التعليم فى كل الدول المتحضرة هو أساس بناء الأجيال، والمدرسة فى كل الدنيا هى مصنع الإنسان.. هى بوابة الوطن نحو الانتماء إليه وهى معبد مقدس للنشء يتربون فيها على كل القيم الحميدة، وهى الأرض الخصبة التى تغرس فيها البذور لتكبر فى سماء الوطن وتنمو فتخلق بشراً يبنون الأوطان ويعمرون البلدان وتتباهى بهم الأمم علماً وحضارة وعقولاً وعلماء ورجالاً ونساء، ومصر أقدم بلدان الدنيا فى هذا المجال.. مصر الفرعونية شهدت ما يعرف ب «بيت الحياة» كان الطفل يلتحق به وهو فى الرابعة يتعلم الكلام ويسمع الموسيقى ويمارس الرياضة ويتعلم الدين والاخلاق ومعهم الرقص التعبيرى والكورال حيث كان الدين مع الأخلاق بجوار الفنون والثقافة.. ماذا حدث الآن وبعد آلاف السنين من حضارة المصريين فى مدارس المصريين؟ للأسف خراب × خراب، نعم التعليم فى مصر الآن حدث ولا حرج وعلى يد الوزير الحالى من سيئ لأسوأ لما هو أشد من السواد الحالك المدلهم الظلمة فى الليل البهيم.. لم يعد المدرس كما قال أمير الشعراء: «قم للمعلم وفه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا» بل تحولت (كاد) إلى (كادر) وتحول (التبجيل) إلى (التسبيل) نعم المدرس يقوم «بالتسبيل» للطالبة التى هى فى دور ابنته وفى المدارس الثانوية هناك عشرات قضايا التحرش بالفتيات، وكل ما تفعله الإدارات التعليمية أنها (تكتم) على الخبر وتضع فوقه (ماجور) حتى تمنع الفضيحة، وحسب ما ذكرته المحامية سحر أبو العباس، مدير مركز حماية ضحايا التحرش فى المدارس من كل عشر قضايا تحرش لا تظهر إلا قضية واحدة، وهناك تعليمات لدى مديريات التعليم بمنع تسرب هذه القضايا الى الإعلام ودفنها عبر سراديب التحقيقات وروتين الوزارة، وتحكى عن واقعة مهزلة فى إحدى مدارس مصر الجديدة عندما اشتكت طالبة أن مدرساً يقوم بعرض أفلام مخلة على تلميذاته وعندما أعلنت الطالبة رفضها وقام ولى أمرها بالشكوى دبروا للطالبة الشاكية مصيبة وهددوها إن لم تسحب شكواها فسوف تفصل من المدرسة.. يعنى الشاكية من قلة أدب المدرس وإدارة المدرسة تحولت إلى متهمة لأنها فضحت أبعاد الجريمة ولا عزاء للتربية قبل التعليم، وهكذا تحولت منظومة التعليم فى مصر على يد الدكتور ابراهيم غنيم الى خرابة ترعى فيها الغربان.. وأخطر غراب اسود على شجرة التعليم هو الدروس الخصوصية التى تمثل سرطاناً ينهش جسد المصريين وجيوبهم، وللأسف لم يبادر الوزير غنيم منذ جاء على رأس الوزارة بأى حل يستأصل هذه الآفة من جذورها، ولم يبشرنا بأية خطوات تصلح من حال المدرس حتى لا يكون له حجة فى الكف عن هذه العلة.. ولم يسع الوزير لحسم أزمة الكادر أو تحديد حد أدنى للأجور ثم هو أقدم على تصرف غريب وشاذ يؤكد أنه ابن أهله وعشيرته ويبرهن بالبراهين انه يسعى كل يوم لأخونة الوزارة وهى كارثة كبرى بل تعد أخطر الكوارث لأن هناك حوالى 18 مليون تلميذ سيتحولون لضحايا هذه السياسة.. وأولى خطوات الأخونة كانت بتغيير أكثر من 120 قيادة فى الوزارة وإحلال آخرين ينتمون للإخوان ومنهم فى الإسكندرية سيدة كانت مرشحة على قوائم الإخوان وفوجئ العاملون بمديرية التعليم بأنها تحتل منصباً قيادياً بالمديرية ليس من حقها بل أخذت حق آخرين أقدم وأكفأ منها، ثم واقعة تعيين مجلس إدارة مدارس المعاهد القومية وهى التى تتحكم فى المدارس المنشأة أساساً منذ الأربعينات مثل ليسيه والميرد دييه وبورسعيد.. ويقدر رأسمالها الثابت بحوالى 60 مليار جنيه وكان مجلس إدارتها بالانتخاب وقام الوزير بتعيين مجلس إدارة من الإخوان ورئيس المجلس صاحب مدارس المدينةالمنورة الإخوانية وهنا كارثة أخرى أعنى بها ما يتم تدريسه فى المدارس الخاصة من مناهج، هل تشرف عليها الوزارة إشرافاً حقيقياً.. وهل تتأكد انها تنتمى لجمهورية مصر العربية.. حسب معلوماتى فإن فى مصر الآن نوعين من التعليم، نوعاً خاصاً يفعل أصحابه بالتلاميذ ما يريدون، بالإضافة إلى نوع عام لا يعترف به رب الأسرة المصرية ويقوم باستبداله بنظام المدرس الخصوصى وفى الحالتين هنا كارثة قومية.. أما أم الكوارث فهى إلغاء حصة الموسيقى وتخزين أدوات الموسيقى فى مخازن المدارس تحت ضغط دعاوى التطرف والتكفير بالمدارس والأنكى من هذا أن بعض المدارس الخاصة ومنها مدارس خيرت الشاطر وابنته خديجة ألغوا تحية علم مصر فى الصباح واستبدلوا النشيد القومى المصرى الذى حفظناه منذ طفولتنا بالمدارس وهو: (بلادى بلادى لك حبى وفؤادى) إلى (جهادى.. جهادى..)، أى أن التلميذ هنا لا ينتمى لوطن بل لمشروع الإخوان الأممى، فكيف بالله عليكم سيتخرج هذا التلميذ مصرياً يؤمن بهذا الوطن.. وكيف سيتم تجنيده ليدافع عن أرض وهو لم يرضع حبها والذود عنها لأنه رضع مبدأ السمع والطاعة للجماعة.. ملف التعليم الآن وبعد ثورة يناير هو أخطر ملف.. نحن سنمضى وهذه الأجيال هى التى سيؤمل عليها بناء مصر الوطن ومعنى تخريب هذه الأجيال يعنى عليه العوض فى مصر.. صح النوم يا وزير التربية والتعليم.