شهدت مصر مؤخرا أحداث عنف أدت إلى سقوط قتلى واعتداء على معارضين وشخصيات عامة والحديث عن تسليح أنصار جماعات معينة على خلفية انقسام حاد في المجتمع ، وهو ما أثار المخاوف من الإنزلاق إلى دوامة الفتنة بين الشعب المصري الذي عرف عبر تاريخه بأنه من أكثر الشعوب سلمية إلى حد اتهامه بالسلبية. وحسب تقرير لسكاي نيوز .. قد يكون عدد القتلى الذين سقطوا في الاشتباكات التي دارت يوم 5 ديسمبر عند قصر الاتحادية الرئاسي، الذي وصل إلى 8 أفراد، لا يرقى إلى عدد الأرواح التي تحصدها الحروب الأهلية في دول مجاورة في دقيقة واحدة، إلا أن مظاهر العنف دخيلة على حياة المصريين اليومية. وكان معارضون اتهموا أنصار التيارات الإسلامية المؤيدة للرئيس محمد مرسي بالهجوم على مجموعة من معارضيه اعتصموا عند القصر للاعتراض على الإعلان الدستوري الذي أعطى به الرئيس لنفسه صلاحيات غير مسبوقة، وعلى دعوته إلى الاستفتاء على الدستور الجديد الذي تقول المعارضة إنه غير معبر عن كل أطياف الأمة. وتلى هذا الهجوم اشتباكات في الشوارع استخدمت فيها طلقات الخرطوش والزجاجات الحارقة والغاز المسيل للدموع، وقتل فيها 8 أشخاص أعلنت جماعة الإخوان المسلمين أنهم جميعا من أنصارها. وفى موازاة الانتقادات الشديدة التي وجهها المعارضون لمرسي ودعوتهم إلى إسقاطه "لتعديه على الشرعية"، سادت لهجة تخوين المعارضة من قبل بعض قادة التيار الإسلامي والتعدي بالضرب المبرح على معارضين مثل النائب السابق محمد أبو حامد والمرشح الرئاسي السابق أبو العز الحريري، وتهديد بعض الإعلاميين الذين ينتقدونهم. ومن الجهة الأخرى، قامت مجموعة بضرب القيادي الإخواني صبحي صالح في الإسكندرية وحرق سيارته وتهديده بإلقائه تحت عجلات القطار. واتهم صالح المعارضة بالاعتداء عليه. وتخللت موجة التظاهرات ضد الإعلان الدستوري، حرق 28 مقرا من مقرات الإخوان المسلمين بينها المقر الرئيسي في المقطم بالقاهرة. وفي نهاية المرحلة الأولى من الاستفتاء السبت الماضي اقتحمت مجموعة مقر جريدة حزب الوفد المعارض وألحقت به أضرارا، واتهم رئيس الحزب السيد البدوي أنصار الشيخ السلفي حازم أبو إسماعيل بالقيام بالهجوم وهو ما أنكره هذا الأخير. وفي اليوم الذي سبق الاستفتاء وقعت اشتباكات في محيط جامع القائد إبراهيم بمدينة الإسكندرية واحتجز الشيخ المحلاوي إمام المسجد بعد أن اعترض بعض المصلين على قيامه بالدعوة بالتصويت لصالح الدستور أثناء خطبة الجمعة. كما ألقى شبان قنابل مولوتوف الأربعاء على فرع متجر شهير بالقاهرة يملكه سلفيون فأحدثوا به أضرارا مادية. وأثارت تصريحات عصام العريان، نائب رئيس حزب الحرية والعدالة، المنبثق عن الإخوان المسلمين، عن تفكير الجماعة في تسليح أفراد أمن حماية مقراتها خوفا من تكوين ميليشيات تعمل بموازاة ومنأى عن أجهزة الأمن الرسمية التابعة لوزارة الداخلية وما لذلك من تداعيات خطيرة. ونفى العريان في حديث مع "سكاي نيوز عربية" اعتزام الجماعة خلق ميليشيات مسلحة، إلا أن المخاوف ظلت راسخة في نفوس العديد من المواطنين. وعلى الرغم من أن الحياة تسير في مصر بشكلها المعتاد وتمتلئ المقاهي والشوارع بالرجال والنساء حتى ساعات متأخرة من الليل دون أن يتعرض لهم أحد حتى في الأيام التي شهدت أحداث عنف، ولكن كثيرين أعربوا عن خشيتهم من تفاقم الأوضاع. وقالت سما العزازي، أخصائية اجتماعية، "أتابع مظاهر العنف التي ظهرت أخيرا في مصر وأستعيد مشاهد ما يحدث في سوريا وفي العراق والحرب الأهلية اللبنانية وأخشى أكثر ما أخشاه أن ينزلق وطني إلى دوامة مماثلة من العنف المدمر الذي يقضي على الأخضر واليابس". وتتابع "لو قال لي أحد منذ شهر واحد فقط أنني سأرى مصريا يضرب مصريا آخر بل ويقتله أيضا لقلت إن هذه أقوالا مغرضة ومستحيلة الحدوث". ويرى أسعد عبدالعال، كهربائي، أن "الأغرب هو أن كل ذلك حدث أمام أعين قوات الأمن وأنها لم تتدخل إلا في نطاق محدود للغاية لفض الاشتباكات أو لحماية الطرف المعتدى عليه". "لقد اعتدنا أن يضرب الأمن المواطنين لا أن يضرب المواطنون بعضهم البعض إلى حد نتمنى فيه تدخل الأمن"، حسب عبدالعال. وقال مصدر أمني طلب عدم ذكر اسمه، "اتهمت قوات الأمن بالسلبية ولكن إذا تدخلنا سوف ننتقد ونهاجم ويتهمنا كل طرف بالانحياز للطرف الآخر، ونحن بلا شك في موقف حساس لا نحسد عليه لكن في ظل الاستقطاب والانقسام الحاد تدخلنا سيجعل منا طرفا في المواجهات وذلك ليس في مصلحة البلد أو الشعب". "ما يقلقنا هو مستوى العدوانية المكبوت الذي ظهر فجأة مثلما رأينا في حالة صبحي صالح وفي الضرب العنيف مثل ما حدث خلال الهجوم على معتصمي الاتحادية ومنهم نساء"، كما يؤكد المصدر. أما أكثر ما يخشاه راشد محمد علي، خفير منزل، هو خطاب التكفير ودعوة بعض قادة التيار الإسلامي معارضيهم إلى مغادرة البلاد إن لم يكونوا راضين عن سياسة مرسي. "أخشى أن يأتي اليوم الذي يأتيني فيه شخص يقول لي، أنا المسلم الملتزم بأداء فروض ديني، أنني كافر وأن علي أن أغادر البلاد"‘ حسب راشد . ويقول "لا أريد أن يضطرني العنف في بلدي إلى الهجرة، ثم أين يذهب شخص مثلي دون مال أو مؤهل دراسي أو إلمام بلغات أجنبية". ومنذ قيام الثورة وصعود التيار الإسلامي ازداد التهافت على محاولة الحصول على جنسيات أجنبية ومحاولة إخراج أموال إلى خارج البلاد بالالتفاف على قرار الحكومة منذ قيام الثورة بعدم جواز تحويل أكثر من 100 ألف دولار في المطلق. ويقول محسن حبيش، تاجر أقمشة، "نعم اتخذت إجراءات وقائية تحسبا للظروف وحصلت على جنسية غربية إلا أنني لا أريد أن أترك بلدي حيث ولدت وكبرت ولي ذكريات في كل شبر منها". ويرى أن عدم توافر المال وفرص العمل يجعل من تنفيذ مشروع الهجرة مجرد أوهام. ويقول حبيش، وهو مسيحي الديانة، إنه "ساد اعتقاد خاطئ في السنوات الماضية بأن كل الأقباط أغنياء على شاكلة عائلة المليونير نجيب ساويرس، لكن الواقع مخالف لذلك فأغلبية الأقباط من الكادحين مثلهم مثل بقية الشعب المصري". ويستبعد أخصائي مساعدة الأفراد على تخطي الأزمات والعوائق النفسية، علي مرعي، "أن يكون شبح الحرب الأهلية يلوح في مصر". "هذه ليست طبيعة الشعب المصري. لكي يتفشى العنف يجب أن يكون الطرفان عنيفين، وأعتقد أن الغالبية العظمى من المصريين يفتقرون لحجم العنف والعدوانية المطلوبين للدخول في حرب أهلية". ويضيف مرعي "ما يحدث الآن هو تكتيك موجه لمجموعات معينة مثل المعارضين والإعلاميين للتخويف والردع وليست جموع غاضبة تحرق كل ما في طريقها". ويضيف "الأجواء ملبدة والعنف موجود بلا شك لكنه ليس ظاهرة عامة متفشية في المجتمع، ولا أرى المصريين يدخلون في سيناريو مثل لبنان أو العراق أو الجزائر". "لكن في نفس الوقت يمكن أن ينقلب كل ذلك، فالمصريون كسروا مؤخرا كل قواعد ما كان متوقعا منهم، ولو كان أحد قد قال لي يوم 24 يناير 2011 إنهم سيتظاهرون حتى يسقطوا الرئيس حسني مبارك بعد أن صبروا عليه 30 عاما لقلت إن هذه مجرد أوهام".