كشفت دراسة عن ملاحظات فى مشروع قانون الصكوك السيادية المقترح لإصدار صكوك إيجار بضمان أصول الدولة. قالت الدراسة التى أعدها الدكتور مدحت نافع الخبير الاقتصادى والمالى إن مشروع القانون تجاهل أهمية صكوك الشركات وركز على الصكوك السيادية رغم ما أثير من جدل حول شبهة استغلال أصول الدولة بصورة غير ملائمة لإصدار هذه الصكوك، إذ إن الواضح أن مشروع القانون يهدف إلى تدشين الصكوك السيادية بصفة خاصة وعاجلة، متجاهلاً إصدار صكوك الشركات الأكثر سيولة عالمياً. وأشارت الدراسة إلى أنه تم منح الصكوك كأداة تمويلية ميزة الإعفاء الضريبى الذى اختصت به الحكومة تعاملات الصكوك فى المشروع المقترح، وأنه فى ظل فرض ضرائب أرباح رأسمالية على تعاملات الأوراق المالية التقليدية فى البورصة وليس فقط على الطروحات الجديدة قد يعد توجيهاً للمستثمر لاستبدال محتويات محفظته المالية بالصكوك. وأوضحت أن هناك العديد من الملاحظات الشرعية إذ إنه رغم أن الصكوك يتم تسويقها باعتبارها مشروعاً إسلامياً خالصاً، ورغم أن سلبيات مشروع القانون يصب معظمها فى التشدد للتكييف الشرعى والرقابة الشرعية، ورغم أن معظم الفوائض المستهدف اجتذابها تراعى البعد الشرعى، إلا أن مشروع القانون لم يخل من ملاحظات شرعية بنده الأول يتمثل فى بيع الديون مازال قائماً، وينص عليه مشروع القانون عند تعريف موجودات الصكوك، كذلك ينص على تداول الديون ضمناً لدى الحديث عن صكوك المرابحة (لا يجوز توريقها شرعاً وإن أجازها مجمع الفقه الإسلامى فى قرار رقم 5 دورة الانعقاد 1988 على سبيل الاستثناء)، بالإضافة إلى التصنيف الائتمانى وضمان رأس المال مازال قائمين، وكذلك تضارب الفتاوى وارتباك الأسواق إذ إن ترك الباب مفتوحاً أمام الرقابة الشرعية المستمرة للصكوك وجعل تلك الراقبة تأخذ شكلاً حكومياً ذا قرارات ملزمة ونهائية، يتنافى مع طبيعة الشريعة الإسلامية السمحة التى تقبل اختلاف الآراء وتنوع الفتاوى حول المسألة الواحدة. كما حذرت الدراسة من عدم إشراك القوى السياسية فى عملية إعداد مشروع القانون، بالإضافة إلى الإصرار على سرعة تمرير المشروع، وذلك فى غيبة مجلس النواب المنتخب وفى غيبة حوار مجتمعى جاد حول مزايا وعيوب مشروع القانون وليس المنتج ذاته مما يفقد المشروع جدواه الحقيقى. كما أشارت الدراسة إلى أن ما أعلنته وزارة المالية عن رصد أحد البنوك الإسلامية العالمية لما قيمته ستة مليارات دولار للاستثمار فى الصكوك المصرية أمر يثير العجب، فإذا كانت إصدارات الصكوك قد تراجعت عالمياً، وإذا كانت ماليزيا (الأعلى إصداراً) قد اقتصر حجم إصداراتها فى عام 2012 على ما قيمته 2 مليار دولار فقط، فما هو مسوغ رصد هذا المبلغ للصكوك المصرية الناشئة؟ وما مداه الزمنى؟ ثم كيف يرصد مصرف محترم هذه الأموال لصكوك لا يعرف ماهية أصولها الضامنة بل لما يقر قانونها بعد. كما شددت الدراسة على الملاحظات الفنية حول دور رئيس الوزراء إذ عمدت النسخة المعدلة من مشروع القانون إلى استثناء أصول الدولة الثابتة المملوكة ملكية عامة من أن يصدر بضمانها «صكوك ملكية الأصول القابلة للتأجير»، لكن المأخذ الأول على هذا الاستثناء أن تلك الأصول مازالت مادة لإصدار النوع الثانى من صكوك الإجارة تحت مسمى «صكوك ملكية منافع الأصول القابلة للتأجير» علماً بأن السقف الزمنى لملكية المنافع لم يحدد (قد يكون 1000 سنة! ألا يعد هذا ملكية رقبة؟!). كذلك ترك المشروع اختصاص تحديد تلك الأصول المستثناة من صكوك ملكية الرقبة لمجلس الوزراء بناء على عرض وزير المالية!! فلما لا يصدر بتحديدها قانون يقره المجلس التشريعى بالإضافة إلى أن مشروع القانون تضمن قيام وزارة المالية بإنشاء وحدة لإدارة وتقييم الأصول الحكومية محل التصكيك، وحددت لها من الاختصاصات ما نلحظ فيه تداخلاً مع دور وزارة الاستثمار. كما حدد المشروع هيئة شرعية مركزية لإقرار مدى موافقة الصكوك لأحكام الشريعة الإسلامية، لكن تشكيلها قد اشترط أن يكون غالبية الأعضاء فقط من المصريين! فإذا أضيف إلى ذلك الدور الرقابى لتلك الهيئة والممتد طوال حياة الصك منذ إطفائه، وإلزامية قرارات الهيئة باعتبارها نهائية ملزمة لجميع الجهات المشاركة فى إصدار الصكوك بما فى ذلك رئيس الوزراء، فإن ذلك كله يجعل من الخطورة بمكان قبول تلك الهيئة الشرعية على قمة الهيكل السوقى للصكوك، خاصة أنها قد تتغير فتاواها من فترة إلى أخرى كما يتغير تشكيلها دورياً، فكيف إذا كان الصك المتداول فى الأسواق عرضة للشطب لأن تشكيلاً جديداً للهيئة يراه غير موافق للشريعة؟! كما ألزم المشروع هيئة الرقابة المالية بالتقيد بمعايير المحاسبة والمراجعة التى تصدرها الجهات الدولية ذات الاختصاص بمحاسبة ومراجعة المؤسسات المالية الإسلامية دون تحديد تلك الجهات الدولية؟ وما الهدف من هذا التقييد، بالإضافة إلى إغفال تفاصيل وآليات التداول فى السوق الثانوى، إذ أوجب مشروع القانون قيد الصكوك المطروحة للاكتئاب العام فى بورصة الأوراق المالية فى مصر، ولم يتعرض إلى آليات التداول فى البورصة واكتفى بترك تحديد آليات قيد الصكوك لهيئة الرقابة المالية. كما أن مشروع القانون يجعل سوق الصكوك منغلقاً على نفسه، ويحول دون الاستفادة من سيولة بعض الصكوك المتداولة فى أسواق أكثر نشاطاً، فإذا رأت البورصة أهمية القيد المزدوج لبعض الصكوك النشطة المصدرة فى ماليزيا مثلاً فإن مشروع القانون يمنع ذلك طالما أن الأساس الشرعى الذى أصدرت به تلك الصكوك سوف يتعارض حتماً مع التكييف الشرعى للهيئة الشرعية المزمع إنشاؤها فى مصر.