل معه وكونه مجانا ومتاحا، صار ساحة متاحة للانتقام من الأشخاص أو المؤسسات عبر فضحهم أو التشهير بهم. اتصال وانتقام بمجرد الاتصال بشبكة الإنترنت يمكن الدخول لموقع الفيس بوك الذى يتيح تسجيلا وخدمات مجانية، منها تأسيس جروب، أى ساحة مخصصة لموضوع معين يحمله عنوانها، تجمع الأعضاء الراغبين فى الانضمام والذين يمكنهم تبادل النقاش والمعلومات والروابط والصور وملفات الصوت أو الفيديو. والجروب هو غالبا منصة الانتقام. وعلى جروبات الانتقام تتعدد الحكايات، لنجد أكثر من جروب يهاجم شركة «مصر للطيران» أحدهم تخصص فى تبادل حكايات اختفاء حقائب ومتعلقات المسافرين، والدعوة إلى الإصرار على استردادها من الشركة وعدم قبول التعويض الذى تقدمه. وعلى الشاكلة نفسها تأسس جروب (فضايح سبرايت) الذى يتبادل أعضاؤه خبراتهم السيئة مع المشروبات الغازية عموما، لكن محمد محسن مؤسس الجروب لا يقصد استخدام الفيس بوك للتشهير «أنا أرفض التشهير خصوصا إذا طال أشخاصا لم يؤذوا أى حد ولكن بجب التشهير بالخطأ»، ويروى محسن أنه اشترى يوما زجاجة مياه غازية فاكتشف فيها يرقات حشرات، ولم يجد طريقة للشكوى إلى الشركة التى لم يجد لها بريدا إلكترونيا، على حد قوله. وحاول تحرير محضر بالواقعة، لكنهم طلبوا منه بطاقته الشخصية، ولم يكن قد استخرج بطاقة بعد، فقرر اللجوء إلى موقع التعارف الأشهر. «اخترت الفيس بوك لأنه طبعا وبلا منازع أكبر تجمع إلكترونى على الانترنت، قررت عرض الموقف ودعوة الناس لكتابة ما تعرضوا له من مواقف مشابهة». جروب آخر ضد إحدى شركات المشروبات، أنشأه مستخدم يصف نفسه بأنه «شاب بيقول لا للنصب بأحلام الشباب فى المستقبل... مش ناقص!»، ويهاجم من خلال هذا التجمع هذه الشركة ومطربة واثنين من لاعبى كرة القدم، بدعوى أنهم أقاموا برعاية الشركة بالإعلان عن مسابقتين لاكتشاف المواهب الغنائية الشابة، وأصحاب المهارات فى كرة القدم، واشترك هو بها كغيره، وعندما ذهب فى العنوان المحدد إلى المسابقة لم يجد شيئا وعرف أنه ليست هناك مسابقة بهذا الاسم. لكن مسابقة أقيمت بالفعل فى جامعة القاهرة، كانت سببا فى تأسيس جروب آخر يتهم الجامعة بالانحياز لبعض الأطراف المشاركة فى المسابقة على حساب المعهد الذى يدرس به مؤسسو هذا الجروب، لتفوز هذه الأطراف بجائزة مهرجان التراث ويخرج المشاركون من المعهد «بلا حمّص»، مما دعا أحد أعضاء الجروب للتعليق بأنه «مهرجان التراشى» لا المهرجان التراثى. وبعد تعرض عدة شباب لما يعتبرونه (نصبا) من إحدى شركات الاتصالات، أسسوا «جروب» على الفيس بوك يحكون فيه تجربتهم مع الشركة التى عملوا لديه لفترة ثم استغنت عنهم دون إعطائهم حقوقهم. الأمر نفسه مع أصحاب جروب «أكبر شركة نصب وسرقة تسوق لبنك فى الشرق الأوسط». غير أن التجربة الأكثر مرارة، هى التى يقول أحدهم إن ابنه عاشها فى واحدة من كبريات مدارس اللغات، وفى جروب يحذر فيه الناس من إلحاق أبنائهم بهذه المدرسة، يذكر أن ابنه البالغ من العمر 6 سنوات تعرض للتحرش الجنسى فى المدرسة، ويقول إنه حاول مقابلة المديرة والشكوى إليها، لكنها رفضت ذلك حتى لا تثبت تهمة الإهمال على نفسها، بحسب ما يقول. ويوضح الرجل هدفه من تأسيس هذه الجروب قائلا: «من واجبى أن أنبه كل أم وأب حرصا منى كمسلمين وغير مسلمين أيضا، ربما أى أم تجد طفلها متغير السلوك خائفا تائها ولا تعرف ما به لحداثة سنه فأنا أنبه من هذه المدرسة التى تحث على الفساد فى المجتمع والساكت عن الحق شيطان أخرس اللهم قد بلغت اللهم فاشهد والله أعلم على صدق كلامى». ويفرق الأستاذ محمد البسيونى مؤلف كتاب «دولة الفيس بوك» بين نوعين من الأشخاص يستخدمون الفيس بوك لحشد الآراء ضد شخص أو جهة «هناك الشخص الذى الذى يواجه مشكلة مع شخصية أو جهة ما فيأخذ الطرق القانونية ثم يلجأ للفيس بوك باعتباره من طرق الاحتجاج، أو توجيه الراى العام لقدرة الفيس بوك على إيصال صوته لمعظم وسائل الإعلام، وهذا لا أعتقد أنه يمثل مشكلة، وشخص آخر لا يتفاعل مع المجتمع ويعبر عن مشكلاته من خلف الشاشة لعدم قدرته على المواجهة وبالتالى يلجأ للتشهير والسب عبر إلى الفيس بوك». وتمنع إدارة الفيس بوك التشهير والترويج للعنف أو الإباحية والكراهية ويكفى أن يقوم عدة أشخاص بالضغط على زر لإبلاغ إدارة الموقع بأن الجروب يخالف سياسات الاستخدام، ولا يتخذ الفيس بوك فى هذا الحالة إجراء قانونيا، إنما يقوم باغلاق الجروب ثم طرد العضو نفسه من الفيس بوك اذا تكرر الإبلاغ عنه. اكتب عن المرأة ومنذ انتشار الإنترنت فى مصر أواخر التسعينيات، صارت الطريقة الأسرع والأسهل للنيل من أى سيدة أو فتاة هى وضع صور فاضحة لها على الإنترنت، أو نشر رقم تليفونها باعتبارها داعرة. ولعب الفيس بوك دورا مضادا فى الانتقام، عندما استخدم لنشر أخبار تسىء إلى (هبة ونادين) ضحيتى أشهر جريمة قتل هذا العام، فأنشأ أصدقاؤهما على هذا الموقع الاجتماعى أكثر من جروب يدافع عنهما، وتدعو (للانتقام) القانونى من مروجى هذه الأخبار ومعاقبتهم. لكن واحدة من مستخدمى فيس البارزين فى مصر، قررت الانتقام ممن يصل انتقادهم إلى حد التشهير، « أكثر من مرة وجدت نفسى موضوع جروب على الفيس بوك» تقول ذلك آسر ياسين المدونة الناشطة خارج الفيس بوك، ومستخدمة مثيرة للجدل عليه، فهى السيدة التى رفعت دعوى ضد أحد الشباب الذى تحرش بها فى الطريق، وهى من دعت لتنظيم يوم مصرى لمناهضة التحرش الجنسى. ووسط كل التشجيع والانتقاد كان هناك ما يصل إلى حد الإهانة. وتروى آسر: «فى مرة وجدت أحدهم أخذ صورة لى من الفيس بوك وأنشأ جروب لمناهضة آسر ياسين مدعية الثقافة، ومرة أخرى أخذ أحدهم صورتى وركبها على جسم عار»، وتدخل زوج آسر وأرسل لمؤسس الجروب يخبره أنه سيتخذ ضده الإجراءات القانونية. وبشكل عام تتعامل آسر مع العبارات الجارحة وما يصل منه إلى السباب بالرد المتعقل! لكنها تلجأ أحيانا للانتقام عبر الفيس بوك. ففى مرة تلقت من أحد مستخدمى فيس بوك عددا من الرسائل التى تتهمها بما يعاقب عليه القانون، فما كان منها إلا أن نشرتها للجميع وعليها اسم المرسل، فى تصرف يفضح سوء أدبه. وفى مرة أخرى علّق أحدهم على صورة عائلية لها بشكل غير مرض، فكتبت عن تعليقه، ووضعت رابطا لهذا التعليق، ليرد أصدقاء آسر على مضمون التعليق، بدلا من رد واحد منها. وترى آسر أن تفاعلها بهذه الطريقة «الانتقامية» نوعا ما، فعال تماما «أشعر أن الناس أصبحت تتردد قبل توجيه الكلمات الجارحة إلىّ». من الفيس بوك للمحكمة من بين مجموعات كثيرة على الفيس بوك تنتقد وتهاجم وتنتقم، برز قبل بداية شهر رمضان جروب «الإعلانات المسروقة على قناة القاهرة والناس»، الذى انضم له فى نحو أسبوعين 4 آلاف مشترك. ويعرض الجروب الإعلانات التى تذيعها قناة (القاهرة والناس) الفضائية الرمضانية، والمستوحاة فكرتها من إعلانات أجنبية. وقررت القناة مقاضاة تامر عزب مدير هذا الجروب، وبالفعل أرسل مكتب الأستاذ طارق نور إنذارا لعزب يفيده بتوجيه تهمة السب والقذف إليه. ويقول تامر، الذى لا يزيد عمره على 22 عاما، إنه لم يقصد انتقاما أو تشهيرا «كل غرضى كان كشف الاقتباس من الإعلانات الأجنبية، أعتقد أنه أمر لا ضرورة له مادام لدينا عقول تستطيع إبداع ما هو فى مستوى هذه الإعلانات وأفضل». ويذكر عزب أن القناة لو تفاعلت مع الجروب، لأطلقت حملة باسم (المصرى أحلى) تذكر فيها أنها بالفعل قامت بتمصير بعض الإعلانات، ودعت مشاركيها إلى البحث عن الأصول الأجنبية لهذه الإعلانات، وجعلت مكافأة الفائز الظهور على شاشتها، وهو ما يعتبره نجاحا للجروب. وأثيرت شائعات بأن عزب كان يعمل فى شركة طارق نور صاحب القناة وتم فصله منها، فكانت فكرة الجروب نوعا من الانتقام لقرار فصله، وهو ما ينفيه عزب تماما. بل يبدو مؤمنا للغاية باستخدامه الفيس بوك: «لابد أن يكون فكرة الجروب التى تتيحها الفيس بوك أداة لكشف أى فساد، خصوصا أن جمهوره واسع واستخدامه سهل، وبضغطة واحدة يمكنك إيصال صوتك للناس». الانتقام من المفسدين مجموعات أخرى على الفيس بوك تقول إنها تواجه الفساد والانحرافات، سواء فسادا على مستوى أجهزة الدولة، أو حتى ناد رياضى. فقبل أسابيع ألقت وزارة الداخلية القبض على مدير الإدارة المالية السابق بنادى سبورتنج بالإسكندرية، بعدما تبين لجوءه إلى الفيس بوك للتعريف بما اعتبره مخالفات ورشاوى مجلس إدارة النادى. وأنشأ المدير السابق جروب على الفيس بوك لم يعلن فيه عن شخصيته، لكن أعضاء من مجلس الإدارة وصلوا للجروب وقدموا بلاغا لمباحث مكافحة جرائم الحاسبات، قالوا فيه إن ما يكتبه مدير الجروب بهدف التشهير والانتقام من مجلس الإدارة الذى فصله بعدما زاد راتبه دون الرجوع للمجلس. ومصير هذا المدير سيتم تحديده فى وقت يخلو فيه التشريع المصرى من قانون مخصوص للجرائم التى تتم باستخدم الفيس بوك أو الإنترنت عموما. ويقول جمال عيد، المدير التنفيذى للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان: «يخلو التشريع المصرى حاليا من قانون مخصص لجرائم الإنترنت، لكن يجرى تطبيق مواد القانون الجنائى على الجرائم التى تستخدم فيها شبكة المعلومات، ومنها السب والقذف والإهانة». ويشرح مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان أن قانون العقوبات يضم 30 مادة تتعلق بالنشر، وتتراوح العقوبة فيها بين الغرامة والسجن أو بكليهما، وتزداد مدة العقوبة إذا تناول موضوع النشر موظفا عاما، ويلفت جمال عيد «غالبا هذه المواد لا تفعل إذا كان محل الانتقاد أو الانتقام شخصا عاديا». لكن التطرق إلى كيانات تجارية يظل أمرا غير محدد العواقب!، فالشركة التى تجد نفسها موضوع «جروب» على الفيس بوك ينتقد منتجها أو خدمتها، قد تتصل بمؤسس الجروب وتحل مشكلته التى دفعته لخطوة «الانتقام» منها عبر هذا الموقع الاجتماعى، فيظهر فى الجروب أن الشركة حسمت المشكلة، مما يغير انطباع جمهور الفيس بوك عنها، أو أن تطالب الشركة مؤسس الجروب بإلغاء ما نشره عنها، وهو ما تعرض إليه أحد المشتركين قبل عدة أشهر، حيث اشترى كاميرا من سلسلة محال شهيرة، واكتشف بها عيبا لكنه فشل فى إعادتها للمحل، فلجأ إلى الفيس بوك للشكوى أو الانتقام من المحل، وتعرض لضغوط من أصحاب هذه السلسلة تسببت فى مسحه ما كتبه عنها. ويظل خيار «التجاهل» واردا من جانب الشركات، التى لا تهتم بوجود جروب يهاجمها، مادام عدد المشتركين به غير كبير. وبنظرة الحقوقى يرى الأستاذ جمال عيد، المدير التنفيذى للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، أنه يظل من حق الفرد استخدام الفيس بوك والإنترنت عموما للتعبير عن آرائه ومواقفه تجاه الجهات والأشخاص، مادام يمتلك دليلا على صحة ما يكتبه.