الظلم فاق كل الحدود فى هذه الدولة، وكأن الحاكم ورعيته يحكمون شعبا من غير جنسيتهم، أو ربما عاد الاستعمار أيا كانت جنسيته وعقيدته من جديد، فى زمن الملكية والاستعمار كان يوجد جهاز تابع للداخلية يسمى البوليس السرى، وهؤلاء الذين يحكمون الوطن اليوم عاشوا هذا الزمن الأغبر الذى قام بتعذيب آلاف المصريين بكل أنواع وأشكال العذاب الذى أتى به الاستعمار الى كل البلاد العربية المستعمرة. والمفارقة هنا اليوم أنه وبرغم الاستقلال الذى نزعته مصر انتزاعا من بريطانيا، الا أنه كما قلنا أن الشرطة المصرية على وجه الخصوص والعربية على وجه العموم، أخذت الطابع الاستعمارى وتمسكت به فى عقيدتها السيكلوجية، وكأن المدرسة التى غرسها المعلمون فى زمن الاستعمار مازالت يعمل بها حتى الآن، هناك ترسيخ نفسى داخلى للشرطى الذى يتخرج في أكاديمية الشرطة، هى.. هى لم يحدث فيها أى تغيير يذكر غير أنها زادت سوءا وأكثر اجراما في العشرين سنة الأخيرة، فلقد ابتكر وزير الداخلية السابق أنواعا جديدة من آليات التعذيب لم تكن موجودة سابقا، أما المدهش الذى لم يكن فى الحسبان الأدوات التى جاء بها هذا النظام الحالى، فهو خليط من رجال الشرطة ورجال الميلشيات، نحن لا نعيش فى دولة بوليسية كما يتفضل بعض الزملاء من أمثال ابراهيم عيسى ووائل الابراشى، إنما انتفى وجود الدولة منذ أن اعتلوا الحكم، وبالتالى أصبح لا وجود للدعائم الرئيسية التى تقوم عليها أركان الدولة، لأنها استبدلت بنظام آخر عرف فى القرن التاسع عشر أطلقوا عليه (الأناركية) أى الفوضوية. هذا النظام تحل فيه الميلشيات التابعة للديكتاتور الحاكم محل الجهاز الشرطى فى البلاد، ويختلط فيه الحابل مع النابل، وتضيع فيه الحقيقة ، فلو دققت النظر لما يحدث الآن لرأيت عجب العجاب، يسحل المواطن حمادة صابر ويتم نزع كل ملابسه، ويصبح عاريا كما ولدته أمه ويضرب بالأحذية ويشاهده كل العالم على جميع القنوات وهو تدهس كرامته ورجولته بأيدى جزارين سفاحين من ضباط وجنود الشرطة ومن الميلشيات الملثمة التى ظنها البعض أنها شرطة، ومع ذلك أرادوا أن يكذبوا الصورة وينفوا عن أنفسهم هذا الفعل الفاضح لسياستهم القهرية والعنفوانية التى غرسها فيهم الاستعمار سابقا والجماعة لاحقا. هذا العمل غير الانسانى المعيب العارى من أى شفقة أو رحمة بالحيوان فيصبح لهم الحق فيما يفعلون وليس عليهم أى عتب لأن الإجرام متأصل فيهم بالغريزة وبالتعلم، هذه السيكولوجية الراسخة فى نفوسهم تم تداولها حتى أصبحت جزءا لا يتجزأ من منهجهم الفاشى اللينينى، انظروا كيف استطاع الضابط ومن معه من فريق عمل أن يقوموا بخطف مواطن (محمد الجندى) الذى قام الضابط بسب أمه، فرد الشاب عليه السباب، ولما كانت النفس المليئة بالعقد مهيأة للهياج لدى الضابط، لم يلبث الا أن قام بضربه وتعذيبه ثم أخذوه الى الجبل الأحمر ليتم الإجهاز عليه حتى فقد الوعى ثم قاموا بقذفه فى القمامة، توفى الشاب بعد أن سلمته والدته الى المستشفى، إلا أنها حتى الآن لم تستوعب موت ابنها الوحيد..!! وربما يظن البعض أنه عمل فردى من رجل شرطة معقد، إنما هذه عقيدة لديه هو وغيره منذ مائة سنة وأكثر، تعلموا وتخرجوا من نفس المدرسة العدوانية التى مارسوا فيها المنهج اللا أخلاقى اعتقادا منهم أن رجل الشرطة بالضرورة يجب إعداده قبيحا شرسا يحمل قلبا ميتا حتى لا يضعف أمام المتهم الذى قال عنه القانون إن المتهم برىء حتى تثبت ادانته، وأن الشرطة فى خدمة الشعب، وتناسوا فى منهجهم التعليمى السيكولوجى أن الأخلاق كقيمة من أهم القيم التى تبنى عليها الحضارات، فعندما اختفت هذه القيمة – الأخلاق - اختفت معها الحضارات..! وها هم مرة أخرى وفى نفس اليوم الذى تمت فيه عملية السحل عند قصر الاتحادية يتم ضرب بعض المتظاهرين بالخرطوش مما أدى الى قتل الشاب محمد حسين (كرستى) والذى أصيب برصاصتين، واحدة فى الرقبة والأخرى فى الصدر، فهل من المعقول أن يصدق أى انسان أن مثل هؤلاء العدوانيين مواطنون مصريون سواء كانوا من الشرطة أو من الإخوان أو من السلفيين؟ أيا كانوا لايمكن أنهم ينظرون الى هؤلاء الشباب الثائر على الظلم والفساد بأنهم أشقاؤهم أو أبناؤهم، إنما هم ينظرون اليهم على أنهم أعداء للنظام لكونهم أرادوا أن يستردوا ثورتهم المسروقة التى تم نهبها بعد مؤامرة حيكت بكل دقة تم وضع الشعب معها أمام خيارين كلاهما مر (الإخوان من أمامكم، وشفيق من خلفكم). المهم كان ما كان، ونجح السيناريو الذى احيك جيدا بفوز مرسى، الذى تعهد فى البرنامج الذى أعده عندما نجح واعتلى الكرسى ووعد أن يطبق الديمقراطية على كل أطياف الشعب، وهو كرئيس ديمقراطى، فلابد أن يكون بالضرورة كاذباً، لذلك هو لم ينفذ أى بند من البنود التى وعد بها الشعب حتى هذه اللحظة، ثلاثة ملايين شاب خريج عاطل.. وعد أن يقوم بتوظيف بعضهم ولم يحدث، ولن أسترسل فى باقى برنامجه فالجميع يعرف ما وعد الشعب به ولم يقم بتنفيذ أى منه، أين العدالة؟ وأين المساواة؟ وأين الحرية التى يتشدق بها الذين يعتنقون الديمقراطية..!؟ [email protected]