ما يحدث فى مصر الآن أغرب من الخيال، وحتى الخيال نفسه بات أمام المهازل التى تحدث قزمًا - إن صح التعبير - فرغم كل الأحداث الدامية التى مرت بها البلاد منذ تولى الرئيس محمد مرسى سدة الحكم، وسقوط الأعداد الهائلة من الشهداء ومثلهم بل ويزيد بأرقام فلكية من المصابين، إلا أن رئيسنا الذى فقد شرعيته السياسية والأخلاقية ووصل إلى حكم مصر فى غفلة من الزمن، يعلن بالفم المليان الحرب على المعارضين وجميع المصريين الذين يرفضون الخضوع لطواعيته أو الرضا بما تفعله جماعته الحاكمة. المسرحية الهزلية التى قام بها الرئيس مساء الأحد «الماضى» التى هدد فيها المعارضة بالوعيد والانتقام وإحالة الرافضين لحكم الجماعة إلى المحاكمة، تعنى أن رئيس مصر لم ير إلا الأزمة المفتعلة التى قامت بها جماعته فى موقعة المقطم الأخيرة.. لقد أصاب الرئيس الإحباط النفسى عندما وجد أن جماعته تنهار أمام جحافل المصريين الرافضين لحكم «الجماعة» الذى لا يعرف سوى سياسة الاقصاء والاستحواذ، ومنطق العنف والسحل والضرب. رئيس مصر الفاقد للشرعية الذى وصل إلى الحكم فى غفلة من الزمن كشف عن وجهه الحقيقى فى الديكتاتورية والاستبداد، وأظهر خوفه على «المكانة» التى وصلت إليها الإخوان.. ولم يطق صبرًا أن يتحمل أكثر من تسعة شهور حتى ظهر على حقيقته التى كان يخفيها. وكما قلت مرارًا وسأظل أقول إن الأفعال والحماقات التى يقوم بها غلمانه من التيارات «المتأسلمة»، إنما بموافقة صريحة منه، وليس من وراء ظهره، لقد نقل «المتأسلمون» زمام الأمور من أمام مكتب الارشاد بالمقطم إلى مدينة الانتاج الإعلامى ومحاصرة الإعلاميين والصحفيين الذين أخذوا عهدًا على أنفسهم أن يستمروا فى جهادهم ونضالهم لكشف ألاعيب ومخططات الجماعة الجاهلة الفاشية التى تتاجر بالدين، واستطاعت خلال فترة من الزمن أن تخدع بسطاء الشعب من خلال أكياس المكرونة والأرز والزيت والسكر.. لقد عرى الصحفيون حقيقة «الجماعة» التى تصدعت من داخلها ودب فيها الانهيار والانقسام وانكشف مندوبها السامى فى رئاسة الجمهورية. نقل الأحداث إلى مدينة الإنتاج الإعلامى، للتشويه على ما يحدث من جرائم فى حق المصريين وشغل الصحفيين عن أداء رسالتهم ومهمتهم المقدسة.. ولم تكتف الجماعة بذلك بل راحت تلاحق المعارضين والإعلاميين على جميع مستوياتهم قضائيًا، اضافة إلى محاولة منعهم من أداء رسالتهم.. بل زاد «الطين بلة» أن قائد «غزوة الوفد» والاعتداء على مقر الحزب والجريدة عبدالرحمن عز، أعلن بالفم المليان أنه سيطارد الصحفيين أمام منازلهم بالسحل والضرب والحرق.. ورغم أن هذا «الفسل» مدان فى عدة جرائم إرهابية إلا أنه مازال حرًا طليقًا ولم تمتد إليه يد العدالة من قريب أو بعيد.. ورغم البلاغات الكثيرة المحررة ضده، إلا أن النائب العام المعين من الإخوان وأتباعهم وأذنابهم يتغاضى الطرف عن الجرائم البشعة التى ارتكبها فى حق مؤسسات الدولة والمعاضين وجموع المصريين الشرفاء الذين يقفون بالمرصاد لكل من تسول له نفسه أن ينال من الوطن الغالى على نفوس الأحرار فى الأمة المصرية. ويأتى خطاب الرئيس الأخير، بمثابة سكب البنزين على النار ليشعل غضب المصريين، فالرئيس لم ير إلا الدفاع عن جماعته وأذنابها وأتباعها، ويتغاضى عن جرائم جماعته والمذابح التى قامت بها منذ اندلاع الثورة وحتى الآن، فالجرائم التى تمت تستوجب تقديم هؤلاء إلى المحاكمة، خاصة أن المذابح زادت على حدتها بشكل ملحوظ فمرة فى موقعة الجمل أيام الثورة وبعدها - أى بعد وصول مرسى للحكم - مذابح الاتحادية وحصار مدينة الإنتاج الإعلامى الذى لا ينتهى والاعتداء على مقر حزب الوفد وجريدته وصحيفتى الوطن والدستور ومذابح بورسعيد التى راح ضحيتها شهداء ومصابون وحصار المحكمة الدستورية وأخيرًا «موقعة المقطم»، ورغم ذلك كله يتجرأ الرئيس ويعلن الحرب على المعارضة ويتغاضى عن كل هذه المصائب.. بماذا نسمى هذا؟!.. إنه المهزلة التى ليس بعدها مهزلة.