بعد حادث المنشية الشهير 1954 والذى حاول فيه أحد مجندى الإخوان المسلمين اغتيال الزعيم الراحل جمال عبد الناصر صدر كتيب صغير بعنوان «هؤلاء هم الإخوان» ضم مقالات لعميد الأدب العربى طه حسين ورائد الصحافة وأميرها محمد التابعى والاستاذ الراحل على أمين والشاعر الكبير كامل الشناوي. ومن يتأمل اللحظة التاريخية للحدث ورد الفعل آنذاك سيجد شبه تطابق بين موقفين لجماعة الإخوان المسلمين.. موقفها بعد ثورة 1952 وموقفها بعد ثورة يناير 2011 مما يدعونا للتساؤل – لماذا لم تقم الجماعة بنوع من المراجعة لفكرها من قضايا كثيرة. من الواضح أن الجمود والتحجر وربما الفشل فى مواكبة كثير من المتغيرات هو السمة البارزة للطريقة التى تدير بها الجماعة أمورها والطامة الكبرى اليوم فى الطريقة التى تدير بها الجماعة شئون الحكم فى مصر من خلال مندوبها السامى بقصر الرئاسة الدكتور محمد مرسى.. وحين نتأمل ونتعمق فى فهم ما كتبه الدكتور طه حسين قبل ستين عاما عن الإخوان المسلمين سنلمس حقيقة ناصعة كالشمس وهى سيطرة روح العزلة وفكر الاقصاء على عمل هذا «الرهط الإخواني». يقول عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين مستنكرا فكر الجماعة «نصبح ذات يوم فنكتشف فريقا منا كانوا يهيئون الموت والهول والنكر لإخوانهم فى الوطن ولإخوانهم فى الدين ولإخوانهم فى الحياة التى يقدسها الدين كما لا يقدس شيئا آخر غيرها من أمور الناس، ما هذه الأسئلة وما هذه الذخيرة التى تدخر فى بيوت الأحياء وفى قبور الموتى.. لم كل هذا الشر ولم كل هذا النكر ولم رخصت حياة المصريين؟! يقال إن حياة المصريين إنما رخصت على المصريين بأمر الإسلام الذى لم يحرم شيئا كما حرم القتل». وكأن الدكتور طه حسين قد رأى ببصيرته وهو المحروم من نعمة البصر قبل ستين عاما ما لم نره نحن المبصرون الذين حرمنا نعمة التبصر وذلك حين يكتب قائلا «الحياة لا يجرؤ على إطفائها إلا من حرم من شعور الرفق والرحمة، فالعزل الوادعون الذين لا يريدون حربا ولا قتالا، يحتملون أعباء الحياة ما خف منها وما ثقل، لا يؤذون أحدا ولا يحبون أن يريدهم أحد بالأذى، وما دام السلطان نفسه يستبيح الخروج على الدين والقوانين فى سبيل المنافع والمطامع فلا على الأفراد ولا على الجماعات أن يستبيحوا الخروج على الدين والقوانين فى سبيل المنافع والمطامع أيضا». أما الرائع والرشيق الأستاذ محمد التابعى فقد لخص حقيقة جماعة الإخوان المسلمين فى ثلاث نقاط تغنينا اليوم عن قراءة عشرات الكتب أو متابعة مطر الحوارات الفضائية وببراعة يحسد عليها كتب التابعى يقول إن حقيقة الإخوان يمكن اختزالها فى ثلاثة أمور هى أولا: أن أقطاب هذه الجماعة التى تزعم أنها قامت لنشر تعاليم الإسلام وتبصير المسلمين بأمور دينهم الحق لا يعرفون شيئا من أصول دينهم. ثانيا: كلما ارتفع مقام الأخ فى الجماعة كلما هبط نصيبه من الشجاعة والصراحة وازداد نصيبه من الجبن والمراوغة والنفاق. ثالثا: تبين من التحقيقات التى أجريت مع أعضاء الجماعة أن نظامها قام على أسس مقتبسة من نظم البوليس السرى فى روسيا (الاوجيو) وفى ألمانيا (الجستابو) وفى إيطاليا (الأوفرا). أما الجورنالجى عالى الإحساس والتقدير والتحليل لما يحدث حوله فهو الأستاذ الراحل على أمين الذى سبق الكثير من جورنالجية اللحظة الراهنة وكتب برؤية الصحفى التى تخترق حاسته البديعة كل أسوار الوهم والخداع والتضليل بدرجة مدهشة وكأن على أمين يعتلى منصة ميدان التحرير ثائرا ومنبها وكاشفا لكثير من الزيف الإخوانى.. يقول أستاذنا على أمين فى كتيب «هؤلاء هم الإخوان» متخيلا حكم الإخوان لمصر: «سيملأ الهضيبى «مرشد الجماعة آنذاك» وزارات الحكومة برجال مكتب الإرشاد وسيغضب مائة عضو لم يجد لهم وزارات، وسيغلق البنوك وكل الشركات الأجنبية لأنها لا يمكن أن تتعامل من قوانين عمرها أكثر من ألف عام، وستمتلئ الشوارع بالعاطلين والبطالة ولن توجد سياحة ولا نساء بعد إلزامهن البيوت، وسوف تلغى تعليم اللغات الأجنبية ومحلات الحلاقين وسوف تغلق عيادات أطباء العيون وعيادات الأنف والأذن والحنجرة، لأن السعداء فى عهد الإخوان المسلمون هم الذين لا يبصرون ولا يسمعون». هكذا فهم رواد وعمالقة الأدب والصحافة جماعة الإخوان المسلمين قبل ستة عقود وهو ما لم تستوعبه النخبة المصرية حين ناصرت مرشح الإخوان فى انتخابات الرئاسة 2012 معتمدة على سراب خادع يؤكد أن الكثير من دعاة الفكر والوعى اليوم قد يكونون فى لحظة ما ممن يمتلكون بعض البصر ولكن المؤكد أنهم افتقدوا حينها كل البصيرة.