الأحداث التي وقعت يوم الجمعة الماضي أمام مقر الاخوان المسلمين بالمقطم، كشفت عن حجم الكارثة المحدقة بمصر، فالبلاد التي كانت آمنة أصبحت على شفا حفرة من الحرب الأهلية، وما حدث في المقطم ما هو الا «بروفة» لتلك الحرب، حيث اقتتل المصريون، وأشهروا أسلحتهم في وجوه بعضهم البعض، ولأول مرة نشهد رهائن من الجانبين، وتبادل الأسرى، بل وصل الأمر الى حرب شوارع أصيب فيها 234 مصاباً في مختلف المحافظات وفقاً لإحصاءات وزارة الصحة. هذا هو حال المصريين الآن، قتال في كل المحافظات، حرق لمقرات الاخوان، أسرى من الطرفين، حتى بات شبح الحرب الأهلية يخيم على الجميع، ومع انتشار الأسلحة المهربة من ليبيا وغزة، واتساع سوقها ورواجها في كل مكان يصبح الأمر جد خطير.. لذا فنحن ندق ناقوس الخطر قبل أن تقع الكارثة، ورغم أن الخبراء انقسموا بين مؤيد ومعارض لفكرة وقوع حرب أهلية، فإنهم أجمعوا على أن الرئيس وحكومته يتحملان مسئولية هذا العنف، وأنه إذا لم يستمع الرئيس لمعارضيه وساءت الأوضاع أكثر من ذلك فسيقع ما هو أسوأ من الحرب، فثورة الجياع قادمة لا محالة، ووقتها فعلي مصر السلام. رغم كل أحداث العنف التي شهدتها مصر طوال الفترة الماضية، فإن ما حدث يوم الجمعة الماضي في المقطم وفي عدد كبير من محافظات مصر من اشتباكات بين الإخوان وقوى المعارضة، يجب ألا يمر مرور الكرام، فمسلسل العنف بين أبناء الوطن الواحد الذي بدأ منذ أحداث الاتحادية في شهر ديسمبر الماضي، أصبح كارثة بل بداية لحرب أهلية وشيكة، مع انتشار الأسلحة المهربة من ليبيا وغزة، ومع غياب الأمن، وضعت مؤسسات الدولة، وانهيار الداخلية، واستقواء جماعة الاخوان المسلمين، تزداد الصورة قتامة، ففي أحداث الاتحادية، وحينما حاول نفر من جماعة الاخوان المسلمين فض اعتصام القوى السياسية المعترضة على الاعلان الدستوري الذي أعلنه الدكتور محمد مرسي، قام الاخوان باحتجاز عدد من المتظاهرين وتعذيبهم وصلت الجماعة حل الداخلية في القاء القبض على المواطنين، وتقديمهم الى النيابة، وبعدها تكررت اعتداءات المنتمين للجماعة لإسكات أصوات المعارضين لهم، واعتدوا على النساء والرجال دون أن تحرك الدولة ساكناً، ثم قام بعض النشطاء السياسيين بالتوجه الى مقر جماعة الاخوان ومكتب الإرشاد بالمقطم، وحاولوا تسجيل معارضتهم من خلال «الجرافيك» وهو ما رفضته الميليشيات الاخوانية التي اعترضت المتظاهرين، وتعاملت معهم بمنتهى القوة والعنف، وتم الاعتداء على الناشطة ميرفت موسى وأحمد دومة واثنين من المصورين الصحفيين، ومن ثم ثارت كل القوى السياسية ضد هذا العنف، وقرر الجميع التظاهر أمام مقر الجماعة بالمقطم يوم الجمعة الماضي، فوقعت الواقعة، فعنف الجماعة لم يكن من طرف واحد، بل واجهه عنف من الطرف الآخر أيضاً، وحدثت مواجهات دامية بين الطرفين أسفرت عن إصابة 234 شخصاً وإحراق عدد من مقرات الحرية والعدالة بالمنيل والمحلة والمنصورة، ولكن المشهد الأخطر في هذا المسلسل المتنامي من العنف هو الأسرى بين الطرفين، واحتجاز رهائن حتى يتم مبادلة الأسرى بهم. هذا المشهد المرعب أكد أن مصر أصبحت على حافة جرف من نار الحرب الأهلية، تكاد تسقط فيها الدولة كلها، وغياب الأمن يزيد من حجم الكارثة، وتخلى الداخلية عن دورها في حفظ الأمن يؤدي لاتساع الهوة أكثر وأكثر، وهو ما يؤكده الدكتور عبدالله المغازي المتحدث باسم حزب الوفد الذي أشار الى أن ما حدث في المقطم ليس منفصلاً عما حدث من قبل، فعنف الاخوان في مواجهة المتظاهرين السلميين أدى الى ما حدث، بالاضافة الى غياب دور الأمن، وقيام ميليشيات الإخوان بالتعدي على المتظاهرين، وبالتالي وقع العنف المضاد. ورغم أن الدكتور المغازي استبعد فكرة الحرب الأهلية، فإنه أكد أن استمرار العنف على هذا المنوال سيؤدي الى حالة من الاحتقان الدائم، وسيؤدي الى مزيد من الانهيار الاقتصادي. ويتفق مع هذا الرأي الدكتور رفعت سيد أحمد مدير مركز يافا للدراسات السياسية مشيراً الى أن الحرب الأهلية لها أدوات مختلفة، فغالباً ما تقع الحرب الأهلية في بلاد بها صراع مذهبي أو عنصري، ولكل منها ميليشيات مسلحة، وهذا لا يتوافر في مصر، ومن هنا فاحتمال الحرب الأهلية مستبعد، الا إننا أمام مأزق خطير، حيث إن العنف أصبح هو السمة الغالبة في المجتمع، ويحمل الدكتور رفعت كافة الأطراف مسئولية هذا العنف، لأنهم فشلوا في خلق لغة حوار تحل المشكلات، فرغم أن كل الاطراف شاركوا في الثورة فإنهم فشلوا اليوم في ايجاد لغة حوار مشتركة بينهم، ومن ثم تصاعدت الأحداث بهذا الشكل، والخروج من هذا المأزق لابد أن يجلس الجميع الى مائدة الحوار غير المشروط، وفق أجندة وطنية تحفظ لمصر أمنها وتحقق للشعب المصري مصالحه الاقتصادية والسياسية التي قام بالثورة من أجلها. الحرب قادمة وعلى الجانب الآخر يقف السياسي جمال أسعد مشيراً الى أن ما يحدث الآن في مصر سيؤدي حتماً الى حرب أهلية لا يؤمن عقباها، وحمل أسعد المسئولية للنظام الحاكم، الذي يدعى أنه جاء بالصندوق، ومع ذلك فهو غير حريص على إحداث توافق وطني، ويعمل من خلال حكومة غير مرضية للشعب، ومن ثم يخرج هذا الشعب في مظاهرات مضادة للنظام، وتوجه لمكتب الارشاد مؤخراً لثقته في أنه الحاكم الفعلي للبلاد، وليس الدكتور محمد مرسي، كما أن اداء الحكومة السيئ لم يرض طموحات الشعب الذي قام بالثورة لتحسين أحواله، في حين اكتفت جماعة الاخوان المسلمين «بالتكويش» على السلطة، ومن ثم خرج هذا الشعب مدافعاً عن نفسه وعن ثورته، بل إنهم قاموا بحرق مقرات الاخوان، في رسالة واضحة لهم بأنهم أصبحوا مثل الحزب الوطني الذي ثار الشعب ضده من قبل، وأحرق مقراته. وأضاف أسعد: كان على الرئيس أن يعمل لإيجاد توافق وطني، ويعمل وكأنه حاكم لمصر كلها وليس ممثلاً لجماعته فقط، هذا الوضع خلق حالة من الرفض الشعبي لهذا الحكم، وعنف الجماعة خلق حالة من العنف المضاد ولهذا وصلت الأمور الى ما وصلت اليه الآن من «احتراب» قد يؤدي بنا الى حرب أهلية وثورة جياع بسبب تدني الأوضاع الاقتصادية، ولذلك فلابد أن يعي الرئيس أن الأمور لو ظلت على ما هى عليه، فالكارثة قادمة لا محالة، ولذا يجب أن يخرج علينا الرئيس ببرنامج حقيقي لإنقاذ الوطن مما هو فيه، ويثبت أنه رئيس لكل المصريين، وليس لجماعته فقط. وينضم اللواء أمين راضي، الخبير الأمني ورئيس لجنة الأمن القومي بمجلس الشعب سابقاً، لهذا الرأي مشيراً الى أن مؤسسة الرئاسة والحكومة وجماعة الاخوان المسلمين جميعهم مسئولون عن هذه الحالة من الفوضى، فهناك مشاكل سياسية واقتصادية تعاني منها البلاد، ومع ذلك فهم لا يعملون على حلها، بل تركوا الأوضاع تزداد سوءا، ومشاكل المواطنين وأحوالهم تتردى أكثر، ومن ثم خرج العديد منهم في المظاهرات رافضين لنظام الحكم، وأمام عنف الاخوان زادت أعمال العنف حتى أصبحنا على شفا حرب أهلية بسبب حالة الفوضى وعدم الالتزام، وانتشار أعمال البلطجة والعنف. ويطالب اللواء راضي الرئيس مرسي بضرورة الاستماع للرأي الآخر، وقبول المعارضة، ومحاولة استيعاب الشباب الرافض له، وأن يثبت أنه رئيس لكل المصريين، ويجلس مع المعارضين للحوار لتهدئة المواقف قبل أن تقع الكارثة.